fakher
07-30-2007, 08:22 AM
د. فيصل القاسم
لطالما تشدق الأوروبيون بفضيلة "العدل"، ولطالما تفاخروا بأن السلطة القضائية في بلادهم فوق السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولطالما تباهوا بنزاهة قضاتهم الذين يتقاضون رواتب خيالية درءاً للرشوة وشراء الضمائر. ولطالما نسبوا الاستقرار الاجتماعي والسياسي في ربوعهم إلى تطبيق "القانون والنظام" بشكل صارم. فلماذا إذن ثارت ثائرتهم لمجرد أن محكمة ليبية حكمت على ممرضات بلغاريات بالسجن المؤبد لحقنهن أكثر من أربعمائة طفل ليبي بفيروس الأيدز القاتل؟ أليست جريمة فاشية بامتياز تستحق الإعدام في الساحة الخضراء في طرابلس الغرب؟ ألم يكن من الخطأ أصلاً تخفيف العقوبة إلى السجن مدى الحياة؟ مع هذا لم يخفف ذلك من الغلواء الأوروبي المطالب بنقلهن إلى بلغاريا، هكذا بكل بذاءة ووقاحة، حتى تحقق لهم ذلك.
لم نكن نصدق أعيننا ونحن نرى كبار الزعماء الأوروبيين يتنادون، ويضغطون على ليبيا للرأفة بالممرضات. كيف لا وقد تناسى الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل فترة كل مشاكل العالم، وطالب ليبيا بالإفراج عن المدانات البلغاريات؟ لم يبق رئيس أو هيئة أوروبية إلا وتدخلت لإطلاق سراح الممرضات، لا بل إن زوجة الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي بدأت حياتها الجديدة كسيدة أولى بالسفر على عجل إلى ليبيا للقاء الممرضات، وابتزاز القيادة الليبية كي تطلق سراحهن، بالرغم من ثبوت الجريمة التي يندى لها الجبين وغير المسبوقة في القضاء العالمي. أما زوجها الموقر ساركوزي فظل مستنفراً للغرض نفسه، فقد أجرى مشاورات ومباحثات مكوكية وماراثونية مع الزعماء الأوروبيين لنقل الممرضات إلى بلغاريا، متناسين أن هؤلاء المجرمات جديرات بأقسى العقوبات، وأنه من العيب الأخلاقي والإنساني أن يتدخل أي مسؤول أوروبي في قضيتهن البشعة.
لقد أثبت الغربيون مرة أخرى أن كل القيم الجميلة التي يطبقونها في بلادهم كالديموقراطية والعدالة والحرية هي قيم داخلية فقط، ولا يجب العمل بها إلا داخل حدود الغرب. فالديموقراطيون الغربيون، كالحيوانات المفترسة في الغابة، تداعب صغارها، وتحن عليها، وتعاملها بلطف ورأفة عز نظيرها، لكنها ما أن ترى حيواناً آخر يمر بجانبها حتى تهب بسرعة جنونية لتمزقه إرباً إرباً، مع العلم أنها كانت قبل دقائق فقط تلاطف جراءها بحنو وحنان بالغين. وهكذا أمر الأوروبيين، فهم عادلون وطيبون مع شعوبهم، لكنهم وحوش كاسرة مع الغير، وكأن هذا الغير لا يستحق أياً من الفضائل التي يطبقونها في مجتمعاتهم.
لا بأس أن تـُنفق الملايين في المحاكم الغربية لمحاكمة متهمين بقضايا سخيفة، ولا بأس أن تستغرق المحاكمات سنين وسنين لإحقاق العدالة، لكن حرام وألف حرام على محكمة ليبية أن تصدر حكماً بحق مجرمات هزت فعلتهن الرهيبة مشاعر العالم من أقصاه إلى أقصاه. فلو كان القاتل عربياً لوجب تمريغ أنفه وأنف دولته بالتراب، ولفـُرض عليها حصار دولي خانق، وعقوبات مدمرة، ولتم دفع تعويضات بمليارات الدولارات لأهالي الذين قتلهم المجرم العربي. أما إذا كان القاتل غربياً، فيتغير الوضع مائة وثمانين درجة فقط لا غير.
كلنا يتذكر المعاملة القضائية الأمريكية العنصرية مع أتباع "القاعدة" في أفغانستان، فبينما شحنت القوات الأمريكية العرب المشتبه بهم بطريقة همجية إلى "غولاغ" غوانتانامو ليسوموهم هناك سوء التنكيل والعذاب، خصصت القوات نفسها سيارة خاصة للشخص الأمريكي الذي كان عضواً في "القاعدة"، وبدلاً من سوقه إلى المعتقل سفرّته إلى أمريكا، ووضعت له محامياً خاصاً، على أن يمثل أمام محكمة مدنية، لا عسكرية ميدانية كالتي أقاموها للمتهمين العرب. بعبارة أخرى فإن المجرم الغربي بريء حتى لو ثبتت إدانته، بدليل أن الرئيس البلغاري أصدر عفواً عن الممرضات فور وصولهن مطار صوفيا، متحدياً بذلك مشاعر الليبيين، إن لم نقل العرب أجمعين!
