تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات حامل الدعوة



ابو شجاع
08-18-2007, 02:14 PM
مذكرات حامل الدعوة

مذكرات الأستاذ يوسف السباتين رحمه الله الذي حمل الدعوة الاسلامية منذ الخمسينات من القرن الماضي وتحمل الاذى والاضطهاد في سبيل ذلك وعاش حتى آخر حياته وهو حامل للدعوة

المقدمة
ما كان الانسان ليدري ما خطت له يد القدر ولم يكن ليعرف كيف سيمضي فترة العمر، وما سيلاقيه من الشدائد والمحن، أو ما يحظى به من الهناء والرخاء، فقد قدر الله لكل انسان ما يجري له في حياته، وجعل ذلك مستورا عنه، اذ لو علم به لعاش اما يائسا حزينا أو متفائلا مسرورا، ولكن حكمة الله اقتضت عدم معرفة الانسان ما سيحصله ليعمل ويجد ويسعى لتحقيق ما يصبو اليه وكأنه يعيش ابدا، ونهاه عن الاستماع لأقوال العرافين والمنجمين ليظل على فطرته، فقد تسير به الحياة على خلاف ما يحب ويرضى، وقد يحقق بعض أمانيه أو كلها وقد لا يحظى الا بالقليل منها وقد يصبو الى امور ثم لا يلبث ان يقلع عنها ، وقد يوافيه حظ خير مما كان يأمل. وقد لا يناله من مسعاه للخير الا الشر، ولقد أحسن الشاعر القائل:

وما ادري اذا يممت أمرا أريد الخير أيهما يليني
ءألخير أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبغيني

لم يخطر ببالي في يوم من الايام أن أكتب لنفسي مذكرات تنبئ بما لاقيته في حياتي . غير أني لما كنت اقص بعض الحوادث التي جرت معي لأصحابي لأقوي عندهم العقيدة، أو لأقنعهم ان الرزق بيد الله ( ان الله يبسط الرزق "أي يكثره" لمن يشاء، ويقدر" أي يقلل" فليس هو بكثرة الجهد ولا بكثرة العلم). أو أن انتهاء الاجل هو سبب الموت ( فاذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون) أو أن ما كتب للانسان لا بد لاقيه. للحديث الذي رواه ابو هريرة ( من لم يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه دخل النار) ألحوا علي أن اكتب بعض ما لاقيته في حياتي من عناء ورخاء.
أملين ان يستفيدوا من تجاربي لعل ما لاقيته من أحداث يكون فيها عبر لهم او لغيرهم. باعتباري الشخصي من جهة وباعتباري حامل دعوة ، فحياتي التي عشتها قسمان: قسم أمضيته خلال ست وعشرين سنة، رجل عادي لا يعرف احد عن حيلتي الا بعض اهلي ومن كنت اخالطهم من اقراني.
وقسم كنت احمل فيه الدعوة الاسلامية لاستئناف الحياة الاسلامية ، بعودة دولة الخلافة وتطبيق الاسلام في حياة الافراد والمجتمع والدولة، ونظرا لما مر علي من ظروف قاسية وحوادث مؤلمة فيها الكثير من العبر والعظات التي تقوي العقيدة لدى الانسان ، وتحضه على الصبر فتجعله يرضى بقدر الله ويطمئن أن ما أصابه لم يك ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه ، وودت ان اكتب بشيء من الاختصار عن القسم الاول من حياتي ثم بعد ذلك اكتب تجربتي في القسم الثاني راجيا من الله تعالى ان يثيبني على جهدي، وان لا يؤاخذني أو يحبط عملي لذكري بعض الاعمال او الاقوال التي قد يمدحني من يقرأ مذكراتي على تلك الاعمال او الاقوال. اللهم اني لا اذكرها لأفتخر بها او لامدح عليها فيحبط ثوابي عليها ان كنت قد اثبتني عليها. فلا الفخرو لا المدح يفيدني وانما ثوابك هو المرغوب والمطلوب ولو قست اعمالي وقارنتها باعمال غيري من حملة الدعوة لاحتقرتها ووجدت نفسي مقصرا، فاللهم اغفر زلاتي وتقصيري في أداء واجبي انك غفور رحيم. وليعلم من يقرأ مذكراتي هذه لو يطلع على أعمال الالآف من حملة الدعوة لوجدوني في مؤخرة الركب، وأقول هذا وأنا على قناعة مما أقول.
هناك بعض الاعمال قمت بها في الفصل الأول واخرى قمت بها في الفصل الثاني سوف لن اذكرها حسنة كانت او سيئة لعدم الاستفادة من قرائتها.
يوسف السباتين

http://najah7.maktoobblog.com (http://najah7.maktoobblog.com)

ابو شجاع
08-18-2007, 02:17 PM
مذكرات يوسف السباتين ..القسم الاول

القسم الأول
منذ وعيت على ما يجري في طفولتي وأنا اميل ببرائتي الى اللعب فكنت مليئا بالنشاط ولا يكد يباريني من اترابي احد، وكانوا يسودونني في أكثر الامور المشتركة بيننا.اذ كنت أميل الى عمل الخير واكره الظلم. وكنت صاحب صاحبي. غير ان حياتي منذ سن الخامسة من العمر وبعد أول حادثة بدت لي تنذر بالشر وتوحي بمستقبل مليء بالمآسي والأحداث، وبرغم كثرة الاحداث الا انني كنت مغتبطا في حياتي اتمتع بالشعور بالسعادة. وأرغب في طلب العلم، ولكي لا اسهب في وصف هذا القسم اقتصر على ذكر الحوادث ذات الشأن.

اولا :
كسر يدي اليسرى ثم سقوطي عليها على فترتين متباعدتين.

ذهبت ذات يوم مع اختي الى الحقل حيث كانت تنقل تراب احدى المزابل على حمارة لنا لنلقيها في ارض الحقل بمثابة سماد للارض وعند عودتها من الحقل اركبتني الحمارة، وعند وصولي البيت نزلت عن الحمارة فسقطت على يدي اليسرى فكسرت من الذراع.وتولى علاجها مجبر( طبيب عظام) أمي، فأساء العلاج فتورمت وتساقط لحمها وبلي قسم من عظمها وتيبست اصابعها ولم اعد استطيع تحريك اصابعي , فأخذني ابي الى مجبر مشهور في مدينة غزة والى آخر في قرية المسمية والى ثالث في يافا والى رابع في القدس ولم يستطع احد ان يفيدها بعلاج اذ لم يكن الطب يومئذ متقدما.
أدخلني ابي مدرسة اهلية ( الكتاتيب) تدرس القرآن ومبادئ الحساب فقط. ولم ادري كم المدة التي قضيتها في تلك المدرسة الا انني اذكر اني تدرجت في قراءة المصحف من سورة الناس الى سورة التوبة.
كان والدي فرحا نشيطا وكنت اكبر اولاده الذكور فأخذني من المدرسة لأساعده في رعاية البقرالتي كان يحرث الارض بواسطتها، وبقيت على هذه الحال مدة طويلة حتى نسيت كل ما تعلمته في المدرسة. وفي هذه الفترة من العمر كنت مغتبطا سعيدا ارعى البقر والعب مع الرعاة، وذهبت ذات يوم أتسابق مع اقراني على ظهور الحمير فسقطت مرة اخرى على يدي اليسرى ففك مرفقها وعالجناه ولكنه لم يرجع كما كان ، وكان عمري يومذاك عشر سنين، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية كانت الطائرات تلقي اوراقا على المواطنين فذهبت يوما اركض لاحصل على ورقة مما تلقيه الطائرات فسقطت على يدي فتهشم مرفقها مرة اخرى ولم نعالجه.

ثانيا:
كسر يدي اليمنى

كنا ذات يوم نلعب تحت شجرة خروب عظيمة فسقطت على يدي اليمنى فآلمتني كثيرا واسرعت الى البيت لاخبر ابي فأخذني الى صاحب غنم خبير في تجبير العظام فعالجها بالماء والساخن وبالسمن البلدي(سمن الغنم)

ثالثا:
سقوطي عن ظهر جمل في طريق شديدة الإنحدار كثيرة الحجارة .

كان الفصل فصل شتاء , وكان البرد شديدا , وتواصل نزول المطر مدة ثلاثة أيام والجمل محبوس في البيت , وفي اليوم الرابع صفا الجو فأخرجت الجمل وقصدت به المرعى بعد أن امتطيت ظهره . ولما وصل بداية الطريق المنحدر , أخذ يركض ويرفع يديه ورجليه ويمد عنقه وأخذه الطرب. ونسمي هذا النوع من السلوك (برطعة) فقول برطع الجمل. فألقاني من على ظهره فوق كومة من الحجارة في وسط الطريق فكاد ان ينقطع نفسي لكني نهضت مسرعا اريد اللحاق به، فتسلق صخرة ملساء فزلقت قوائمه الاربعة فسقط على جنبه الايمن فضحكت لسقوطه الشبيه بسقوطي فأمسكت برسنه وشعرت بالم شديد فعدت الى البيت ونمت في الفراش الى ما بعد عصر ذلك اليوم حتى زال الالم وشعرت بالشفاء.

رابعا الغرق في بئر ماء

كانت السباحة في ذلك الحين مطلبا شعبيا فكنا نقوم بكثير من المحاولات لنتعلم السباحة. نزلت مرة في بئر واسع الباب ( بيارة أم عذقة) كما كنا نسميه وكان مليئا بالماء وربطت بيدي حبلا أمسك اصحابي بطرفه لينقذوني اذا تعرضت للخطر فجبت اطراف البئر سابحا بنجاح، فشعرت بانني قادر على السباحة بغير ربط حبل بيدي فالقيت الحبل جانيا ونزلت في البئر، وما ان وصلت الطرف البعيد وكررت راجعا حتى غرقت ثم تحركت فطفوت على وجه الماء ما ان تنفست حتى غرقت مرة اخرى وحاولت ان اطفو لأتمكن من التنفس الا اني زدت في الغرق فاخذ اصحابي يصرخون قائلين: اين السباحون ؟ وكان لي صديق سباح فاقبل مسرعا وفي لحظة وصوله لمس رجلي جدار البئر فركلته بقوة فطفوت واخذت اسبح فاذا بصاحبي يقفز ويمسكني من وسطي ويدفعني نحو جانب السلامة من البئر.

خامسا:
الغرق مرة اخرى في بئر واسع وعميق (قعير المصادي) كما كنا نسميه .

ما كنا لنترك المحاولات لتعليم السباحة لما لها يومئذ من شأن ولم يكن يومئذ مسابح .
نزلت ذات يوم في قعير( بئر) المصادي ( خربة اثرية) بعد ان ربطت حبلا بيدي
فانطلقت اسبح متوجها الى طرف بعيد، وعند العودة غرقت فجرني اصحابي وأنا غريق فما اوصلوني عندهم الا وانا في حالة سيئة وقد اعتراني الخوف فمرضت على اثر ذلك الغرق.
في هذه الفترة من العمر كنت اساعد والدي في عمل الزراعة والرعاية فكنت احرث وقت الحراثة وكنت وقت الحصاد انقل الزرع الى البيدر ( الجرن) كما كنا نسميه. وبعد انتهاء الحصاد كنت ادرس الزرع وانقل الحبوب والتبن الى المخزن في القرية، وبقية الايام نرعى ابقارنا وجمالنا وغيرها.

سادسا:
السقوط مرة اخرى عن ظهر الجمل

كان الوقت وقت حصاد الزرع وكان الحقل بعيدا عشرة كيلو مترا ، ذهبت ووالدي ليلا لذلك الحقل فكان والدي يركب حمارا وانا اركب جملا، وكانت الطريق ضيقة عبر واد تغطي ارضه الحجارة الصغيرة غلبني النعاس واثناء السير جفل الجمل فسقطت فعلقت رجلي بشبكة مثبتة على ظهر الجمل ، فتدل رأسي حتى اخذ يلامس الارض المغطاة بالحجارة والجمل يركض بقوة ، فصار ابي في حيرة من امره ايركض خلف الجمل لينقذني واذا فعل ذلك سيزداد الجمل ركضا ام يمتنع واذا ترك الجمل يخشى ان تتقطع اوصالي ولكن لم يطل الوقت حتى خرجت رجلي من الشبكة فسقطت على الارض فنهضت سريعا وامسكت بمقود الجمل وتحسست رأسي فاذا هو سليم وجاء ابي فسألني فيما اذا كان شيء يؤلمني فطمأنته اني بخير ولا شيء يؤلمني.
سابعا:
ثعبان اسود (عربيد) يضرب علي قوسا وانا مجرد من الثياب

نزلت وصديقان لي في بئر يقال له ( بيارة جنة) من اجل السباحة، نزعنا ثيابنا ونزلنا نسبح فغافلنا راعيان كبيران، واخذا ثيابنا واغلقا باب البئر بحجارة وتركانا: فلما انتهينا من السباحة واردنا ان نرتدي ثيابنا واذا بها قد سرقت فصعدنا الدرج نريد الخروج واذا البئر مسدودة بالحجارة فعالجنا الحجارة برفق حتى فتحنا باب البئر، فانطلقنا عرايا مكشوفي السوأتين اذا لم يكن لنا لباس داخلي، ولم نجرؤ ان نمشي في الطريق لوجود نساء في طريقنا فانطلقنا وسط زرع طويل خصب فيممت نحو شجرة اريد ان استظل بظلها – اذ كان البعوض يلسعنا وحر الشمس يصلي جلودنا واذا بثعبان اسود يتطوح في الهواء ويضرب علي قوسا ولا ادري رأسه من ذيله فكلاهما على الارض حتى لحق ذيله برأسه وهو متوجه نحو اليها.
فتجنبت الشجرة ، ولحقت بصديقي، فسرنا جميعا الى المغارة التي فيها بقرنا وبقر الراعيين اللذين اخذا ثيابنا، فلما اقتربنا منها خرج علينا الراعيان الكبيران يحمل كلا منهما جزرة قريص(نبات شائك) يريدان ضربنا فهربنا، وروينا لهما عن بعد قصة الثعبان، فخافا ان يصيبنا أذى فيكونان مسؤولين عن ذلك فأعطيانا ثيابنا.

