تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ارشاد الرعية الى حسن اختيار المعية



علي سليم
08-27-2006, 11:16 AM
ارشاد الرعية الى حسن اختيار المعية

--------------------------------------------------------------------------------

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له , و اشهد أن لا اله الاّ الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمدا" عبده و رسوله.


اما بعد:
اجتالت الشياطين بني آدم و اخذتهم على غرّة من دينهم...و بات الناس بين عليل الجسد ممسوس ملبوس و اخر مربوط محبوس....
و الاول ضاع بين الطقوس و الثاني اعتكف ابواب دكاترة النفوس...
فلم يجن اولاهما غير دفع الفلوس بينما تاليه رقد على سرير ملموس...

و هكذا تتابعت الادوار, و اصبح الشيخ طبيب الاقدار,همّه حبّ الظهور,و بات عمله مبتور,تارة يتمتم بلغة البكم و اخرى يصرخ صراخ البهم,يضرب المريض بعصاه,و ينمنم بالغيبة لمن عصاه,يأمر الجني بالحديث,و يعمل بظن الخبيث....
فلا برسوله اقتده و لا بصحبه احتذه ....
و تتبّع هذا و ظلّه,و عدوه و خلّه,يعوذنا قلم جبّار,و مداده ملح البحار,و لا ضير بتبيين العوار,و الى الله يكون الفرار.....
نعود اليه في رسالة يعلوها عسل السدر,و ماء زمزم, وزيت مبارك.....
مدخل:
اخرج الطبراني في معجمه الكبير(19\5-6) من طريق عاصم بن عمر ابن قتادة عن ابيه عن جده قتادة بن النعمان قال:
كانت ليلة شديدة الظلمة و المطر, فقلت: لو اني اغتنمت هذه الليلة شهود العتمة مع النبي صلى الله عليه و سلم! ففعلت, فلما انصرف النبي صلى الله عليه و سلم أبصرني و معه عرجون يمشي عليه فقال:
ما لك يا قتادة! ههنا هذه الساعة؟
قلت: اغتنمت شهود الصلاة معك يا رسول الله! فأعطاني العرجون, فقال:
انّ الشيطان قد خلفك في اهلك فاذهب بهذا العرجون فأمسك به حتى تأتي بيتك, فخذه من وراء البيت فاضربه بالعرجون.
فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا, فاتّضأت به, فأتيت اهلي فوجدتهم رقودا,فنظرت في الزاوية, فاذا فيها قنفذ, فلم ازل اضربه بالعرجون حتى خرج. صححه الالباني رحمه الله تحت رقم3036 من الصحيحة.

بداية شرع الراوي رضي الله عنه بوصف ليلة خروجه فانها ليلة شديدة الظلمة و المطر و هذا الاخير يكفي ان يصلي المرء في بيته بيد انه اخذ بالرخصة و المولى سبحانه و تعالى يحب ان تؤتى رخصه كما انه يحب ان تؤتي عزائمه في ما صح اكثر من حديث نحو هذا....
و لذا كانت الرخص شرع و دين و تركها بدعة و نقص فليس الكمال في الكمّ و انما في المتابعة فذاك صام الدهر و لم يفطر و الاخر صلى الليل و لم يرقد و الثالث اعتزل النساء فلم يتزوج فردّ كل هذا رسول الكمال و الرحمة بقوله(انني اصوم و افطر و اصلي و ارقد و اتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني...و الحديث في الصحيح.
و بناء على هذا كان ثواب الطاعة على حسب الموافقة لا المشقة فهي ليست من البرّ بمكان.......
و لذا عندما أذّن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان (جبل بناحية مكة) ثم قال: صلوا في رحالكم...ثم قال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على اثره (الا صلوا في الرحال) في ليلة الباردة او المطيرة .....
اخرجه البخاري و مسلم....
و غيرها من الاحاديث.....
و هذه احدى السنن المندثرة و لا حول و لا قوة الا بالله تعالى.
ثم كان من قتادة خياران لا ثالث لهما ام الخروج و ام الجلوس, ام الاخذ بالعزيمة او الاخذ بالرخصة فاختار اولاهما لفضل و بركة امام القوم و هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال_
لو اني اغتنمت هذه الليلة شهود العتمة مع النبي صلى الله عليه و سلم_و لا ضير على المرء ان يتنوع بين الرخص و العزائم فيعمل بهذه تارة و بتلك تارة اخرى الا ان ترتّب على الاخذ بالعزيمة آثارا جانبية كتأخير المرض او حدوثه فعندها عليه بالرخصة قولا واحدا....