صحيح أن إنساننا العربي والمسلم عموماً أصبح رخيصاً للغاية، بدليل أن ليبيا باعت أرواح مئات الأطفال مقابل ابتسامة أوروبية، لكن الطريقة الغربية في التعامل مع مظالمنا لا تقل رخصاً ودناءة، فبينما حصلت كل عائلة أمريكية على عشرات الملايين من الدولارات من ليبيا تعويضاً عن كل شخص قضى نحبه في حادثة "لوكربي"، لم تدفع الحكومة الأمريكية سوى مئتي دولار للعائلات الأفغانية التي حصدت الطائرات الأمريكية المئات منهم وهم يحضرون حفل زفاف.
ألا يستحى هؤلاء الأمريكيون والأوروبيون؟ أليست قمة العنصرية أن ظل الغربيون يضغطون للإفراج عن مجرمات تلطخت أيادهن بدماء أطفال عرب حتى أعادوهن إلى بلغاريا؟ أليس هناك قيمة لأرواح أربعمائة وتسعة وثلاثين طفلاً ليبياً؟ أين الإنسانية الغربية؟ أين التعاطف مع عائلات الأطفال الليبين؟ أليست المطالبة بنقل الممرضات إلى بلغاريا فضيحة أخلاقية ووصمة عار على جبين أوروبا، لابل إهانة شنعاء لمشاعر الليبيين وذوي الأطفال المصابين؟
هل بقي أي مجال للشك بأن أولئك الذين يحاضرون علينا بـ"العدالة والمساواة والأخوّة" (الشعار الفرنسي الشهير) هم أسوأ أعداء العدالة والأخوة الإنسانية، إلا إذا كانوا يقصدون أيضاً العدالة لجنس بعينه! وهو ما يتضح من الموقف الفرنسي من قضية الممرضات البلغاريات. أي عنصرية أشنع من هذه العنصرية؟ أي نفاق أبشع من هذا النفاق الأوروبي الفظيع؟
لطالما سخر الغربيون وأذنابهم في عالمنا العربي من القول الإسلامي: شهداؤنا في الجنة، وقتلاهم في النار، ولطالما اعتبروه قولاً عنصرياً فاشياً. أليس حرياً بهم أن يلتفتوا حولهم قليلاً ليتبينوا أنهم سادة الفاشية والعنصرية وسدنتها. أليس شعار العدالة الغربية: مجرمونا في الجنة ومجرموكم في النار؟؟
لطالما تشدق الأوروبيون بفضيلة "العدل"، ولطالما تفاخروا بأن السلطة القضائية في بلادهم فوق السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولطالما تباهوا بنزاهة قضاتهم الذين يتقاضون رواتب خيالية درءاً للرشوة وشراء الضمائر. ولطالما نسبوا الاستقرار الاجتماعي والسياسي في ربوعهم إلى تطبيق "القانون والنظام" بشكل صارم. فلماذا إذن ثارت ثائرتهم لمجرد أن محكمة ليبية حكمت على ممرضات بلغاريات بالسجن المؤبد لحقنهن أكثر من أربعمائة طفل ليبي بفيروس الأيدز القاتل؟ أليست جريمة فاشية بامتياز تستحق الإعدام في الساحة الخضراء في طرابلس الغرب؟ ألم يكن من الخطأ أصلاً تخفيف العقوبة إلى السجن مدى الحياة؟ مع هذا لم يخفف ذلك من الغلواء الأوروبي المطالب بنقلهن إلى بلغاريا، هكذا بكل بذاءة ووقاحة، حتى تحقق لهم ذلك.
لم نكن نصدق أعيننا ونحن نرى كبار الزعماء الأوروبيين يتنادون، ويضغطون على ليبيا للرأفة بالممرضات. كيف لا وقد تناسى الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل فترة كل مشاكل العالم، وطالب ليبيا بالإفراج عن المدانات البلغاريات؟ لم يبق رئيس أو هيئة أوروبية إلا وتدخلت لإطلاق سراح الممرضات، لا بل إن زوجة الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي بدأت حياتها الجديدة كسيدة أولى بالسفر على عجل إلى ليبيا للقاء الممرضات، وابتزاز القيادة الليبية كي تطلق سراحهن، بالرغم من ثبوت الجريمة التي يندى لها الجبين وغير المسبوقة في القضاء العالمي. أما زوجها الموقر ساركوزي فظل مستنفراً للغرض نفسه، فقد أجرى مشاورات ومباحثات مكوكية وماراثونية مع الزعماء الأوروبيين لنقل الممرضات إلى بلغاريا، متناسين أن هؤلاء المجرمات جديرات بأقسى العقوبات، وأنه من العيب الأخلاقي والإنساني أن يتدخل أي مسؤول أوروبي في قضيتهن البشعة.