ثامنا: هجوم الدبابير

اصعب شيء في حياتي تعرضت فيه للموت وشفيت من اثره من غير علاج كنت ذات يوم نائما وقت الضحى في حكورة( مزرعة صغيرة حول البيت) لنا تحت شجرة زيتون وعلى بعد ثلاثة امتار من جدار حجري في بعض ثقوبه خلية للدبور فجاء اخي محمود وهو اصغر مني وادخل عصاه في الخلية وحركها وهرب، وخرجت الدبابير تطارد من اثارها فلم تجد غيري فهجمت علي وانا نائم، واخذت تلسعني بزبانيتها فصحوت من النوم مذعورا، واذا برأسي تكاد تكون مغطاة بالدبابير الاخذة بلسعي فهربت نحو البيت، ولكنها ظلت تلاحقني وتلدغني في رأسي ووجهي حتى دخلت البيت، وانا اصيح من حر سمومها واستغيث ولا مغيث ولم تستطع امي عمل شيء حيث لا يوجد آنذاك عيادة او طبيب ولا علاج، فصرت اركض داخل حوش البيت ذهابا وايابا من وقت الضحى حتى المساء فلم يقدم احد لي اي مساعدة، ولم انم تلك الليلة وتورمت رأسي ودفنت عيناي تحت الورم وصارت رأسي وكأنها دمل ملتهب، اذا لمسه احد اتخيل روحي خرجت من بين جنبي، وظل الالم متواصلا وقتا طويلا وبقي الورم مدة شهر كامل . ونتيجة لهذا الحدث صار لدي مناعة ضد السم فقد حدث اني كنت يوما العب مع اقراني تحت شجرة فاحسست بلدغة في صدري فوضعت يدي على صدري من فوق ثوبي واذا بدابة تسبح تحت ثوبي وتلدغني مرة اخرى فكمشتها من فوق الثياب فلدغتني مرة ثالثة فاخرجتها فاذا هي عقرب فقتلتها ولم أتألم وأقراني من حولي يتعجبون، وبعد هذا بما لا يقل عن عشر سنوات وكان ذلك عام 1949م كنت مسافرا من بلدة دورا الخليل الى عمان عرجت في طريقي الى مخيم عين السلطان في اريحا، ونزلت عند ابن عم لي وعندما قدم لي العشاء في خيمة صغيرة واذا بعقرب صفراء كبيرة الحجم تلدغني في ابهام رجلي اليمنى فقلت على الفور عقرب فالتفت ابن عمي فرأى العقرب فضربه وقتله وقال لي قم نصل الطبيب فقلت له لا بأس عليك دعنا نتناول عشاءنا، فقال قم هذا العقرب قاتل فابيت وواصلت تناول الطعام وهو ينظر الي في حالة من الاضطراب فأكملت عشائي دون ان اشعر بالم.

ابو شجاع
08-18-2007, 02:20 PM
تاسعا:
السقوط عن الجمل مرة ثالثة

كان لنا جمل حديث السن (قعود) يحب ملاعبة البقر فاذا رآها اندفع نحوها بسرعة يرفع يديه معا ويخبطها في الارض معا، فاذا رأته الحيوانات من بقر وغنم وحمير هربت وهو يلاحقها دون ان يؤذيها .
وكان ذات يوم يرعى في ارض بطحاء قرقر، فذهبت لاحضره الى البيت وامسكته واردت ان اركبه فوضعت احدى رجلي على عنقه وامسكت سنامه بيدي محاولا الصعود الى ظهره فاندفع مسرعا نحو الحويانات الكثيرة التي كانت ترعى حوله، فقذفني بعيدا عنه حوالي مترين فارتطمت بالارض حتى عاد لي نفسي وسكن المي فقمت ولحقت به وامسكت برسنه (مقوده) وعدت به الى البيت

العودة الى المدرسة

كان لنا جار فتح في بستانه مدرسة (كتاتيب) يعلم فيها القرآن فدخلت الكتاتيب واستأنفت الدراسة مدة شهرين فتوفي المعلم فانتقلت الى مدرستين الاولى ( الكتاتيب) وداومت فيها مدة ثلاثة شهور فقال لي المعلم لقد عرفت كل ما عندي من العلم اذ تقرأ القرآن كما أقرأ وتحل المسائل الحساب مثلي. فانتقلت الى مدرسة المعارف (حكومية) ادخلوني الصف الثالث فداومت شهرا وغادرت المدرسة لأساعد والدي في اعمال الزراعة وعدت للمدرسة السنة التالية ودخلت الصف الرابع وداومت شهرين فقط ثم غادرت وبقيت مدة مع والدي، ثم جاء ابن جار لنا اسمه غازي سلمان هديب رحمه الله رحمة واسعة واخبرني ان المدرسة فتحت صفا خامسا ويتعلم الطلاب فيها اللغة الانجليزية فاستأذنت من والدي بالعودة الى المدرسة وداومت فيها الفصل الاول وعدت لمساعدة والدي . وعند بداية العام الدراسي الجديد 1945-1946 دخلت الصف السادس وداومت طوال السنة الدراسية عدا الشهر الاخير الا انني كنت احضر يوم الامتحان لاقدم الواجب ولم يكن في المدرسة الا الصف السادس .
وفي العام 1946-1947 انتقلت الى مدرسة دورا الخليل وكان فيها قسم داخلي فدخلتها وصرت ابيت فيها وهي بعيدة عن قريتي الدوايمة حوالي 9 كم ولم اكن اغادر المدرسة الا عصر الخميس واعود عصر الجمعة او صباح السبت.

عاشرا:
السقوط في بئر

كنت ذات ليلة اتجاذب الحديث مع اصحابي الرعاة فذكروا لي ان رفا من الحمام البري يبيت في بئر في خربة دهنة وهي خربة قديمة اثرية فتواعدنا ان نذهب الى البئر ليلة الجمعة القادمة اي عندما اعود من المدرسة الى القرية. فلما عدنا اخذنا معنا بطانيات وملاحف لنغطي باب البئر ثم تقدمتهم الى البئر ورسمت ابوابه على ورقة وعدت اليهم ليصنعوا الغطاء وفق الرسمات وبعيد العشاء تقدمنا الى البئر ونحن يومئذ ستة اشخاص وكل منا يمسك بطرف من الغطاء حتى وصلنا باب البئر والقينا عليه الغطاء ووضعنا على اطراف الغطاء حجارة كبيرة لا يقل وزن الحجر 15- 20 كغم وبقيت فوهة صغيرة اردت واحد الشباب ان نغطيها فدعست على الغطاء الكبير خطأ فهوى بي في البئر وسقطت خلفي الحجارة التي وضعناها على اطراف الغطاء وكان في قعر البئر حجران كبيران فارضت اليتي اليسرى بطرف احد الحجرين فانقشط جلدي وسقط احد الحجارة المنحدرة خلفي فارتض بالحجر الثاني وتكسر ولم يصبني ولو اصابني لفجغني، فنهضت واقفا ولم اشعر بعد بالالم واذا بابن عم لي يحمل سراجا وينزل مسرعا على درج البئر ليستطلع ما حدث لي فلما رآني واقفا ناداني فصدعت الدرج، وما كدت ان اصل باب البئر الا وقد توقف نفسي وكدت ان اغيب فارتميت على الارض وبقيت فترة صغيرة حتى عاد صوابي وطار الحمام من البئر لان الغطاء كان ساقطا فامسكنا حمامتين وكففنا راجعين ووصى بعضنا بعضا ان لا نخبر احدا بما جرى خوفا من اهلنا. وعدت في اليوم التالي للمدرسة وانا اجابر على نفسي واخفي ما اصابني حتى شفي جرحي من غير علاج.

انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين

في هذا العام بدأت المناوشات بين العرب واليهود وكان الاستاذ عثمان قطيط يشرف علينا ليلا في المدرسة وكان يحمل بندقية انجليزية ويدعونا احيانا لنسمع الاخبار حيث لا يوجد الا راديو واحد في غرفة الادارة وعند نهاية الفصل غادرت المدرسة وانتقلت الى مدرسة بيت جبرين لنفس الصف السابع فكنت اذهب مع ابناء صفي الذين كانوا معي في الصف السادس في العام المنصرم نغدو صباحا ونروح مساء كل يوم ثم اخذت الاحداث تزداد ضراوة فلم نكمل العام الدراسي

التحاقي مع المجاهدين

وصلت طلائع القوات المصرية والسودانية الى فلسطين وامتدت من حدود مصر الى بيت لحم المجاورة للقدس. وارسلت بعثات الى قرى فلسطين لتدريب المجاهدين على استعمال السلاح. وحضر الى قريتنا فريق منهم وتبادر الشباب حملة السلاح الى مدرسة القرية حيث مكان التدريب، ولكن المدربين منعوني من التدريب بسبب يدي اليسرى الا انني اصررت على الانخراط في الصف فسمحوا لي. ولكني لم اكتف بتدريبهم فكنت اهتم كثير باصابة الهدف حتى تحقق ذلك لي.
في ذلك العام (عام 1948) خضت مع المجاهدين ثلاثة معارك احداها في خربة العجلين غربي قرية القبيبة حيث احترق لليهود عدد من السيارات المحملة امتعة تريد اجتياز خط الخليل بيت جبرين – الفالوجي الى منطقة النقب جنوب فلسطين وعند المساء داهمنا الاعداء باسلحة رشاشة لم تقو بنادقنا على مواجهتها وفهمت بعد سنين ان العدو الذي كان يواجهنا هم عرب.من اجل تثبيت اليهود، وثانيها في قرية المقحز غربي الدوايمة ب 12 كم اخرجنا اليهود منها وغنمنا ما بقي خلفهم من الامتعة والسلاح. وثالثها في قرية المقحز ايضا حيث حصل فيها قتل اكثر من الاولى واذكر انني قتلت يهوديا اقتناصا.

احد عشر : نجاتي من القتل

في المعركة الثانية من معارك المقحز تسللت ليلا واستطعت اقتناص واحد منهم ولما حاولت الانسحاب كشفني اليهود في منطقة مكشوفة فسلطوا علي رشاشاتهم فألقيت بنفسي على الارض واخذت اتدحرج والرصاص منه ما يقصر عني ومنه ما يتعداني وكانت المسافة لا تقل عن خمسين مترا، حتى اختفيت عنهم.
وعندما هاجمناهم وقت العصر ودخلنا خنادقهم فروا هاربين وكان لهم خط دفاع مدفعي فاخذ هذا يمطرنا بقذائف الهاون والمورتر وعند سماعي بوحيح قذيفة القيت بنفسي على الارض فسقطت على بعد مترين مني ودملتني بغبارها ودخانها واصابتني شظية من شظاياها في عضد يدي اليسرى ولا زالت حتى كتابة هذه الحروف.


يتبع عهد الشتات والفراق والشقاء

من هناك
08-18-2007, 08:49 PM
قصص قصيرة مؤثرة فعلاً رغم ان لا ترابط بينها. ظننت لوهلة انها كتابة رمزية ولكن لا يمكن الجزم بهذا

ابو شجاع
08-20-2007, 04:36 PM
قصص قصيرة مؤثرة فعلاً رغم ان لا ترابط بينها. ظننت لوهلة انها كتابة رمزية ولكن لا يمكن الجزم بهذا

عندما كنت اتابع المذكرات على موقع الاخت نجاح السباتين "ابنة أبي العز يوسف السباتين رحمه الله " ظننتها كذلك حيث كانت المذكرات تنزل بشكل حلقات متسلسلة

حتى قلت في نفسي ما علاقة حمل الدعوة بسقوط رجل عن جمل وكسر يده :)

وعندما بدأ القسم الثاني من المذكرات بالنزول صرت اتابع بلوج الاخت نجاح كل يوم

اعدك بقرائة مفيدة ورائعة

تابعونا تجدوا ما يسركم :)

ملاحظة : هناك بعض الاسماء والحوادث ساشير اليها بتعقيبي الخاص في الهامش

ابو شجاع
08-20-2007, 04:51 PM
عهد الشتات والفراق والشقاء

بعد معارك قرية المقحز تقدم العدو من الشمال الى الجنوب من الرملة الى النعاني الى وادي الصرار الى قزازة الى مغلس الى عجور فالدير فرعنة فذكرين فبيب جبرين فالدوايمة .... والى بئر السبع فمن يصدق ان العدو هذا هو اليهود الذين لم يستطيعوا الثبات في المقحز.

احس اهل الدوايمة بالخطر فبدأوا بنقل اوعيتهم ودوابهم الى القرى الصغيرة المجاورة فكنت انقل حبوبنا وعفش بيتنا الى قرية المورق، مكثت اسبوعا على هذا الحال وفي يوم الجمعة من الشهر العاشر لعام 1948 وبعد خروجنا من صلاة الجمعة دهم العدو القرية، وخرج اهل القرية بقضهم وقضيضهم كأنهم جراد منتشر، هذا يحمل اولاده وآخر يحمل على ظهره متاعه وغيره يتوكأ على عصاه وغيره يسوق دوابه وغيره يحمل طعامه على رأسه لم يمهله العدو حتى يأكله والرصاص يتناثر هنا وهناك والمجنزرات والاسكاوتات والملطخة بالطين لاخفاء اسم الدولة العربية المكتوب على جانبي حاملة الجنود تطلق رشاشاتها لقتل الناس( انظر كتاب حصاد) . وحصلت مذبحة كبيرة اكبر من مذبحة دير ياسين ولكنها اخفيت لئلا ينكشف فاعلها ففي (طور الزاغ) استشهد 27 انسانا بين ذكر وانثى وفي بئر جورة الصحرة القي 99 شخصا احياء واما من قتلوا في البيوت والطرقات فبلغوا المئات.

خرجت ووالدي من البيت ومعنا امتعتنا ومعنا جملنا فلم نتمكن من تحميله وفي الطريق التقينا باخوتي يسوقون ابقارنا نحو البيت فاعطيناهم الجمل وسقت وابي البقر وهربنا بها ولم نكد نصل المورق ( القرية التي كنا ننقل اثاثنا اليها) واذا باهلها قد غادروها فامرني والدي بان ابدأ بنقل حبوبنا وامتعتنا من جديد الى قرية دورا عبر واد كثير الوعورة وذو عقبة كؤود فاخذت انقل ليل نهار لمدة سبعة ايام حتى حفيت قدماي ولم تذق عيناي طعم النوم الا ساعة وصول والدي فانام بقدر الوقت الذي يستغرقهم لتحميل الجمل ولم يحصل لي في حياتي اتعب من تلك الفترة فكنت امشي خلف الجمل وانا نائم وكنت ارى غيري يحمل امتعته على ظهره ويحمل اطفاله وقد اعياهم طول المسير ونهشهم الجوع وقتلهم الظمأ ولم يجدوا ملجأ يأوون اليه وبعضهم ينام في الطرقات ومنهم من لا فراش ولا غطاء ولا زاد ولا نقود يهيم على وجهه ومنهم من يبحث عن ولده او ابنته او زوجته ومنهم من فقد اباه. مناظر تدمي القلوب وتدمع العيون.

وبعد ايام التقينا باخي الذي اخذ البقر ولم يدر اين يأوي ولا طعام ولا غطاء ولا ماء معه وسكنا ومعنا اربع اسر في غرفة واحدة فلم اطق العيش فصرت احمل سلاحي واتسلل الى العدو وكنت قد طلبت من ابي ان اغادر الى الاردن فكان يخوفني ويقول انهم يجربون بنادقهم في الشخص فلما رآني اتسلل الى العدو خاف علي فسمح لي بالذهاب الى الاردن.

نزولي عند من كان يخوفني منهم

حملت بعض كتب كنت قد احضرتها من الارض المحتلة اثناء تسللي اليها وحصلت على هوية شخصية وغادرت بلدة دورا متوجها الى شرق الاردن وصلت عمان بعد العصر ولم اكن اعرف شيئا في الاردن خرجت من عمان ومررت بخربة القويسمة ليس فيها الا بعض المغاور الاثرية يسكنها عبيد ثم جئت بلدة ابو علندة ولم اعرج عليها فجئت بلدة الرجيب وليس فيها الا بيت واحد يسكنها حراث فنمت ليلتي عنده وفي الصباح توجهت الى سحاب ولم اتوقف فيها بل توجهت الى الجنوب وعند الظهر جئت قرية سالم ولم ار بها الا بيتا محاطا بسور له بوابة واسعة فدخلت البيت بعد استئذان اهله واذ بالبيت رجل كبير السن وزوجته الكبيرة ايضا واسم الرجل امكازي الجريبيع وقدما لي الغداء ثم غادرت متوجها الى الجنوب وعند المساء وصلت قرية اللبن فاويت الى اسرة فقيرة تسكن مغارة فسالوني من اين وعم تبحث فلما اخبرتهم باني اريد ان افتح مدرسة اعلم فيها الاطفال الصغار فبعثوا بالخبر الى رجل وجيه في القرية اسمه متعب العفلش فاستدعاني في الصباح وطلب مني ان اعلم ولديه طايل ونايف ولا مانع ان اردت ان تعلم اولاد الفلاحين وبالفعل بدأت اعلم ولديه وحضر عدد من اولاد الفلاحين واتخذنا المغارة مدرسة للطلاب.