ثم يستغل بعض هذا اصحاب العقول المريضة فتراهم يدرسون سيرة المصطفى عن ظهر قلب من حطّاب ليل و لا يفرقون بين اعماله صلى الله عليه و سلم الخَلْقيّة و الخُلقيّة بين الجبليّة و المكتسبة!!!
فليس كل عمله صلى الله عليه و سلم شرعا و يتوقف هذا على قوله و فعله و تقريره و لذا سارع الخلفية عمر ابن الخطاب في قطع شجرة العقبة عندما تهافت الناس للجلوس بظلها اتّباعا لنبيهم صلوات ربي و سلامه عليه ظنّوا.....
فامساكه بالعرجون من هذا القبيل فليس من السنة ان نحمل عرجونا و نتعبد الله تعالى بحمله......

و قوله صلى الله عليه و سلم لقتادة(ما لك يا قتادة! ههنا هذه الساعة؟) مما يدل ضمنا انكارا على قتادة لعزوفه عن الاخذ بالرخصة.....
فقال:( قلت: اغتنمت شهود الصلاة معك يا رسول الله!) فلم ينكر عليه الاخذ بالعزيمة مما يدلنا على التحرير الذي حررناه قبل اسطر فلينظر اليه بتمعن.....
ثم اعطاه العرجون قائلا له: انّ الشيطان قد خلفك في اهلك فاذهب بهذا العرجون فأمسك به حتى تأتي بيتك, فخذه من وراء البيت فاضربه بالعرجون.
و هذا علم من اعلام نبوته صلى الله عليه و سلم فيطلعه ربه و مولاه على ما شاء من غيبه مما هو خرق للعادة ليبتلي به قلوب العباد......
و يكفي قتادة العمل بقوله صلى الله عليه و سلم( من اراد ان يسافر فليقل لمن يخلّف : استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) و الحديث صحيح و هو عند ابن ماجه و احمد و غيرهما....
و قبل هذا قوله صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ان الله تعالى اذا استودع شيئا حفظه.اخرجه النسائي و احمد و هو صحيح
اما ان تخلّف في اهلك ربك و اما ان يخلّفك الشيطان لا محالة عاجلا او آجلا....
و كم امطرت علينا القصص من هنا و هناك تحكي سوء الخلف و المستودع!!!
فهذا خرج من بيته و عند عودة كانت جوارح قطّاع الطرق اعملت فيه عمل النار في الهشيم.....
و آخر ترك زوجه ليعود اليها و هي تتربع عند شُعَب رَجُلٍ غريب!!!
و الخلف اما ان يكون الله تعالى و هذا يتحقق بالطلب و اما ان يكون من الشياطين الجن و الانس...
و مرّت عليّ فترة اثقلت كاحلي علامات التعجب مع صغر حجمها!!!
فذهب المال و ضاع السؤال,فالذي تجنيه طوال النهار يذهب سدى في عتمة الليل!!!
فانتبهت من غفلتي و تلفظت بالمآل فارتاح البال و خلت بر الامان...
فلم يفتر لساني في صغيرة او كبيرة عن قولي (((اللهم اني استودعك هذا ......و استخلفك عليه)))
و الحمد لله اولا و آخرا.......

عود على بدء:
لم يأمره صلى الله عليه و سلم ان يضربه ضرب الزجر و الاكراه على الخروج فللعرجون بركة خاصة و معجزة جارية فمن الرسول الى قتادة لاغير و ذاك العرجون و لا يتعدّ بركته الى غيره....فالبركة حاصلة عندما كان بيمين النبي صلى الله عليه و سلم و لذا اضاء امام قتادة و اخرج القنفذ.....
اذا الاصل : تضربه لا تقتله, تزجره لا تحبسه,تأمره لا تسامره...
و اني اتعجب و يزداد عجبي من اناس ينتمون الى السلف ديدنهم المسامرة مع الشياطين بيد ان رسولهم صلى الله عليه و سلم لم يزد على قوله (اخرج عدو الله)!!!
و يقرؤون القرآن و يثابرون بغية ان يحضرون!!! و قال تعالى ( و قل رب اعوذ بك من همزات الشياطين, و اعوذ بك رب ان يحضرون)
ثم يتحدثون بما هو لعب الشيطان بهم و قال صلى الله عليه و سلم( لا تتحدث بتلاعب الشيطان بك في المنام) مسلم
و هذا عند رفع القلم فمابلك و القلم قائم!!!
و زد ضغثا على ابالة عندما يعتقدون صدق (صدقك و هو كذوب)!!!
و لا بنصحك يلتزمون و لا بارشادك يأتمورن بل يبادلون الحسنة بالسيئة و يستيقظون على غيبة و يرقدون على نميمة فالله اسأل هدايتهم انه ولي ذلك.....

عود على بدء:
فلحديث قتادة لون خاص و طعم حلو و ليس هذا الا لمن كان طعمه و بصره كما هي طبائع البشرية السليمة....
و هو احد الاحاديث الذي يجد فيه المسلم ضالته فلا غير ان تلتزم بدعاء الخلف و خير الخلف رب الناس سبحانه و تعالى...
فاسأله تعالى التوفيق و السداد و حسن الختام و ان يجعل عملي هذا خالصا لوجه الكريم فهو المسؤول و المأمول.