لقد أثبت الغربيون مرة أخرى أن كل القيم الجميلة التي يطبقونها في بلادهم كالديموقراطية والعدالة والحرية هي قيم داخلية فقط، ولا يجب العمل بها إلا داخل حدود الغرب. فالديموقراطيون الغربيون، كالحيوانات المفترسة في الغابة، تداعب صغارها، وتحن عليها، وتعاملها بلطف ورأفة عز نظيرها، لكنها ما أن ترى حيواناً آخر يمر بجانبها حتى تهب بسرعة جنونية لتمزقه إرباً إرباً، مع العلم أنها كانت قبل دقائق فقط تلاطف جراءها بحنو وحنان بالغين. وهكذا أمر الأوروبيين، فهم عادلون وطيبون مع شعوبهم، لكنهم وحوش كاسرة مع الغير، وكأن هذا الغير لا يستحق أياً من الفضائل التي يطبقونها في مجتمعاتهم.
لا بأس أن تـُنفق الملايين في المحاكم الغربية لمحاكمة متهمين بقضايا سخيفة، ولا بأس أن تستغرق المحاكمات سنين وسنين لإحقاق العدالة، لكن حرام وألف حرام على محكمة ليبية أن تصدر حكماً بحق مجرمات هزت فعلتهن الرهيبة مشاعر العالم من أقصاه إلى أقصاه. فلو كان القاتل عربياً لوجب تمريغ أنفه وأنف دولته بالتراب، ولفـُرض عليها حصار دولي خانق، وعقوبات مدمرة، ولتم دفع تعويضات بمليارات الدولارات لأهالي الذين قتلهم المجرم العربي. أما إذا كان القاتل غربياً، فيتغير الوضع مائة وثمانين درجة فقط لا غير.
كلنا يتذكر المعاملة القضائية الأمريكية العنصرية مع أتباع "القاعدة" في أفغانستان، فبينما شحنت القوات الأمريكية العرب المشتبه بهم بطريقة همجية إلى "غولاغ" غوانتانامو ليسوموهم هناك سوء التنكيل والعذاب، خصصت القوات نفسها سيارة خاصة للشخص الأمريكي الذي كان عضواً في "القاعدة"، وبدلاً من سوقه إلى المعتقل سفرّته إلى أمريكا، ووضعت له محامياً خاصاً، على أن يمثل أمام محكمة مدنية، لا عسكرية ميدانية كالتي أقاموها للمتهمين العرب. بعبارة أخرى فإن المجرم الغربي بريء حتى لو ثبتت إدانته، بدليل أن الرئيس البلغاري أصدر عفواً عن الممرضات فور وصولهن مطار صوفيا، متحدياً بذلك مشاعر الليبيين، إن لم نقل العرب أجمعين!
صحيح أن إنساننا العربي والمسلم عموماً أصبح رخيصاً للغاية، بدليل أن ليبيا باعت أرواح مئات الأطفال مقابل ابتسامة أوروبية، لكن الطريقة الغربية في التعامل مع مظالمنا لا تقل رخصاً ودناءة، فبينما حصلت كل عائلة أمريكية على عشرات الملايين من الدولارات من ليبيا تعويضاً عن كل شخص قضى نحبه في حادثة "لوكربي"، لم تدفع الحكومة الأمريكية سوى مئتي دولار للعائلات الأفغانية التي حصدت الطائرات الأمريكية المئات منهم وهم يحضرون حفل زفاف.
ألا يستحى هؤلاء الأمريكيون والأوروبيون؟ أليست قمة العنصرية أن ظل الغربيون يضغطون للإفراج عن مجرمات تلطخت أيادهن بدماء أطفال عرب حتى أعادوهن إلى بلغاريا؟ أليس هناك قيمة لأرواح أربعمائة وتسعة وثلاثين طفلاً ليبياً؟ أين الإنسانية الغربية؟ أين التعاطف مع عائلات الأطفال الليبين؟ أليست المطالبة بنقل الممرضات إلى بلغاريا فضيحة أخلاقية ووصمة عار على جبين أوروبا، لابل إهانة شنعاء لمشاعر الليبيين وذوي الأطفال المصابين؟
هل بقي أي مجال للشك بأن أولئك الذين يحاضرون علينا بـ"العدالة والمساواة والأخوّة" (الشعار الفرنسي الشهير) هم أسوأ أعداء العدالة والأخوة الإنسانية، إلا إذا كانوا يقصدون أيضاً العدالة لجنس بعينه! وهو ما يتضح من الموقف الفرنسي من قضية الممرضات البلغاريات. أي عنصرية أشنع من هذه العنصرية؟ أي نفاق أبشع من هذا النفاق الأوروبي الفظيع؟
لطالما سخر الغربيون وأذنابهم في عالمنا العربي من القول الإسلامي: شهداؤنا في الجنة، وقتلاهم في النار، ولطالما اعتبروه قولاً عنصرياً فاشياً. أليس حرياً بهم أن يلتفتوا حولهم قليلاً ليتبينوا أنهم سادة الفاشية والعنصرية وسدنتها. أليس شعار العدالة الغربية: مجرمونا في الجنة ومجرموكم في النار؟؟