كان طايل يعتدي على اولاد الفلاحين فزجرته فلم ينزجر فضربته فسحب خنجرا في سوطه وهددني به فطردته من المدرسة، فجاءت به امه وطلبت مني ان ابقيه حتى يأتي والده، وبعد انصراف الطلاب من المدرسة ذهب طايل الى الملعب ليلعب بالكرة، ولما جاء والده ولم يجدني في البيت سأل عني فاخبره رجل اخرس بان طايل هددني بالخنجر، فتناول بندقيته وذهب يبحث عن ولده فوجده يلعب في الملعب فاخذ الخنجر وحطمه بالحجارة فهرب طايل فاتبعه بطلقة اصابته فوق ركبته ولكنه كان يظن ان ولده مات، فغادر القرية ودخل على الملك عبد الله بن الحسين قائلا له احمني من حكومتك واخبره بما حصل. ونشر في الجريدة ان احد الفلسطينيين اللاجئين لجأ الينا وبدل ان نحترمه ونساعده * اراد ولدي ان يعتدي عليه فاطلقت عليه النار. وجاء احد التلاميذ واخبرني ان متعب العفاش قصم ولده. فبت تلك الليلة في بيت احد الفلاحين وفي الصباح ارتحلت الى قرية الرجم الشامي وجاء قائد البادية يبحث عني خشية ان يكون اهل الولد قتلوني او آذوني واخذني معه.

واخبر الدولة بسلامتي ويبدو ان متعب العفاش هو الذي طلب من الدولة حمايتي، وبقيت مع صالح العقرباوي قائد البادية وطوال الليل، كانوا يبحثون عن متعب لانهم لا يعرفون اين ذهب . وفي الصباح توجهوا الى عمان فطلبت منهم ان ينزلوني في قرية القسطل. ولما سألت عن اهل القرية اخبروني انهم اخوال طايل فغادرت القرية واتجهت نحو قرية على مرأى العين، وكان الشتاء غزيرا والارض طينية ومحروثة وموحلة، واستمر المطر يهطل بغزارة ولم يتوقف، فابتلت ثيابي ووصل الماء جلدي، وما وصلت القرية الا وكأنني مغموس في بركة ماء، وعرفت ان القرية هي ام العمد ولا اذكر من البيوت الا دار مثقال الفايز، وكان فيها غرفة منفصلة ومفتوحة ولا احد فيها فدخلتها، وليس فيها شيء، فعلقت فيها بعض ثيابي وحملت حجرا ثقيلا وصرت اركض على امل ان اقاوم البرد القارس فلم استفد الا توتر اعصابي وشعرت بالتعب والجوع، اذ لم اكن مفطرا في الصباح والوقت بين الظهر والعصر . فذهبت الى الدكان( البقالة) فسألت عن تمر فلم اجد ورأيت دخان نار يخرج من مغارة فعرفت ان فيها نارا ولكني خجلت ان ادخل اسأل عن طعام او ان استدفئ بنارهم فعدت مرة اخرى الى البقالة وسألت صاحبها عن حلاوة وطلبت منه ان يبيعني اوقية، فعرف اني جوعان، فباعني اوقية حلاوة واعطاني رغيف خبز، وانصرفت الى الغرفة واكلت الحلاوة والرغيف وكأني لم آكل شيئا، وعند المساء خرجت ابحث عن منام فالتقيت بشخص مثلي يبحث عن منام واعطاني بقية ما معه من التمر، وقال لي اتبعني فتبعته الى دار مثقال الفايز فدخلناها وكانت مليئة بالبقر والتبن، فصعدنا كومة التبن، وحفرنا حفرة عميقة، وتمددت فيها وطلبت من الشخص ان يهيل علي التبن حتى غمرني، فنمت ولم اصحو الا في الصباح، واذا بكل ثيابي قد جفت، وانا اشعر بالدفء وتوجهت الى عمان عبر طريق غير معبد مليئة بالجور المليئة بالماء، ووصلت الى عمان وبت في مسجد الحسين بغير غطاء فكدت ان اجمد من البرد، وفي الصباح اشتريت دفاترا واقلاما وعدت الى قرية رجم الشامي حيث بقيت شنطتي ومتاعي .

افتتاح المدرسة

هناك في رجم الشامي وعند عشيرة الجحاوشة وعشيرة خضير وكلاهما من بني صخر، افتتحت مدرسة لاولادهم، وتجمع لي 12 طالبا واخذت ادرسهم في جانب من جوانب بيت الشعر، على غرار ما كنت اتعلم عند الكتاتيب، مقتصرا على تعليم القرآن وعمليات الحساب الاربعة مع بعض الكسور، وكانت المدرسة ترتحل حيث يرتحل العرب، هذا وقد ارتحل العرب الى منطقة تسمى ذهيبة الغربية، وكان فيها بعض المغر (جمع مغارة) فتركنا بيت الشعر وصرنا ندرس في المغارة.

انغلاق المغارة بالثلج

كان الفصل شتاء وعند العصر بدأ الجو يكفهر ويزداد بردا وتغطت السماء بالغيوم ونزلت درجة الحرارة الى الصفر، وبدأ الثلج بالنزول كأنه حب الرز، وكان الهواء شرقيا وباب المغارة يفتح شرقا فصار الثلج قريبا من السقف، وامتلأ سردابها البالغ ستة امتار طولا، ومن الصفر الى ثلاثة امتار ارتفاعا، وعند الصباح لم يكن امامي الا ان اخوض في الثلج البالغ ارتفاعه عند فوهة المغارة ثلاثة امتار، وعند نهاية سردابها صفرا، كما يغوص السباح في الماء، ونظرت بعد خروجي الى بيوت الشعر المنتشرة، فلم ار منها شيئا حيث كان الثلج يعلوها. ذهبت الى جار لي يسكن في مغارة قريبة مني واذا به قد عبأ اكاسا بالتبن وبناها كما يبني الحائط ليمنع الثلج من الدخول حيث كان هو وجمله في المغارة، ولم اكد انحدر عنده الا وشخص يقال له حميد السحيم يطل علينا ويستنهضنا لنساعده في فتح مغراته التي اغلقت على من فيها، فذهبت معه فأعطاني طورية مثل التي معه، واخذنا نعمل على فتح باب المغارة – لا اعني بباب المغارة الشيء الذي يغلق بابها – وانما اعني ببابها الفتحة التي تفضي اليها فوقع حميد في سردابها فغرق في الثلج حتى عنقه فصرخ، فمددت اليه عصا الطورية فامسك بها فجررته حتى اخرجته من السرداب، واثناء البحث وجدنا سلما فعرضناه على سرداب المغارة قريبا من بابها، ووقفنا عليه واخذنا نحفر في الثلج، حتى فتحنا فوهة صغيرة، ونادينا اصحابها فرد علينا صاحبها، واذا هو في وضع بئيس قد اخرج ولدين له لينادوا من يعاونون اباهما على رفع الثلج فلم يرجعا اليه. ثم انطلقنا الى صديق لنا اسمه خلف الحمدان يسكن بيت شعر لننقذه وزوجة اخيه واولاده فالتقينا معهم وهم هاربون من البيت، يتوجهون الى مغارة واسعة فيها اقارب لهم فقدت ولدين له حتى ادخلتهما المغارة، وسقطت زوجته على الارض غير قادرة على المسير، لتجمد جسمها من البرد فامسكت باحدى يديها وامسك هو بالاخرى وجررناها حتى ادخلناها المغارة، ولما دخلت المغارة وجدت العجب فيها، فالغنم في جانب منها واهل المغارة ومن لجأ اليهم في جانب آخر، وهم يشعلون النار ودخانها الكثيف يحجب الرؤية ويسيل الدموع، وشاهدت احدى النساء تضع الثلج في لجن –وعاء تسقى فيه الغنم عادة- وتشعل تحته النار لتذيبه ماء، وامرأة ثانية تأخذ الماء وتعجن الطحين في وعاء آخ،ر وامرأة ثالثة تخبز العجين على صاج ليكون خبزا، ومضى النهار ولم ينل الشخص الواحد الا رغيفا واحدا لا يسمن ولا يغني من جوع، وعند المساء عدت الى مغارتي فلا حطب ولا نار وارض المغارة مغطى بالماء وفراشي مرفوع فوق حجارة مغطاة بالحطب، وهو مجرد لحاف وفرشة، فنمت تلك الليلة في المغارة التي تشبه الثلاجة الكبيرة، ولما اصبحت واذا الرياح تطير الثلج في الجو كانه عاصفة من الرمل، فعزمت على مغادرة المنطقة الى عمان واصرت احدى النساء ان تصحبني في طريقي الى اهلها في الرجم الشامي فسرنا حوالي اربعة كيلومترات وسط ثلج يبلغ ارتفاعه نصف متر، وعند وصولنا اهلها وجدنا عندهم الطعام الكافي فاكلنا ونمت عندهم، وفي الصباح توجت الى سحاب، التي تبعد حوالي خمس كيلومترات وسط ثلج اكبر من الثلج الذي مررت به بالامس، فجمد الجانب الايسر من وجهي حيث كان الهواء القارس غربيا ومن سحاب توجهت الى عمان عبر طريق مغطاة بالثلج، يبلغ ارتفاعه الى ستين سنتمترا، ولم ار احدا سائرا طوال الطريق البالغ طولها اثنتي عشر كيلو مترا لآوي الى بيت اخت لي تقيم هناك، وكان الثلج في الطريق يزيد ارتفاعه عما مررت من الثلوج عبر رحلة شاقة فبت عندها ليلة او ليلتين، وقد صحا الجو وبدت الشمس مشرقة واخذ الثلج في الذوبان فقررت العودة الى المدرسة بعد هذه الرحلة الشاقة المزعجة ولولا قوة دم الشباب لما استطعت ان امشي ثلاثة وثلاثين كيلومترا في وحل من الطين والثلج.

* تعقيب ابو شجاع على : ونشر في الجريدة ان احد الفلسطينيين اللاجئين لجأ الينا وبدل ان نحترمه ونساعده اراد ولدي ان يعتدي عليه فاطلقت عليه النار.

في تلك الأيام لم يكن هناك ولغاية احداث أيلول الأسود المؤامرة الدنيئة التي صنعها كل من الهالك الملك حسين والهالك عرفات لم يكن هناك ما يسمى بأردني وفلسطيني وكان الناس في شرق الاردن ينظرون الى اخوتهم من اهل فلسطين بأنهم مسلمون وعرب اصابهم ما اصابهم وقد دفع ابناء القرى والبادية في ما يسمى بشرق الأردن فلذات اكبادهم ليحاربوا اليهود في فلسطين ويقتلوا وليتهم علموا ان الحكومات التي دفعت هؤلاء للحرب هي ذاتها من سلم فلسيطن ليهود

يتبع

ابو شجاع
08-22-2007, 03:34 PM
الزواج

زارني والدي ذات يوم وذكر لي انه خطب لي ابنة عمي وحدد لي موعدا للزواج ذهبت في اليوم الموعود الى فلسطين ولم يكن لنا بيت مستقل نسكنه فتبرع جيراننا بغرفة صغيرة (تسمى سقيفة) لأسكنها انا وزوجتي مدة اسبوع فتم الزواج وبعد ذلك ارتحلت وزوجتي وامي الى مكان عملي في رجم الشامي وانتقل والدي وبقية اهلنا من قرية دورا الى مخيم عين السلطان حول مدينة اريحا وكان ذلك عام 1950 وبعد مضي اقل من عام، رحلت زوجتي وامي الى اريحا حيث يسكن والدي وزوجته واولاده وبدأت ابحث عن مكان افتح مدرسة غير التي كنت ادرس فيها.

زيارة صديقي وابن خالتي

كان ابن خالتي احمد محمد ابراهيم الحجر يدرس في كتاتيب قرية الموقر عند الخريشان وكانوا قد ارتحلوا الى مكان حول قصر الخزانة الاثري وهو معهم، فخرجت ليلا من رجم الشامي متوجها الى قصر الخزانة، وحملت معي بندقيتي، ووصلت الى الموقر، ولم يطلع الفجر الا ولاح لي ضوء في طريقي ثم اختفى فتوجست خوفا فوضعت طلقة على بيت النار وثبت السبخة برأس البندقية تحسبا من اي مفاجأة، ووصلت المكان الذي لاح لي الضوء فيه فلم اجد شيئا، وواصلت السير في جو هادئ ومظلم ولم اشعر الا ومجموعة من الكلاب تحيط بي وهي تنبح، وتحاول مهاجمتي فضايقتني حتى كدت ان اطلق عليها النار واذ براعي الكلاب ينهرها ويقترب مني فعرفني وسلم علي ودعاني الى بيته ( بيت عر) فاستجبت له وجلست عنده حتى لاح الفجر فتوضأت وصليت وواصلت السفر، وعند الظهيرة وصلت قصر الخزانة حيث يقيم الخرشان بمواشيهم فلم اجد صديقي هناك، واخبروني انه رحل الى مدينة اريحا. فكررت راجعا وقد اعياني المسير ولحقني الظمأ لان المسافة التي قطعتها كانت 40 كيلو مترا، مرت بي سيارة صغيرة فاشرت لها فلم تقف، وبعد فترة لحقتني سيارة مثلها فوقفت لها في منتصف الطريق وطلبت من صاحبها ان يحملني معه فابى، فهددته بان اذا لم يحملني معه لابيتن واياه في تلك الصحراء فحملني معه حتى قرية الموقر، فنزلت وسرت على الاقدام حتى وصلت الرجم الشامي وقت العشاء، وكانت رحلتي هذه بعد رحلة طويلة استغرقتني ستة ايام وكان صديقي آنذاك في الموقر.

رحلتي الى الكرك

بعدما تركت الرجم الشامي توجهت نحو الكرك لعلي اجد مكانا مناسبا افتح فيه مدرسة كتاتيب فبدأت رحلتي على الاقدام من مدينة مادبا ( يوم كانت مجرد قرية) وتوجهت نحو ذيبان ومن ذيبان اتجهت شرقا فجئت قرية لا اذكر فيها الا دارا واحدة يقال لها جميل فنمت فيها، وفي الصباح توجهت الى الجنوب نحو قرية تسمى عرار على حافة وادي الموجب الشمالية، ونزلت ضيفا في احد البيوت، وكان في البيت ثلاثة ضيوف معهم خيولهم وبعد تناولنا فطورنا خرجنا، فاما الخيالة فتوجهوا نحو ديبان، وانا توجهت نحو الموجب ونزلت مباشرة نحو قعر الوادي فاخذت في الانحدار رويدا رويدا لشدة وعورته، فواجهني طور لا يقل ارتفاعه عن ثلاثة امتار فتلمست مكانا قصير الارتفاع فلم اجد، فحاولت الرجوع ونظرت الى الاعلى فتراءى لي السطح الذي هبطته بعيدا. فقررت ان اقفز من على ظهر الطور الى اسفله ولكن الارض التي تحت الطور شديدة الانحدار فخشيت ان آخذ في التسارع فلا املك الوقوف فاهوي الى قاع الوادي فاهلك.

قفزة تحتمل الهلاك

كنت ارتدي ثوبا وقمبازا وكوفية وعقالا وعباءة وفي قدمي بسطارا فامسكت بطرف صخرة من الطور وقفزت محاولا ان يكون اول شيء يلامس الارض كعباي لعلي اتمكن من الوقوف لان الارض التي ساقفز عليها شديدة الانحدار فتوكلت على الله وقفزت فلم اتمكن من الوقوف فانحدرت مسرعا وحركت قدمي بسرعة تتناسب مع تسارع جسمي لئلا اسقط على وجهي فيتحطم جسمي واهوي الى قعر الوادي البعيد، وحاولت عبثا ان اتوقف ولاحظت ان امامي طورا اكثر ارتفاعا من الطور الذي قفزت منه فماذا اعمل؟ ولم يبق بيني وبين الطور الثاني الا عشرون مترا، وصلت مكانا غير منحدر والارض فيه مستوية فالقيت بنفسي على ظهري على سطح الارض، جلست قليلا ثم قمت فاقتربت من حافة الطور الثاني ونظرت فيه، فاذا ليس بينه وبين مجرى الماء ارض مستوية او منحدرة، بل هو آخر السفح الشمالي للوادي فاخذت اتحسس مسلكا انزل فيه الى قعر الوادي اذ لا سبيل الى القفز منه لعلوه فوجدت مكانا حفرته المياه النازلة من السفح فنزلت منه بصعوبة، ووصلت الماء وكنت ظمآنا فشربت حتى ارتويت، اجتزت الماء الوادي الى السفح الجنوبي منه، فلم يعترضني اثناء صعودي طيران (جمع طور) حتى وصلت قمة السفح واذا انا على مقربة من قرية شيحان، فمشيت في طريق ترابي عبر سهول الكرك، فوصلت قرية القصر قبيل مغيب الشمس، فنزلت عن اهل بيت شعر، واذا بالثلاثة خيالة الذين فارقتهم في قرية عراعر قد اقبلوا ونزلوا البيت الذي نزلت فيه. فسألوني اي سيارة جئت بها فقلت لهم على قدمي فلم يصدقوني الا بعد ما وصفت لهم طريقي التي سلكتها فقالوا لي اختصرت عشرين كيلو مترا . بت ليلتي وعند الصباح توجهت الى الكرك فسلكت طريقا وعرا ومختصرا ايضا ودخلت الكرك مع الضحى، فتجولت في شوارعها قليلا ثم خرجت منها متوجها الى الشرق وجئت قرية تسمى الثنية فصادفني شخص من اهلها فضيفني وغداني خرجت بعدها وتوجهت الى الشمال الشرقي

وعند المساء جئت الى فريق من البدو لهم ديوان (بيت شعر) كبقية بيوتهم مخصص للضيوف. وجدت في الديوان رجلين غريبين مثلي ينتظران طعاما فلم يوافهما به احد وانتظرا وقت النوم من يأتيهم بفراش فلم يحضره احد فعمدا لكومة من الحطب واشعلا فيها النار من اجل الدفء وقبل ان يطلع النهار خرجت متوجها الى الشمال مغادرا قبيلة الطراونة؟

اللقاء بفارس باشا المعايطة

وصلت قرية (ادر) قبيل طلوع الشمس فسألت شخصا عن بيت كبير القرية فدلني عليه. واذا بيته مكون من عدة غرف تشكل في مجموعها حوشا وفي وسط الحوش بيت شعر ينام فيه رجل على مجموعة فرشات يبلغ سمكها المتر فلما صحا من النوم سلم علي وسألني من اين انت؟ فقلت من فلسطين فقال من اي منطقة قلت من منطقة الخليل قال من اي قرية قلت من قرية الدوايمة قال من اي نصف؟ قلت من اولاد اعمر قال من اي عشيرة؟ قلت من السباتين قال اتعرف الحاج علي ابو حسين قلت هو عمي قال من ابوك قلت ابي احمد محمود الحاج خليل قال والله السبع تنعام، فاستغربت ان الرجل يعرف قريتي وعشيرتي وعمي ووالدي . وجاءت زوجته وسألتني من اين الضيف؟ قلت من فلسطين قالت اراك تلبس لباس الشمال ( يعني بني صخر ومن حولهم) قلت سكنت عندهم ادرس اولادهم قال من اي عشيرة من بني صخر؟ قلت عند الجحاوشة قالت جميل وجمال ولدا سليمان الصهيبة عندك في المدرسة ؟ قلت نعم قالت سليمان اخي قلت والنعم، وقلت في نفسي عرفني الاثنان.

حضر ثلاثة اشخاص وقدم المضيف الطعام وطلب من الثلاثة واحدا بعد الاخر ليشاركونا في الطعام فكان كل واحد يقول افطرت يا باشا، فعرفت ان الرجل له مكانته وسألني عم تبحث؟ قلت اريد ان افتح مدرسة قال عطلت الان المدارس وعند عودتها للدوام تعال وانا اعينك في مدرسة الحكومة في هذه القرية فشكرته على ذلك.

خرجت من قرية ادر وتوجهت الى الشمال، وعند الظهيرة مررت ببيت شعر فضفت اهله وتغديت عندهم، ثم توجهت الى قرية السماكية ومنها توجهت الى الشرق ميمما قصور بشير الاثرية، وكانت طريقي طويلة وتقتضي مروري بوادي اللجون الذي هو فرع من وادي الموجب، واثناء مسيري التقيت باشخاص معهم حمير تحمل خشبا فسألوني الى اين تتوجه؟ قلت الى قصور بشير، قالوا امامك وادي اللجون وهو واد عميق وموحش وفيه حيوانات مفترسة، والوقت آخر النهار، ولا نرى معك سلاحا فارجع معنا ونم عندنا وغدا تذهب في وضح النهار، فابيت وواصلت السير، وكلما اقتربت من الوادي يكثر الشجر، واذا بطور اعلى من الطور الذي قفزت منه في وادي الموجب، فاخذت ابحث عن مسك انزل منه فلم اجده، ولعمق الوادي شعرت ان الوقت وقت المغرب، فقررت ان اقفز من على الطور الى قعر الوادي، ولكن الوادي يسيل على عرضه بالماء الذي يزيد ارتفاعه على خمسة عشر سنتمترا، فالقيت بحذائي وعباءتي في مكان في قعر الوادي خال من الماء ثم قفزت وسط الماء وتوضأت وتجازوت الى الجانب الاخر من النهر( الوادي) ولبست حذائي وعباءتي، وواجهني طور في الجانب الاخر وصرت ابحث عن مسلك للخروج من الوادي فسرت طويلا فلم اجد. فاحسست بالخطر اذا اظلم الجو فالتفت فاذا بمغارة وفي آخرها شيء شبيه بالضوء، فدخلتها فاذا في آخرها باب يفضي الى السطح فقصدته، واذا بها طريق تنزل منها الغنم لتشرب من النهر فاخذت في الصعود، ولما وصلت قمة السفح واذا بالشمس لم تغب بعد. فسرت حوالي كيلو متر واذا بفريق عرب من بني عطية، فعمدت الى بيت كبير ونزلت فيه واذا بصاحبة البيت تأتي بفراش وترحب بي كضيف فسألتها لمن البيت فقالت لسالم بن عطية شيخ بني عطية وقد ذهب الى مصر فبت ليلتي وفي الصباح مررت بقصور بشير وتجولت حولها وصعدت سطح احدها ثم واصلت مسيري ومررت من الفرع الثاني للموجب والمسمى ابو بطمة.

واجهني في الطريق جماعة تركب ابلا وخيلا، ويسرعون في سيرهم للاشتراك في مشاجرة بين قبيلتين في خان الزبيب ( محطة قطار) فسألوني من اي قبيلة انت؟ فقلت لست منكم ولا منهم فخلوني ومشوا.

ام الرصاص وآثارها.

وصلت قرية ام الرصاص وقت الظهر وعرجت على آثارها، ورأيت صورا مربع الشكل داخله غرف صغيرة وكثيرة ما زالت سقوفها ثابتة، وبجانب الصور كنيس عندها حجر عال كأنه مئذنة، ولم ار الا بيت شعر فيه عجوز، فنزلت عندها ضيفا فتغديت وغادرتها متوجها الى الشمال.

ابو شجاع
08-22-2007, 03:35 PM
بقي جزء اخير من القسم الأول من المذكرات ، ثم ننتقل الى القسم الثاني الخاص بحمل الدعوة لاستئناف الحياة الاسلامية

ابو شجاع
09-06-2007, 01:04 PM
تكملة القسم الاول
ليلة التمد ليلة عبوس

لم اكن اعرف اسماء ما امر بها من البلاد الا بعد ان أسال من اصادف في طريقي، وصلت الى واد كثير الينابيع البسيطة، مليء بشجر الفلة، وذلك عند الماء، والوادي موحش مقفر تؤمه الوحوش المفترسة للشرب، وعرفت من وصفه انه وادي التمد الذي كان يصفه البعض بانه كثيرالضباع، فكنت اتوقع في كل لحظة ان يصادفني ضبع، وليس معي من السلاح الا الخنجر، فتوضأت من مياهه وصليت صلاة الخوف، وواصلت السير دون توقف، ولا ادري الى اين ترميني الطريق، وبعد ساعات في تلك الليلة المظلمة، وصلت فريق عرب من عرب بئر السبع اللاجئين فبت عندهم، وكانوا على مقربة من قرية الجيزة، وفي الصباح مررت بالجيزة، وفي طريقي عرجت على قصر المشتى ( منطقة مطار الملكة علياء) اليوم، ثم واصلت سيري، وعند الظهر وصلت قرية الموقر، ونزلت ضيفا عند ابن خالتي احمد محمد ابراهيم الحجر، وهناك رحب بي طلاب مدرسته، وعلى رأسهم جمال حديثة الخريشة وأخوه محجم وحاكم وغيرهم من الطلاب وكانوا يعرفونني من ترددي في الزيارة لمعلمهم وظلت الصداقة بيني وبينهم حتى كتابة هذه الحروف (55عاما)، اخبرني صديقي بأن الخريشان سيرتحلون الى منطقة قصر الخزانة، الذي سبق ان تحدثت عن زيارتي له هناك فلم اجده واخبرت انه ارتحل بأهله الى مدينة اريحا، فرجعت انا ايضا الى اريحا وكنا نسكن في مخيم عين السلطان وبقينا هناك بلا عمل وفكرنا ان نذهب الى السعودية عن طريق القريات لعلنا نجد عملا في تلك البلاد.

رحلة العذاب الى السعودية

بعد عودتي الى اريحا حيث لا عمل هناك. اتفقت مع قريبي احمد على السفر الى السعودية ليلحق هو بجماعته من عشيرة الخريشان الذين ارتحلوا بحلالهم الى هناك . جهزنا انفسنا بجوزات سفر لم نختمها من السفارة. وحملنا معنا بعض الكتب وانطلقنا من مدينة اريحا الى عمان فالى سحاب ومن سحاب مشينا الى رجم الشامي فنمنا عند اصحاب لنا، وفي الصباح الباكر اخذنا رطلا من الخبز وغالون ماء وانطلقنا على اقدامنا مشرقين الى الموقر فالى قصر الخزانة، وخلال هذه المسافة ونحن نسير على الاقدام في يوم حار والريح خماسينية (شرقية) شربنا مع معنا من الماء ونحن في اول الطريق، وكنا نتأمل ان نجد ماء في ثميلة (نزازة ماء) الخزانة، ولكن لحقنا الظمأ الشديد والتعب من طول المسير، وبدا السراب يلوح لنا وكأنه بركة ماء ، ونحن نغذ السير واذا بسيارة سياح قد اقبلت فاستبشرنا خيرا ورجونا ان يكون معهم ماء لعلمهم يسقوننا فأشرنا لهم فوقفوا، وطلبنا منهم ماء فلم يكن معهم فأعطونا حبتي برتقال وزجاجة كزوز صغيرة ، لم تخفف من عطشنا فواصلنا السير والعطش يشتد والحر يزداد والسراب يلوح حينا ويختفي حينا آخر . حتى وصلنا قصر الخرانة عند المساء فصعدنا الى ظهره ووضعنا اوعيتنا وانطلقنا مسرعين نحو ثميلة الماء فوجدناها جافة، فعدنا الى القصر نجرجر اذيال الخيبة.

نمنا ليلتنا على ظهر القصر وراقبنا الطريق لعل سيارة تمر ولكن من غير جدوى ، لم نكن نعرف بعد القصر شيئا من البلاد، ولم تكن الطريق واضحة لأنها مغطاة بالحصباء السوداء التي تملأ السهول فلا نرى لها اثرا فهمنا على وجوهينا لا ندري الى اين نحن سائران ، وكنت اسبقه مسافة، ثم اجلس انتظره حتى يأتي، مشينا من الصباح حتى زوال الشمس( الظهر) لم ار حيوانا او دودة او ذبابة او عشبة حية على الارض. فالأرض مقفرة من كل شيء الا من السراب مع ان الوقت وقت ربيع، وهذا السبب الذي جعل بدو الاردن يرتحلون بحلالهم الى السعودية وكان ذلك عام 1951م عام ممحل لم يمطر الاردن. كنت اجول ببصري شرقا وغربا يمينا وشمالا لعلي ارى بشرا او حيوانا او ماء فلم ار شيئا. تلفت نحو صديقي فاذا هو متأخر عني فجلست القرفصاء اريد انتظاره، واذا بالهواء الملامس للارض المغطاة بالحصباء السوداء يلفح وجههي وكأني قد اقتربت من شعلة نار فنهضت واقفا ومشيت قليلا، فأشرفت على وادي واذا بقصر محاط بأشجار عظيمة فقلت لصاحبي أتدري؟ قال : ماذا؟ قلت هذا وادي البطم وهذا قصر عمره فنحن قريببون من واحة الازرق لأن وادي البطم تصب مياهه في الازرق حسب معرفتي من خارطة جغرافية الاردن. فعمدنا الى القصر فاذا هو قصر عمره وبجانبه بئر عميق عليه قبة صغيرة، فالقينا فيه حجرا لنعرف ان كان فيه ماء او لا . فلم نجد فيه ماء . وسرنا مع الوادي ونحن لا نعرف اتجاه مسيله. وقد بدا على صديقي التعب مع العطش وشدة الحر ورياح السموم التي تلفح الوجوه فجلس ليستريح فانتظرته حتى نهض، وسرنا قليلا فعاد وجلس مرة اخرى، فاستنهضته فلم ينهض فسرت امامه قليلا ثم انتظرته حتى لحق بي. وشاهدت على بعد شبحا اسود ظننته بيت شعر فتوجهت نحه. فرأيته يكبر احيانا ويصغر احيانا فلما اقتربت منه واذا هو شجرة صحراوية لا يزيد ارتفاعها على المتر، فعرفت حينها ان ما اشاهده من مآذن وبيوت ما هي الا جانب من جوانب جبل اسود لا مآذن فيه ولا بيوت. جلس صديقي بجانب شجرة صغيرة فتركته وصعدت على تلة من الرمل فدخت وسقطت على الارض. واخذت احبو على يدي ورجلي حتى عدت الى صديقي. وبعد استراحة قصيرة سرت وسار احمد خلفي حتى وافينا شجرات طرفاء يبلغ طول الواحدة مترين فجلس كل واحد منا تحت شجرة ونحن على اسوأ ما نكون، اذ جفت آذاننا فصرنا نسمع نغمة الهواء وكأنها كلاب تنبح وزاغ البصر فلا نرى الاشياء على طبيعتها، وازدادت دقات القلب وكأن نارا مشتعلة في الصدر لا ينطفئ لهيبها ولا يخفف منها ظل ولا ظليل ولا استراحة ولا مسير. فيئسنا من الحياة وكتبنا اسماءنا على ورقة وعلقناها على الشجرة، ووضعنا بعض ثيابنا على الشجرة لتحسين ظلها، وكم تمنيت لو انام واحلم اني شربت ولكن كيف تنام العين وقد جفت من الدموع وكيف يغفو من همه الماء.

استلقينا على ظهورنا واستقبلنا القبلة وتشهدنا بالله وبأن محمدا رسول الله وتسامحنا وركنا الى الموت، وبقينا على وضعنا حتى وقت العصر فقلت لاحمد ان الازرق قريب منا، وهل يضيرنا الموت سواء كان تحت هذه الشجيرات ام في هذه الارض الواسعة فقال : اتريدنا ان نواصل سيرنا؟ قلت نعم، فرمى حذاءه وكوفيته وعباءته ومشى عاري القدمين مكشوف الرأس واما انا فلبست حذائي وارتديت كوفيتي وفروتي وسرت، بدا احمد انشط مني وبعد فترة جلست فحضني على المسير. وقلت له سر امامي وسأتبعك فابى فقمت وكان امامنا ثلاثة تلال سوداء تسمى في مجموعها (حرة العويند) صعدنا اول تل وثاني تل فلم نشاهد شيئا ولما صعدنا التل الثالث وهو اعلاها شاهدنا واديا واسعا ممتدا الى الشرق. ورأينا اشباحا تمنينا ان تكون بيوتا وحينها بدا على احمد النشاط واعترانا الامل وسرنا قليلا. فشعرت بالتعب فملت الى شجرة صغيرة والقيت بنفسي عليها وقلت لاحمد خذ وعاء الماء وسر فاذا وصلت بالسلامة ووجدت الماء وكتبت لك الحياة فعد الي والا فالوداع. فسار قليلا ثم عاد الى يحضني على السير فابيت وقلت له بالحاح امض ولا تنتظرني وصرخت في وجهه فلما يئس مني انطلق مسرعا ولكني لم البث بعده اكثر من عشرة دقائق الا واحس النار في جوفي فلا الظل ولا الجلوس بمفيد. فقمت وسرت خلفه وهو لا يلتفت وراءه وتراءى لي بناء عال فغلب على ظني انه مخفر للدولة فهممت مسرعا وبعد نصف ساعة تقريبا لحقت بصاحبي فلم يشعر الا وانا جانبه فسرنا معا، ولما اقتربنا من البناء شاهدنا شخصا على ظهره فأخذنا نلوح له، فلم يلتفت الينا ولما صرنا على بعد خمسماية متر وقعنا على الارض فترة قصيرة، ثم نهضنا وتوجهنا الى المغفر ولما وصلنا الشبك المحيط بالمغفر نهر علينا الجندي فأشرنا له الى افواهنا فأدرك اننا عطشى، فجاءنا عسكري آخر فأدخلنا، وادلى دلوه في بئر عند باب المخفر واخذ يسقينا بفنجان في يده حتى شربنا الدلو كله وكأننا لم نشرب فطلبت منه ان يعمل لنا شايا فسرعان ما عمل الشاي واخذ يسقينا بالفنجان نفسه فشربت ستة فناجين بمجرد ان نزل الابريق عن النار وبعد ذلك شعرت بالارتياح وعاد الي سمعي وبصري وقوة ادراكي بعد ان كانت قبل ذلك شبه معطلة.

بعد ذلك ذهبنا الى القرية وعمدنا مسجدها واذا بالامام يطلب مني ان اصعد سلما من خشب وأذن، فصعدت واذنت وبعد الصلاة اخذنا الامام الى بيته وعشانا واكرمنا، ثم عدنا الى المسجد وبتنا فيه ليلتنا، وفي الصباح عدت الى الشجيرات التي تركنا امتعتنا عندها. ولولا تتبعي لأثر اقدامننا لما اهتدينا لها. للتغير الذي لاحظته في الارض خلافا لما كنت اراه بالامس. فلملمت امتعتنا وحملتها وعدت الى المسجد فاستغرقتني رحلتي هذه من الصباح حتى المساء تقريبا. وبتنا ليلتنا الثانية في المسجد وبعد مجادلات ومناقشات أنعود لأهلنا ام نواصل رحلتنا، فاستقر رأينا على المواصلة فخرجنا من المسجد قبل الفجر واتجهنا نحو العمري ( الذي هو الان مركز حدود الاردن والسعودية) ولم نبتعد عن قرية الازرق اكثر من ثلاث كيلومترات، الا والارض مغطاة بالربيع والمياه موجودة في القيعان وبيوت الشعر متناثرة في الاودية وحولها رعايا الغنم ترعى في السهول فعرجنا على احد البيوت وسلمنا على اهله وافطرنا عندهم تمرا، ثم قمنا وواصلنا رحلتنا وعند العصر نزلنا عند غدير ماء سبحنا فيه وغسلنا ثيابنا واتفقنا على ان ننام حول الغدير اذ لم يكن حوله احد من البدو. وكان على مقربة منا تل. فصعدته فرأيت بيت شعر صغير وحيد فقمنا وتوجهنا اليه لعلنا نحرز مناما فيه. فلما اقبلنا عليه واذا بصاحبه يرحب بنا بحرارة فسلمنا وجلسنا نتسامر طويلا حتى غلبنا النعاس فنمنا. وعند الفجر نهضنا وواصلنا رحلتنا وكلما مررنا ببعض البيوت نعرج عليهم فيقدمون لنا تمرا ولبنا، وعند الظهر وصلنا واديا فيه بئر حوله نخلة، فقيل لنا هذا هو العمري، فنزلنا عند اهل بيت واذا بصاحبه يعرف صديقي احمد فقدم لنا طعاما من اللبن والزبد وخبز الشراك. وبعد ذلك ودعنا صاحب البيت وواصلنا السير وقبيل مغيب الشمس يممنا شطر بيت عنده سيارة صغيرة ورجال كثر وقبل ان نصل البيت انفض الرجال وذهبت السيارة، ولما اقتربنا من البيت واذا بصاحبه يرحب بنا عن بعد وقد عرفني ويسمى سلمان ابو جسار، فقدم لنا عشاء ونمنا عنده. وسألنا الى اين؟ فقلنا الى السعودية وسألناه عن الطريق فقال لا اعرف شيئا سوى هذا المكان الذي انا فيه فغادرنا، متوجهين نحو الشرق اذ لم يكن هناك طريق نسير عليها، وعند وقت الضحى مررنا بخربوش بحجم الخيمة وحوله ابل كثيرة فعرجنا عليه ولم يكن فيه الا رجل واحد فسلمنا عليه وجلسنا عنده، فقدم لنا تمرا وزبدة ولا ندري ان كان الرجل شراريا او من عنزة فسألنا عن الطريق الى السعودية فقال: أأصفها لكم وصف البدو ام وصف اهل ديرتكم؟ فقلنا صفها وصف اهل ديرتنا ما دمت تعرف عادتنا، فقال تسيران في هذا الاتجاه فتمشيان وتمشيان وتمشيان حتى وقت الظهر فتصلان الى حزم( سلسلة تلال) تفصل بين الاردن والسعودية وتشاهدان في الجهة الشرقية حرة سوداء عالية وبعيدة وقريب منها قرية سعودية تسمى اثرة، وتشاهدان الى الجنوب منها دارا من الطين على رأس تل يفصل بينهما واد عريض يسمى زادي المخروق تصب مياهه في قاع ( منطقة منخفضة تتجمع فيها المياة فتشكل بحيرة صغيرة ) وفي الصيف تجف ويسمونها سبخة ( منطقة موحلة اذا دخلها حيوان ربما يغرق في الطين ويغوص فيه ولا يبين) فهذا البيت الذي تشاهدانه عليه علم وهو اول مغفر من مخافر السعودية . فشكرناه على وصفه الدقيق المفصل وبالفعل وصلنا المكان الذي وصفه لنا وهو الحزم عند الظهر فانبطحنا على الحصباء الناعمة واخذنا ننظر امامنا فرأينا الحرة السوداء ورأينا المغفر فقررنا ان نتوجه نحو المغفر ولو منعونا من الدخول، وفضلنا ذلك على التوجه نحو الحرة خوفا من ان نضيع ونموت عطشا، ثم سرنا مع وادي المخروق واجتزناه مع وقت العصر فوصلنا المخفر، سألنا امير المخفر فقلنا نريد عرب الخريشة الذين دخلوا السعودية طلبا للمرعى فكتب لنا كتابا موجها الى امير الحدود الشمالية الغربية للسعودية، وهو الامير عبد العزيز السديري رحمه الله، ليرى فينا رأيه فاما يسمح لنا بالتوجه الى عرب الخرشان او يردنا ، وما كاد يعطينا الكتاب الا وسيارة آتية من القريات (النبك) مقر الامير عبد العزيز وفيها الشيخ حديثة الخريشا * وولده نايف فلما رآنا سلم علينا بالاحضان، فقال له امير المغفر عبد الله الحواسي رحمه الله اتعرفهما يا شيخ فقال له هذان ولدانا لعلك قصرت في حقهما فاسترجع منا الرسالة وغيرها وكتب لنا بالسماح من المرور، فاما الشيخ حديثة فكان متوجها الى الاردن واما نحن فأركبنا الحواسي في سيارة متوجهة الى القريات . ووصلنا القريات ونزلنا في مضافة السديري. وفي اليوم الثاني قدمت طلب عمل معلم فاستدعاني الامير السديري وسألني بعض الاسئلة ثم بعثني الى مدير مدرسة القريات لاواظب فيها . لكن المدير قال بانه ليس لديه فراغ لاحد فعدت واخبرت الامير . فقال انتظر فبقيت وصديقي مدة شهر ننام ونأكل في المضافة وبعد الشهر عاد صديقي احمد الى الاردن لا يلوي على شيء ووجد اهلنا في هم وحيرة من امرنا، يذهبون الى الفتاحين ( الذي يخطون في الرمل) لعلهم يخبروهم عنا فيزيدونهم قلقا، ولم يهدأ لهم بال حتى رجع احمد واخبرهم بما جرى لنا وأما انا فبعثني الامير معلما الى قرية الحديثة فاتخذت المغفر مدرسة لابناء القرية وبقيت مدة سنة ونصف

النقاش مع الحواسي

حصل نقاش بيني وبين امير البلد بشأن ارض البلد، وقلت بان ارض فلسطين خير من ارض الحديثة للزراعة فاحتد الامير وقال: لو فيها خير لاشبعتك ، فقلت لو بقيت لنا لما جئت الى هنا. فقال : لو كنت رجلا لحميتها. فشعرت ان الرجل اراد اهانتي ، فقلت : لقد قاتلنا اليهود بسلاحنا الخردة وكدنا نهزمهم فدخلت الجيوش العربية السبعة بمدافعها ودباباتها ومجنزراتها ورشاشاتها وظننا انها ستنهي اليهود في جولة واحدة واذا بالدول العربية بعثتها لتقوم بحروب مصطنعة تتظاهر بالهزيمة لتسليم البلاد لليهود ، بل ساعدت بعض الجيوش اليهود على طردنا من بلادنا وخرجوا جميعا بالخيانة فقال الامير : ولا كلمة فقلت: لقد وصل الجواب كاملا ولو بقيت كلمة لقلتها . وفي اليوم التالي نزلت الى القريات وقدمت استقالتي للامير عبد العزيز فوافق عليها فلما علم امير القرية وكان حريصا على بقائي لأني كنت اعلم ولده اللغة الانجليزية، قبعث لي المدير المالي يحذرني من اني اذا غادرت القرية لن ادخلها ما دام فيها، فقلت للمدير المالي: الجواب امانة قل لصاحبك بأني اقسم ان لا اعود لتلك البلاد باحثا عن الرزق الا اذا عدت لأداء فريضة الحج. وفي اليوم التالي ركبت في سيارة متوجة الى الأردن ولم امض جواز السفر ولم اودع احدا وعدت الى اهلي في مخيم عين السلطان في مدينة اريحا.

العودة الى الدراسة

بعد عودتي اقمت مع اهلي وعلمت حينئذ ان اصحابي الذين كنت واياهم في الصف السادس في قريتنا الاساسية( الدوايمة) هم الآن في الصف الثاني الثانوي في مدرسة عقبة جبر الثانوية فعزمت على العودة لتكميل الدراسة ، فذهبت الى المدرسة وقابلت مديرها وطلبت الدخول في المدرسة فأبى، وبعد أخذ ورد وجدال طويل، طلب مني شهادة الصف الأول الثانوي وشهادة حسن سلوك وبعد رجاء وتوسط وافق على ان اقدم فحصا في مقرر الصف الأول الثانوي ، وطلب من المعلمين ان يضعوا الاسئلة فتقدمت في اليوم التالي للفحص ونجحت بفضل معلوماتي العامة ، ودخلت الصف الثاني الثانوي ، وواصلت بقية الصفوف الاخرى حتى تقدمت لفحص الثانوية العامة( المترك) عام 54/1955م ونجحت، وكان ما مضى من عمري يومذاك ستا وعشرين سنة، فتقدمت لوكالة الغوث بطلب وظيفة معلم، وحصلت الموافقة مع بداية العام الدراسي 55/1956م

يتبع القسم الثاني المتعلق بحمل الدعوة

ابو شجاع
09-08-2007, 02:39 PM
القسم الثاني من مذكرات يوسف السباتين رحمه الله



القسم الثاني من حياتي التعليمية والسياسية كحامل دعوة لاستئناف الحياة الاسلامية .

عينت معلما في مدرسة عين السلطان الاعدادية، وكنت اعلم اللغة العربية والرياضيات ، دعاني احد اصدقائي وابن صفي في المدرسة التي تخرجنا فيها لزيارة معلم اسمه احمد حسين، فأخذ المعلم هذا يتحدث في العقيدة الاسلامية ويبرهن لنا على وجود الخالق فلم اهتم لحديثه لأني كنت ملتزما بما تمليه علي عقيدتي، ولم افهم مراد الاستاذ، غير ان صديقي أعلمني ان المعلم هذا من حزب التحرير ويدعو الى الاسلام، ولم اكن قد سمعت بهذا الحزب، واعطاني كتابا من كتب الحزب اسمه (نظام الاسلام) فصرت اطالع في الكتاب فأعجبني ما فيه، وكان ذلك بعد نجاحنا في الحصول على الشهادة وقبل تعييننا في التعليم وجاءني صديقي هذا يوما وقال لي بأن الاستاذ فاروق عبد العال حضر الي ومعه منشورات لحزب التحرير يريدنا ان نوزعها في المساجد، واعطاني قسما منها فأخذتها وأشرفت على توزيعها في احد مسجدي المخيم، واما صديقي فأعطى حصته لشاب آخر وزعها في المسجد الثاني ، وفي اليوم التالي جاءني صاحبي وقال لي بأن شاويش مخفر المخيم جاء الى بيته يسأل عنه واريد ان اذهب انا واياك واذا سألني عن المنشورات سأقول له اعطانيها الاستاذ فاروق عبد العال لأنه (فاروق) قال لي اذا احد سألك فقل لهم عني، فقلت له وبهذه السهولة ، أليس هو استاذنا؟ فكيف نقول عنه؟ هل وزعت حصتك؟ فقال: وزعها الاخ خليل فقلت اذا بأمكانك ان تقول ما رأيت من وزعها. وعلى كل سأنكر اني اخذت منك نشرات واحذرك من الذهاب للمخفر. فقال سوف لا اذهب. ثم عاد الي في اليوم التالي وقال اريد ان اذهب فخشيت ان ذهب سيقول كل ما حدث، فقلت له اذهب معك بشرط ان لا تتكلم، واترك لي الحديث فوافق. فدخلنا على الشاويش وسلمنا عليه فبادرته بالقول اننا نأسف لعدم تواجدنا في البيت وقت مجيئك ونرجو ان تشرفنا مرة اخرى لعلنا نستأنس بحضورك فقال: انا جئت لأن بعض الناس وزع نشرات في المساجد وانا اعرف انكما مثقفان ولعلكما تعرفان من وزعها. فقلت لعلها النشرة التي تتحدث عن مشروع الاسكان لجونستون فقال نعم فقلت رأيت ولدا صغيرا يوزعها في المسجد الشمالي واعطاني نشرة فقرأتها فاذا هي طبق الاصل مع الموضوع المقرر في منهج المترك الاردني الذي درسناه هذا العام، فقال هو موضوع ليس ذات اهمية فاراد صاحبي ان يتكلم فقاطعته وقلت للشاويش ارجو ان تزورنا فقال انشاء الله ثم اخذت بيد صاحبي وخرجنا وشعرت انه مثل المضبوع فاردت ان انسيه وساوسه فعرضت عليه ان نخرج من اريحا الى منطقة الخليل فقال ما معه الا عشرون قرشا فقلت له معي دينار فوافق فانطلقت به الى مخيم العروب ثم قرية سعير ثم الى منطقة ايدون حيث كروم العنب ثم الى الخليل ثم الى دورا ثم الى دير سامت ثم الى قصتين ثم الى اذنا ثم عدنا الى الخليل فاريحا واستغرقت رحلتنا ستة ايام. ولم اصحبه بعدها.

كنت اطالع في كتاب نظام الاسلام واجمع بعض الناس واسمعهم ما في الكتاب دون ان اعرف احدا من حزب التحرير ، وكنت ادرس في المدرسة واناقش معلما ينتمي الى الحزب الشيوعي وكثيرا ما كان يفحمني فاعود الى دراسة كتاب نظام الاسلام واعود الى مناقشته وافحامه وبعد فترة جاءني معلم من مخيم النويعمة وجمعني مع اربعة اشخاص واخذ يدرسنا في الكتاب. وصرت انقل ما في الكتاب من افكار الى طلاب الصفوف التي ادرسها واناقش فيها المعلمين وشاع اسمي في المدرسة بين الطلاب والمعلمين وفي المساجد وعلى المقاهي واثناء الدعاية لمرشحي الحزب في الانتخابات النيابية، وعرفت عني سلطات الامن وصرت مراقبا في تحركاتي.

تعرفت فيما بعد على الشيخ حسن سلطانة وكان يعلم في مدرسة هشام بن عبد الملك في اريحا، وتعرفت كذلك على الاستاذ محمد الرابي وعلى الاخ احمد ياغي وصرنا ندرس في حلقة يشرف عليها الشيخ حسن سلطانة وتحزبت على يده.

أول ملاحقة من رجال الأمن

جاءني مجموعة من كتيبات تحتوي على البيان النيابي الذي القاه نائب حزب التحرير الشيخ احمد الداعور رحمه الله في مجلس الامة الاردني. وكان عندي موعد تدريس حلقة في مخيم النويعمة فأخذت الكتيبات وذهبت على الاقدام ولما صرت على الجسر الذي يربط مخيم عين السلطان بمخيم النويعمة لحقني _امن مخيم النويعمة – وفيه شاويش مخفر مخيم النويعمة وحارس المخفر وسائق فقال الحارس للشاويش هذا هو واشار الي فطلب الشاويش من السائق ان يقف فاعتذر السائق لكون الطريق حادة الارتفاع فعدلت عن الطريق واتجهت نحو وسط المخيم ولقيني احد افراد الحلقة فأعطيته الكتيبات فانطلق بها نحو المخيم فنظرت نحو المخفر فرأيت الشرطة والحارس يراقبوني فأرسلوا الحارس ليراقب اي بيت سأذهب اليه، فدخلت المخيم ووصلت البيت وطلبت من اعضاء الحلقة ان يخرجوا بسرعة ويذهبوا الى بيت آخر، فخرجوا وبعد دقائق خرجت ومعي صاحب البيت واذا بالحارس يراقبنا عن بعد، فقلت لصاحب البيت انظر الى الحارس ليصرف عنا وجهه وليشعرنا انه لا يراقبنا وقلت له لا تلحقني بل ادخل بيتك . فنظر الى الحارس فادار الحارس بوجهه فانطلقت بسرعة ودخلت دخلة توصلني الى البيت الآخر وهناك درست الشباب فلما انتهى الوقت خرج احد الشباب واسمه عبد الرحمن ليستطلع الخبر فعاد مسرعا وهو يقول : الشرطة طوقت البيت الاول واعتقلت مجموعة من الطلاب والاستاذ الدريدي، والاستاذ عوني عطية وابراهيم صاحب البيت واستغربنا الخبر حيث لم يكن احد في البيت، فمن اين جاء هؤلاء؟ فخرجت وسلكت طريقا خفية وعدت الى بيتي في مخيم عين السلطان، وغيرت بدلتي الحمراء ولبست غيرها، وعدت في نفس الليلة الى بيت ابراهيم في النويعمة لأستطلع الخبر من مدير مدرسة مخيم النويعمة والذي كان يسكن في نفس البيت. فأخبر ان الاستاذ والطلاب كانوا يتمشون على الطريق فجاءوا لزيارة ابراهيم بعد خروجك من البيت وذهابك للحلقة، فذهب الحارس واخبر الشرطة بانك في البيت لانه لم يرك حينما خدعته وذهبت، وبمجرد ان دخل ابو هاني (شاويش المخفر) سأل عنك فقال اين صاحب البدلة الحمراء فقال له ابراهيم خرج من هذا الثقب استهزاء به، فلما لم يجدك اخذ الموجودين لمركز اريحا.
النقل الى مدرسة العوجا.

بعد عام في مدرسة عين السلطان نقلت الى مدرسة العوجا. وكان مديرها يتعاون مع الامن ويحاول ان يبعدني عن الصفوف العليا في المدرسة، فحصل بيني وبينه خلاف شديد بعد استدعائي من قبل القائمقام يحذرني من الاختلاط بطلاب مدارس عين السلطان ويطلب مني عدم الوقوف على الطريق. وبعد شهرين من الدوام نقلت الى مدرسة الكرامة الاعدادية وبعد شهرين من الدوام نقلت الى مدرسة النويعمة داومت فيها فترة ما بعد الظهر وشرحت للطلاب درس تاريخ وقلت لهم لعلي لا ادرسكم ثانية، وفي اليوم التالي درست الفترة الصباحية وجاءني نقل الى المدرسة الابتدائية في الكرامة، ذهبت الى مدير التعليم عيسى عطاالله ووجدت عنده التعقيب فارس طلاعة واغلظت في الكلام لمدير التعليم وقلت له أهذا الذي يأمرك بنقلي هنا وهناك؟ وصدر بحقي وبحق احمد ياغي قرار من حسن الكاتب محافظ القدس باثبات الوجود لمدة سنة. ولما نقلت الى الكرامة في المرة الاخيرة ذهبت مع المدير وبقية المعلمين الى مقهى المخيم واذا بجميع معلمي مدارس الكرامة في نفس المقهى، وكان في المقهى قائد الاغوار ابراهيم المبيضين، وبمجرد ان جلست واذا به يوجه سؤالا ويقول: أأنت الذي تريد ان تقيم دولة اسلامية؟ فقلت له او تكره ان تقوم دولة اسلامية؟ فقال: لا فقلت له ايضا وهل لرجل واحد ان يقيم دولة ؟ فقال لا ولكن بتعاون الاخرين فقلت له اذا انت معي قال ولكن ليس عن طريق الحلقات والنشرات وانما بفتح مدارس وتعليم الناس فقلت له وهل قصرت الدولة في فتح المدارس فقال لا فنادى القهوجي وطلب لي فنجان قهوة فاعتذرت ، واذا به يسحب الطاولة ويجلس ومعه ثلاثة منهم مدير مدرستي ليلعبوا الورق، ولما طلبوا من القهوجي ان ينزل لهم طلبات، قال قائد الاغوار نزل طلب للاستاذ يوسف، فقلت له كنت للطلب الاول شاكرا اما للطلب الثاني فآسف لانه حرام، فصار المعلمون يعضون لي على اصابعهم وكأن على رؤوسهم الطير. فقال القائد نصحتك وان وقعت بدبرك فقلت ما ينزل السماء تتلقاه الارض.

الاعتقال والسجن في سجن مدينة السلط

عندما انتقلت الى الكرامة بدأت نشاطي داخل مخيم الكرامة وتمكنت من اقناع كل من الاستاذ عبد الرحيم لافي والاستاذ محمد غيث. والتاجر محمد حسنين ( كان شرطيا ايام الانتداب البريطاني في فلسطين) وذهبنا جميعا الى بيت الاستاذ محمد الرابي ليدرسنا في حلقة. ولسوء الحظ رآنا فراش مدرسة وكان يعمل مخبرا لمخفر الكرامة فوشى بنا لقائد الاغوار ابراهيم المبيضين، فجاء هذا بدوره ومعه سيارة شرطة فطوقوا البيت واودعونا سجن السلط انتظارا لمحاكمتنا امام المحكمة العسكرية العرفية . بتنا ليلة او ليلتين في النظارة وكانت درجة الحرارة في تلك الليلة صفرا فكانت اصعب ليلة قضيناها في حياتنا ولم يكن معنا شيء نفرشه لنجلس عليه او نلبسه او نتغطى به، فجلست متربعا على ارض الغرفة المصبوبة بالاسمنت ونام الاستاذ عبد الرحيم مستلقيا على ظهره ورأسه على فخذي الايمن والاستاذ الرابي كذلك رأسه على فخذي الايسر فاحسست بانجماد الجزء الاسفل من جسمي وطلبنا من الشرطة بعض الباطاطين ولكن بدون جدوى ، ثم اخذتنا الشرطة في اليوم التالي لمحافظ السلط فتلطف بادخالنا السجن وادخلونا في غرفة ليس فيها الا طنجرة وكردل كما يسميه المساجين فنظرت في الطنجرة المملوءة بالماء للشرب فاذا سطح الماء مغطى بالقمل واما الكردل فمعد لبول المساجين . واعطونا ثمانية بطاطين او ثماني بطانيات، ولكننا لم ننم تلك الليلة الا القليل فاحتلمت في الليل ولما اخرجونا الساعة الثامنة صباحا من الغرف لنذهب الى الحمامات نقضي حاجتنا دخلت حماما وخلعت لاتحمم وازيل الحدث، واذا ببعض الحنفيات قد جمد فيه الماء ولا تنزل الا القليل من الماء، فوضعت الابريق تحتها طويلا حتى امتلأ وتوضأت منها ثم رششت جسمي بالماء فصرت اقفز واقفز من شدة برودة الماء ونزل الدم من رأسي ثم لبست ثيابي وخرجت وفي اليوم الثاني توسط لنا احد المساجين واسمه عبد العزيز عربيات فنقلونا لغرفة مفروشة وليس فيها الا سجين نصراني من الفحيص فقضينا فيها سبعة وثلاثين يوما ثم عرضنا على المحكمة العرفية العسكرية في العبدلي والقى المدعي العام مقالة مدعيا اننا قمنا باجتماع غير مشروع وضبط معنا كتب لحزب التحرير المحظور، وتقدم الرئيس ابراهيم المبيضين فأدلى بشهادته قائلا: جاء يوسف السباتين من منطقة اريحا الى منطقة الاغوار لاحدى مدارس الكرامة، وارسل الينا تقريرا يطلب منا مراقتبه وبمجرد ان وصل الى الكرامة اخذ يعبث في المخيم فسادا واستطاع ان يقنع هؤلاء بفكرته. وعند اجتماعهم اول اجتماع غير مشروع كنا له بالمرصاد فاعتقلناهم وها هم بين اديكم. وسأل رئيس المحكمة ان كان احد منكم يريد ان يعترض على شهادة الشاهد فقلت انا ، فأذن لي فقمت وسألت الرئيس المبيضين : هل الذي يقوم باجتماع غير مشروع يكون متوجسا او مطمئنا؟ فقال: يكون متوجسا. قلت: حينما جئتم بسيارة سمعنا صوت موتورها وحركة عجلاتها ووقع خطاكم ببساطيركم فلم نحرك ساكنا، ولو كنا في اجتماع غير مشروع لهربنا بمجرد سماعنا لخطاكم. بل كنا جالسين مطمئنين . ولما قرعت انت الباب انتظرت طويلا حتى فتحنا لك الباب. ولما دخلت الغرفة التي كنا جالسين فيها دخل صاحب البيت من باب الغرفة الاخر يحمل صينية القهوى وعرضها علينا قلت انا له اعط البيك فرفضت انت وعرضت عليك ان تجلس فابيت فقلت لك اذا ماذا تريد فاخذت تفتش في الكتب الموجودة على الطاولة فوجدت هذا الكتيب بين تلك الكتب ولكم يكن بأيدينا . واما ادعاؤك باننا كنا ندرس فيه فاني اسألك كيف عرفت اننا كنا ندرس فيه؟ قال كنت اسمع من الشارع قلت: أكنت بعيدا عن الشباك ام كنت خلفه مباشرة قال كنت خلفه مباشرة قلت الشباك من خشب وليس من زجاج اليس كذلك؟ قال نعم، قلت اكان الشباك مغلقا ام مفتوحا؟ قال بل كان مغلقا قلت: اذا لم تر بعينيك بل سمعت باذنيك. قال نعم قلت كنا نسأل الاستاذ الرابي عن درس الدين الذي شرحه للطلاب فاعاده لنا، هذا الذي كنت تسمع فقال رئيس المحكمة اذا لم يكن اجتماعهم غير مشروع . فقال المبيضين: لا ادري.

تقدم المدعي العام وسأل محمد حسنين: انت تاجر ما الذي جمعك مع هؤلاء المدرسين ، قال جئت لوالد الاستاذ الرابي زيارة وكنا نتحدث عن ايامنا الخوالي في البلاد فجاء هؤلاء واخذوا يتحدثون عما يواجهونه من الطلاب فقال المدعي العام ماذا تبيع؟ قال ابيع فجل وخبيزة . فقال اتقرأ قال لم يعلمني والدي الكتابة فناوله قلما وقال وقع هنا على ورقة ، فسرعان ما وضع حسنين ابهام يده على لسانه واخذ يعده للبصمة فاخذ المدعي القلم منه ووضع اصبعه على البصامة وقال ابصم هنا فشقلب حسنين ابهامه فقال المدعي لم توقع على معاملة قال كنت راعيا ولا اعرف توقيعا. فبرأتنا المحكمة ما عدا محمد الرابي فحكمته بعشرة دنانير لحيازته كتابا ممنوعا ؟ثم افرج عنا وعدنا الى اعمالنا ؟

فرض الاقامة الجبرية عام 1958م

في العطلة الصيفية لذلك العام كنت اصيف في الخليل التقيت ذات يوم بالاستاذ ياغي في القدس وهو احد الشباب النشطين في مخيم عقبة جبر فاخبرني اني واياه حكمنا محافظ القدس حسن الكاتب بالاقامة الجبرية لمدة سنة غيابيا، وقال لا تذهب لأريحا حتى تنتهي العطلة وكان في طريقه الى مصر، وعندما انتهت العطلة ذهبت الى الكرامة وصرت اثبت وجودي في المخفر كل يوم – قدمت نقل من الكرامة فتقرر نقلي الى عمان فذهبت الى القدس وطلبت رفع الاقامة الجبرية فرفعت وعينت في مدرسة ابتدائية في المحطة وبعد اسبوع نقلت الى مدرسة وكالة الغوث في السلط .

دعاني مدير المدرسة الاستاذ هاشم هديب لطعام الغداء في بيت الاستاذ قسطندي وهو نصراني بعثي ومعه استاذ آخر نصراني بعثي وهم اصحاب هاشم وهم معه اعضاء في حزب البعث، وكان هاشم يعرف انني عضو في حزب التحرير فارادوا في جلسة الغداء ان يعزلوني عن اهل السلط فوصفوا اهل السلط انهم جهلة وذو عقول خشنة ولا صحبة لهم ويشبهون اهل مدينة الخليل والأفضل للانسان ان لا يخالطهم ولا يتقرب منهم، مع ان المضيف لي الاستاذ قسطندي سلطي، فعرفت مغزى حديثهم وحكمت عليهم بانهم سخفاء وخاصة هاشم الذي يعرفني جيدا. خرجت من عندهم وسألت رجلا عن بيت المرحوم الاستاذ احمد عربيات فدلني عليه وما ان قرعت جرس البيت وخرج بنفسه الي وعرفت بنفسي وكان يدرس في حلقة فقال لي استلم الحلقة وواصل تدريسها.

وبعد اسبوع دعيت من قبل الاخ التحريري محمد شعبان العطيات لمناسبة . تناولنا عنده طعام وفي اليوم الثاني كنا نتذاكر في المدرسة موضوع الولائم في المناسبات فذكرت للبعثيين باني دعيت لمناسبة قدم فيها الطعام في مناسف فسألوني عند من وفي اي بلد، فقلت لهم في السلط فقالوا تدعى لتناول الطعام في منسف ولم يمض على وجودك في السلط الا اسبوع ولنا ثلاث سنوات ما دعينا لأي مناسبة، فقلت لهم لمفاهيمكم المغلوطة عن اهل السلط، ولانعزالكم وانطوائكم على انفسكم، فاهل السلط نعم مثلهم مثل الخليل في الشهامة والكرم وطيب المعشر.

لم يمض علي فصل دراسي الا وهم يتآمرون على يريدون ضربي، فيخرج هاشم الصديق القديم قبل نهاية الدوام حتى لا يتهم بالتآمر، وكانت عندي آخر حصة فلما خرجت وذهبت الى غرفة المعلمين، واذا بالمعلمين النصرانيين البعثيين في الغرفة ينتظراني، وبمجرد ان دخلت اغلق احدهم باب الغرفة ووجه لي السؤال التالي: قال تقولون ان المسيحيين كفار وليس عندكم دليل من القرآن فقلت له اسمع هذه الايات من القرآن التي تصمكم بالكفر فقرأت قول الله تعالى لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة) وقوله ( لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح بن مريم) وكان بجانبي على الطاولة فرجار اللوح الذي يزيد طوله عن نصف متر، فأمسكت به واخذت مسطرة اللوح التي يبلغ طولها المتر ثم قلت له افتح الباب الذي اغلقته والا والله لا تجد مفرا الا ان تلقي بنفسك من على البلكون الى الشارع فتتحطم ، تحسبني الاستاذ المسكين الذي فتشتموه عند خروجه متهمينه بسرقة الجرابين التي تطلبونها من بعض المؤسسات للطلاب وتبيعونها يا لصوص، فقال المعلم الاخر افتح الباب لا حاجة لمثل هذا. ففتح الباب وخرجت ولما عدت الى البيت هجوت البعثيين بقصيدة رقم-9- (حقيقة البعث) وحصلت مشاكل كثيرة معهم ومع اهالي الطلاب اتهموهم بالخيانة، وعلى اثرها جاء عيسى عطا الله وتفقد محتويات المدرسة وعلى اثرها قدم تقريرا بفصل الاستاذ هاشم، ولكن الوساطة ابقته معلما لا مديرا.

ابو شجاع
09-10-2007, 01:55 PM
دورة خضوري التربوية
اعتقالي وسجني شهرا ونفيي للخليل ستة اشهر

في صيف العام الدارسي 1958 م دعيت لحضور دورة تربوية في مدرسة خضوري الزراعية في طولكرم ، اتصلت اثناء وجودي في الدورة بشباب الحزب في البلد ليوافوني بالنشرات اذا حصلت. فبعثوا الي نشرة بعنوان سياسة التجهيل فوزعتها على المعلمين الذي يحضرون الدورة وعددهم مائة وخمسون واعطيت احد شباب الحزب واسمه احمد الطيطي نشرة ووزعت في الاسبوع الثاني نشرة بعنوان الى متى يظل الناس في السجون واعطيت مجموعة منها لاحد الشباب في الدورة واسمه عز الدين عيده ووزعنا ما معنا، فاعطى عزالدين النشرة لمعلم بعثي فاوصلها بدوره الى مدير الدورة فاستدعى المخابرات وحققوا مع عزالدين وقبل ان يأخذوه اخبرني بالامر، فقمت بدوري وجمعت ما وزعت ونزلت الى حرش المدرسة واخفيت النشرات ونسيت نشرتين في جاكيتي وكان بحوزتي كتاب نظام الاسلام وفي الصباح الباكر وقبل قيام العلمين من النوم خرجت من المدرسة وذهبت الى البلد وحذرت الشباب هناك واخبرتهم بما حصل وعدت على الفور الى المدرسة وجاء المخابرات واخذوا يفتشون اوعية المعلمين وسررهم فأخرجت كتاب نظام الاسلام ووضعته تحتي على السرير وفتحت الشنطة للتفتيش وكلما يفتشون كتابا اضعه بجانبي على السرير فلما انتهوا من تفتيش الشنطة اخذت الكتب ومن ضمنها نظام الاسلام واعدتها الى الشنطة وقمت عن السرير ففتشوه فلم يجدوا شيئا ولما فتشوا اوعية اسحاق الطيطي وجدوا لديه نشرة (سياسة التجهيل) فحققوا معه فادعى انه لم يقرأها ويظنها من الاوراق التي توزع على المعلمين في الدورة التربوية واعترف باني انا الذي اعطيتها اياه فاستدعوني للتحقيق وسألوني أأعطتيه النشرة فانكرت ظنا مني انها نشرة الى متى يظل الناس في السجن ، فقال لي بل اعطيتني اياها. فقلت ارونيها فقرأوا عنوانها فادركت انها غير التي نحن بصدد توزيعها وخشيت ان انكرت ان يكشف اسحاق بقية الشباب لما ظهر عليه من ضعف. فاعترفت لاحصر الامر في فارادوا اخذنا وكان الجرس يقرع للفطور فقلت للمخابرات نريد ان نفطر فسمحوا بذلك فدعوت اسحاق ليدخل معي للفطور فأبى وظل واقفا حزينا فدخلت وطلبت من السفرجي ان يحضر لي حصص ثلاثة اشخاص فاستغرب المعلمون وقدم كل حصته فرفضتها وقلت لهم اتدرون من هم الثلاثة؟ انهم انا واسحاق وعزالدين الذي اعتقلته المخابرات في الليل نتيجة تجسس فلان وفلان البعثيين فاحذروهم فخرج الاثنان من قاعة الطعام وهربوا من الدورة وبعد الفطور اخذوني واسحاق الى السجن ووضعونا في النظارة وقلت لاسحاق اياك ان تغير من افادتك وقل اعطانيها يوسف ولا تزد ولو حرفا واحدا. وأريته النشرتين اللتين معي فقال اين تريد بهما؟ قلت لمن في السجن فسكت، واستدعي وحقق معه ثم استدعيت وجاء ضابط للتحقيق معي فبدأ يسأل وانا اجيب فقال: أأنت اعطيت النشرة لاسحاق؟ قلت نعم قال من اين جئت بها؟ قلت اعطانيها رجل يصلي يوم الجمعة في المسجد. قال اهو الخطيب قلت لا قال فمن هو؟ قلت انا لست من سكان البلد ولا اعرف كل الناس. قال صف لنا قلت رجل يتحرك بسرعة فلم اتحقق من صفاته. قال أأشقراني هو(اراد خياطا) قلت لا قال اطويل هو ام قصير؟ قلت وسط قال اتستنكر حزب التحرير؟ قلت لا فقال لعسكريين خذوه، فامسكاني وذهبا بي فسألتهما الى اين؟ قالا الى الاسطبل لتقول من اعطاك النشرة. فادركت انهما ذاهبان لضربي فقلت اعيداني اليه فاعاداني فقلت له ما الذي تريد قال تقول من اعطالك النشرة قلت : قلت لك لا اعرفه فتناولني بكف يريد به وجهي فهبطت فأخذاني فثنى علي بشلوط برجله فقفزت الى الاعلى ولم يصبني، فالتفت وقلت له لن تسمع مني غير الذي سمعت وافعل ما تشاء فقال خذاه الى النظارة، فوجدت الاستاذ اسحاق جالسا حزينا متأملا ان يطلقوا سراحه. وبعد برهة استدعوني مرة ثانية للتحقيق فلما دخلت على الضابط واذا هو يدخن ارقيلة وامامه فنجان قهوة. قلت الان يمكننا ان نتفاهم فقال اريد ان اسألك مرة اخرى فقلت اسأل فسأل نفس الاسئلة وسمع نفس الاجوبة. فقال اعيداه للنظارة. ومن النظارة ادخلونا السجن فمكثنا في خمسة عشر يوما.

وطلبوا منا الاستنكار، فاستنكر صاحباي ولم استنكر، ثم سمح المتصرف بكفالتنا، فذهب والدي لقرابة لنا ليكفلني فأبى، فأخبرني والدي فقلت له لا تتعب نفسك فلا حاجة للكفالة لاني لم استنكر، وجاء اهل صاحبي باستنكاراتهما وبكفالاتهما وقدماها للقائمقام واخرجا ولديهما، فسل احد الاخوان عزالدين عيدة واسمه جمعة : هل حصل يوسف السبايتن على كفالة فقال له اخوه لم يحصل، فقال جمعة لن اغادر هذا البلد حتى ادبر له كفالة. فذهب الى تاجر في طولكرم من آل الزغير وطلب منه ان يكفلني فكفلني فخرجت. وكانت الدورة قد انتهت. ثم عدنا للمحاكمة امام المتصرف ادريس التل فحكمنا سجن شهر ونفي ستة اشهر الى الخليل . وبعد الخروج من السجن ذهبت الى الخليل ونزلت في فندق ثم قدمت طلبا لادريس التل بالسماح لي بالعودة الى العمل فكان جوابه بعدم العودة للعمل واحتفظت بكتابه في جيبي.
كان والدي يسكن مخيم عين السلطان في اريحا وزوجتي وابنتي عنده،[1] فجاءني ذات يوم ومعه ابن عم لي وطلبا مني التوقيع على الاستنكار وسيعيدني رئيس الوزراء الى عملي، فابيت وقلت لوالدي : ان كان لي رزق عند وكالة الغوث سأحصل عليه بدون بهجت التلهوني وبدون استنكار، واذا لم يكن لي رزق عندها فلا بهجت التلهوني ولا غيره يأتيني برزق منها. وكنت قد طلبت لهما قهوة فقاما غير راضيين ولم يشربا القهوة ونزلا من الفندق وعاد والدي الى اريحا بعد ان هددني بانه سيطرد زوجتي من بيتها.[2] وجاء صاحب القهوة فاخذ الفناجين فلم اجد معي قرشين اعطيه ثمنهما فطلبت من صديق ان يعطي صاحب القهوة قرشيين . فصعدت الى سطح الفندق وصليت العصرت ودعوت الله: يا رب انك تكفلت بالرزق وانت اعلم بالحال. ثم علمت ان مدير التعليم في وكالة الغوث (سلامة خليل) طلبني فذهبت لمسؤول الامن في الخليل لآخذ تصريح بالذهاب الى عمان فلما قدمت الطلب نظر الشرطي فيه فطلب مني تغيير صيغته اذ ليس فيه كلمة سيدي وليس فيه ما يشعر بطلب الاستعطاف، فأبت علي النفس بتغييره فأعدته كما هو فقال : من كتبه؟ قلت انا فظن اني لا اعرف غير هذه الصيغة فقبله، وبعد قليل غادر الشرطي، وجاء الموظف المسؤول فناداني وقال قدمت كفالة للمغادرة ؟ فقلت: اما لهذه المرة فلا ولكن قدمت في المرة الاولى فادخل الاستدعاء الى ضابط المخابرات فطلبني بدوره وطلب هويتي فوجدني من سكان اريحا فنادى الموظف وقال هذا من سكان اريحا فقلت له انا معروف هنا، وقال الموظف سيدي انه معروف، وكان النائب اسماعيل حجازي عند الضابط فقال معروف( ولم يكن يعرفني شخصيا بل كان يعرف اسمي فقط لاني كنت ابعث له نشرات الحزب مع ابن اخ له) فقال الضابط: معروف ، معروف ، وانا اقول معروف وسمح لي باسبوع مع العلم انه لم يكن يسمح لي بأكثر من يوم ، فمررت باحد التجار من الشباب اسمه يونس قنيبي وقلت له اعطني نصف دينار فانا لست حاملا نقودا، وركبت الباص ب 25 قرش الى عمان، وهناك ذهبت لمقابلة مدير التعليم فبادرني بالقول: أاجئت من ادريس التل بالسماح لك بالعودة الى العمل ، وكان كتاب ادريس التل بعدم السماح لي بالعمل الى العمل موجودا في جيبي فلم اجبه على سؤاله وقلت له: لقد بعثت اليكم بقرار الحكم . فقال: قرار الحكم يفيد انك لا زلت في السجن. فقلت له الم اقابلك بعد خروجي من السجن ؟ فقال. هذا فهم الادارة. فقلت اين هي؟ قال في الطابق الادنى فنزلت وقابلت مدير الادارة فقال: أجئت بكتاب يسمح لك بالعودة للعمل؟ فقلت بعثت لكم بقرار الحكم فقال يفهم منه انك لا زلت في السجن، فاخرجت له جواز سفري وقلت انا يوسف السباتين فهل يعقل ان اكون عندك وفي السجن في آن واحد؟ فقال اقتنعت. ثم طلب من مدير التعليم ان يعيدني الى عملي في الخليل لكوني منفيا. فقلت له معي اثنان فاتصل بمدير التعليم مرة ثانية وقال اعتبر الاخرين مثله. بعثت في نفس اليوم لوالدي بعودتي للعمل فسر بذلك وقال سوف لن اعارضه ابدا.


عينت نقيبا للجنة المحلية للحزب في الخليل

بعدما انتهيت من مشكلة سجن طولكرم وبعد عودتي للتعليم واصلت نشاطي الحزبي في مدينة الخليل فكلفني الحزب الاشراف على منطقة الخليل وعينني نقيبا للجنة المحلية. فكنت اصلي الصبح في الحرم الابراهيمي واعطي درسا بعد الصلاة ويلتف حولي الناس ليسمعوا مني ما اقوله باسم الحزب في الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحكم. وكنت اعمل لكل مجموعة من الشباب جلسة خاصة ، لزيادة توعيتهم الثقافية الحزبية، ولحضهم على زيارات الناس ودعوتهم للانتماء للحزب وتوزيع النشرات وكنت اتفقد الحلقات ( حلقات الدراسة) والتي هي اهم شيء بالنسبة للحزب.
كنت اود الانتساب لكلية الشريعة جامعة دمشق فقال البعض انهم يطلبون من المنتسب الحصول على التوجيهي المصري. فدرست التوجيهي ونجحت فيه ولكن عند الانتساب قبلوا بشهادة الدراسة الثانوية للاردن(المترك) .
كانت مشاكلي مع عباس عطا الله (مدير التعليم) مشاكل عويصة فكان يتعقبني ويحاول ان يمسك علي اخطاء لعله يتمكن من فصلي من التعليم فقد كان نصرانيا حاقدا ولكن محاولاته باءت بالفشل.

محاكمة امام محكمة عسكرية في القدس
في عام 1964 دشنت الصخرة المشرفة في القدس وجاءت الوفود من كافة الاقطار الاسلامية للاحتفال وتهنئة الاردن بتلك المناسبة، فدعا الحزب كثيرا من شبابه للقاء في المسجد الاقصى وقرر زيارة الوفود الاسلامية وابلاغهم الدعوة لاستئناف الحياة الاسلامية والكشف لهم عن عدم جدوى الاحتفال بالصخرة وليت النقود التي صرفت عليها صرفت في شراء الاسلحة لحمايتها ووزع الشباب كل اثنين لزيارة وفد وكان نصيبي وعبد الرحيم المحتسب الوفد السوداني، وزودنا بالافكار التالية لعرضها عليهم :
1- ان حكام الاردن جواسيس لليهود في البلاد العربية
2- ان حكام الاردن نواطير لاسرائيل على الحدود
3- تقدم اليهود في منطقة الطوري 400م على مسمع ومرأى من الحكومة الاردنية ولم تحرك ساكنا
4- بغير قيام دولة الخلافة تبقى هذه المشاكل بدون حل

استقليت انا وعبد الرحيم سيارة اوصلتنا الى فندق الانتروكنتال حيث يقيم الوفد السوداني وهناك اعتقلنا ومسكت المعلومات معي واودعنا سجن القدس.[3] وجاء مدعي المحمكة العرفية العسكرية فائق غضبان للتحقيق . وقال لي أنا ضابط تحقيق واساعد كل من يتعاون معي وابرز المستمسكات التي ضبطت معي وكانت الاولى تحتوي على النقاط الاربعة التي ذكرنا. والثانية فيها هجوم عنيف على الحكام وتسفيه تصرفاتهم، وكان قد كتبها عضو اللجنة المحلية عبد الحفيظ الزعتري ، والثالثة فيها برنامج الحلقات الليلية والنهارية وفي اي ساعة تعقد كل واحدة، فسألني هل هذه الاوراق مسكت معك؟ قلت نعم. قال من اي حزب انت؟ قلت من حزب الله . قال هل انت من حزب التحرير؟ قلت: من حزب الله . قال : من حزب الله. قال : هل حزب التحرير من حزب الله؟ قلت: عرف حزب التحرير . قال اجب بنعم او لا. قلت انت تملك السؤال وانا املك الاجابة فان اردت اجبتك بآية من كتاب الله او بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. او ببيت شعر. فكرر القول وكررت الاجابة فنهض من خلف الطاولة منفعلا ووقف على يساري وأنا جالس على كرسي وضربني ثلاث لكمات فقلت له ، لقد صرت شرطيا ولجأت الى اسلوب الحمير( اسلوب المرافصة) الك علي دين؟ الا تستحي وقد كنت تقول بانك محقق. لقد جعلتني استحي على حسابك. عد الى مجلسك وحافظ على رزانتك الاولى. فوقف مبهوتا فاغر الفم ولم ينبس بكلمة، اذ لم يكن يتوقع ما سمع، فعاد الى مجلسه وسأل نفس السؤال فقلت له غير سؤالك فقد اقمت عليه معركة. فقال هل تستنكر حزب التحرير؟ فقلت السؤال خطأ. فقال ما الصحيح؟ قلت السؤال يكون كالتالي : هل تستنكر اعمال حزب التحرير وتتبرأ من اشخاصهم؟ فال: فليكن السؤال كذلك. اجب. قلت انني مسلم وامتثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الايمان) فقل لي ما هي اعمال حزب التحرير المنكرة حتى استنكرها؟ انني حينما ارى منكرا استنكره استجابة لله ولرسوله لا لطلبك مني ان استنكره، ولا انتظرك حتى تطلب مني ان استنكره وأما البراءة من الاشخاص فالله تعالى يقول ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ان ابراهيم لأواه حليم) فدلني على اعداء لأتبرأ منهم. قال: هل انتهيت؟ قلت لا بقيت الاجابة القانونية . قال اجب اذا. قلت : هل في القانون الاردني مادة تقول ( من لا يستنكر حزب التحرير يعاقب) ؟ فلم يجب. فقلت الجواب يحتمل واحدة من اثنتين : اما لا واما نعم. فان كان الجواب نعم يكون القانون الاردني اهمج قانون وجد لأنك يا محقق لم تستنكر حزب التحرير فتكون في نظر القانون الاردني مجرما تستحق العقوبة ، وكل افراد الجيش وضباطه كذلك. بل كل الموظفين والعمال والفلاحين وان شئت قل كل الشعب الاردني مجرمين لانهم لم يستنكروا حزب التحرير. وهذا غير معقول . ولذلك فالجواب الصحيح لا . فسؤالك مردود قانونيا.فقال: ماذا تشتغل؟ قلت مدرس . قال ما تحصيلك العلمي. قلت ما زلت ادرس في كلية الشريعة في جامعة دمشق.فقال: لقد مضى علي ستة وعشرون عاما في هذا العمل وجنني حزب التحرير وانت خلصت علي . فقلت له: الله لا يعطيك العافية ، ستة وعشرون عاما وما زلت رئيسا بثلاث نجم. وقلت بلهجة عامية ( ما هو بجيبوه من وراء الجمال ويحطوا له ثلاث نجم) ستة وعشرون عاما وانت تظلم الناس الا تترك هذه الوظيفة وتفتح لك مكتبا وتعمل محاميا تدافع عن حقوق الناس المظلومين بدلا من اتهامهم وونصب الفخاخ لهم لتوقعهم في شرك الظالمين. فقال انا متأسف . فقلت له وماذا اعمل بأسفك فقال: ما الذي تريده؟ قلت اريده يوم المحكمة . قال لابذلن جهدي. ثم قال: كم عدد اهلك؟ قلت ستة نفر . فقال ما ذنبهم ( يعني اني بعملي هذا اتركهم جوعى) قلت الذنب ذنبك. وهذا هو السبب الذي يجعلكم جبناء الى هذا الحد، فلا تقفون في وجه الظالم خوفا على الرزق الا تؤمنون ان الرزق بيد الله؟ ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين. فسألني عن فحوى الورقة الثالثة لانها كانت مكتوبة بارقام وحروف ورموز ، ولا احد يعرفها غيري. فلم اخبره بشيء وانتهى التحقيق وعدت الى السجن وبعد مضي خمسة عشر يوما كفلنا وخرجنا من السجن لبينما نطلب الى المحاكمة.

___________________________________ _____
[1] كانت امي تقيم مع ابي في الساط على رأس جبل من جبالها وعندما اعتقل ابي جاءت قوة مسلحة كبير احاطت بالجبل ودخل قسم منها الى البيت ولم يكن فيه الا امي وانا كنت طفلة حديثة الولادة وفتشوا البيت بحثا عن اوراق وكتيبات ومنشورات ولكنهم لم يجدوا شيئا لابي قد اخفاها في فناء المنزل ، وقد وقفت امي مذهولة مرعوبة اسنانها تصطك ببعضها وقد اصابتها رعدة شديدة
وبعد ايام جاء عماي واطلعتهم امي على مكان الامنشورات فقاموا بحرقها جميعا ثم اخذونا لنقيم مع العائلة في اريحا
[2] هذا غيظ من فيض مما كان يتعرض له شباب الحزب من معاداة ورفض سواء من قبل الاهل خوفا على اولادهم من السجن والتعذيب والملاحقة الامنية او من قبل المجتمع بل ان كثيرا من الشباب كانوا يضربون في الشوارع من قبل الحركات الشيوعية والناصرية وحتى الاسلامية
[3] على اثر ذلك الاعتقال داهمت الشرطة بيتنا في الخليل وفتشوا البيت وتكرر المشهد الذي حصل في السلط مع امي حيث الذهول والخوف الشديد واصطكاك الاسنان والرجفان في الاطراف .
لكنها فوجئت في اليوم بمجيء الجيران عندها وسؤالهم عما حدث فلما علموا ان زوجها اعتقل والشرطة جاءت لتبحث عن كتب ومنشورات في البيت اعتذروا لها عن ظنونهم السيئة التي لم تكن على علم بها قالوا لها: عندما سكنتم البيت كانت الشرطة تحوم حول البيت كل يوم وكنا نلاحظ ذلك ونظن انها تأتي من اجلك سامحينا على شكنا بك وكنا نظن انك عير متزوجة وانك تسكنين مع اخاك لانه يشبهك كثيرا ، من اجل كنا نتجنب زيارتك .
طبعا تألمت امي الصورة السيئة التي كانت في اذهانهم ولكت لحسن حظها انهما لم تعلم بها الا بعد ان تبين لجيرانها حسن سيرتها وطهارتها وعفتها واعتذارهم لها عما كان يجول في خاطرهم.

ابو شجاع
09-13-2007, 02:25 PM
المثول امام المحكمة العسكرية في القدس

كنت مداوما في مدرسة بلي لوكالة الغوث. واذا بمدير التعليم عيسى عطا الله يبعث الي يخبرني بالمثول امام محكمة امن الدولة غدا. وبعد الدوام جاءني شرطي الى البيت وطلب مني ان اصحبه الى المغفر. وهناك اخبرني رئيس المغفر بان علي محاكمة غدا امام محكمة امن الدولة وسألني عن قضيتي فذكرت له انني من حزب التحرير الذي يعمل لاقامة دولة الخلافة . وقلت له ان دولتك تحارب الاسلام. واخذت في الحديث فراق له ذلك. وقال ما دمت جارا لنا فلم تبخل علينا بالزيارة ؟ وطلب مني زيادة في الحديث وجمع جنود المغفر ليسمعوا وقال انشاء الله تعود بريئا وتزورنا . وفي اليوم التالي ذهبت محفوظا برفقتهم الى المحكمة. واودعت انا وصديقي عبد الرحيم المحتسب قفص الاتهام . وكانت قاعة المحكمة غاصة بالمستمعين من المدنيين والعسكريين وكانت المحكمة علنية. ولما بدأ المدعي العام فائق الغضبان يتلو المبرزات التي ضبطت بحوزتي والمار ذكرها اثناء التحقيق. التفت الى المستمعين وكأن على رؤوسهم الطير وقد بدا على وجوههم الوجوم. وصرت اتوقع ان احكم ثلاث سنوات فلما انتهى المدعي العام من تلاوة بياناته ، سالني رئيس المحكمة هل تريد مناقشة المدعي العام قلت نعم.

ولكني لم اناقشه في مضمون المبرزات الثلاث وما فيها من اتهامات الحكام . ولكني ناقشته في طلبه مني استنكار حزب التحرير فكان النقاش طبقا لما جرى بيننا اثناء التحقيق ، ولما أجبت على موضوع الاستنكار من الناحية الشرعية اثرت على عواطف المستعمين فوقف ضابط وقال: حرام والله ان يكون هذين متهمين ، ولما انتهيت من الاجابة على موضوع الاستنكار من الناحية القانونية – كنت الاحظ اثناء النقاش اعضاء المحكمة يلتفت بعضهم الى بعض مستغربين حسن الاجابة والتلاعب بعواطف المستمعين – فقال الشاويش الذي يقود سيارة اعضاء المحكمة وقال: لا بد من براءة المتهمين. وتهللت وجوه المستمعين بالبشر . فانتهى النقاش واختلى اعضاء المحكمة للتشاور في اصدار الحكم، واثناء ذلك تقدم المدعي العام نحوي وبشر عبد الرحيم بالبراءة واخبرني باني سأحكم بثلاثة اشهر او بشهر واحد، فغمرتني الفرحة وتقدم ابراهيم ابو غزالة احد اعضاء اللجنة المحلية لمنطقة الخليل والتي كنت حينذاك رئيسها. وكان يريد ان يعرف ما يدور بيني وبين المدعي العام فاشرت اليه ان يرجع الى مكانه .

عاد القضاة الى منصة المحكمة واعلن رئيسها براءة عبد الرحيم وادانتي بالسجن شهرا او استبداله بغرامة مادية قدرها خمسة عشر دينارا اردنيا فصفق المستمعون هاتفين بيحيا العدل. الحقيقة لولا وعد المدعي العام لي اثناء التحقيق لكانت عقوبتي ثلاث سنوات حسب العادة . وخرج القضاة وتقدم المدعي العام وقال لي: والله ان كل ما قلته صحيح( يعني اتهامي بان حكام الاردن جواسيس للاسرائيل) والله اني احب ان يكون كل الشباب مثلكم ولكن العين بصيرة واليد قصيرة وقال لي هات الخمسة عشر دينارا . واعطاها بدوره لعسكري ليدفعها ويوافيني بوصل حتى لا يعترضني احد. ثم قال للجنود الذين احضروني ان يتركوني وشأني. ولما عدت مررت بالمغفر واخبرتهم ببراءتي وتكررت زياراتي لهم وفي كل مرة واحدثهم عن ضرورة العمل للتغيير.

محاولة مراقب التعليم عيسى عطاالله
ومدير منطقة الخليل لوكالة الغوث اسماعيل طهبوب انهاء عملي من التعليم

بعد ما انتهيت من المحكمة في القدس جاءني مراقب التعليم عيسى عطا الله يسألني عن تغيبي عن الدوام . وكان هو الذي بلغني بجلسة المحكمة فلما اجبته قال: ماذا حكمت عليك المحكمة قلت له سل المحكمة ولا شأن لك بذلك واذا لم يعجبك الجواب فاخصم اليوم الذي غبته . وبعد فترة عاد من اجل الزيادة السنوية بالنسبة لي. ولم يقبل بتزكية المدير لي مع انه صاحبه ويثق به. فاضطر الى دخول الصف وفحص الطلاب في اللغة الانجليزية مع ان اختصاصه في اللغة العربية. فلم يخطئ احد من الطلاب ولو بخطأ واحد فاضطر قبول تزكية المدير لي. ولكنه اتفق مع مدير المنطقة بطلب من وكالة الغوث اللاجئين بانهاء عملي من التعليم. وعند نهاية العام جاءني الرد من مدير الوكالة العام بكتاب فيه لفت نظر لي يقول ان وقت عطلة المدارس ليست من حقك لتمارس فيها النشاط السياسي اذ يتعارض ذلك مع التعليم. وبعد قراءتي للكتاب اعطيته مدير المدرسة وقلت له: اعطه عيسى عطالله لينقعه ويشرب ماءه.

احراج عيسى عطا الله واضطراره ان يوجه لي كتاب شكر

كنت مربيا للصف الثالث الاعدادي في مدرسة بلي[1] وكنت اعلمه اللغتين العربية والانجليزية والتربية الدينية فأجرت وكالة الغوث في ذلك العام فحص تجريبي لشهادة الدراسة الاعدادية فكان لحسن الحظ ان ثلاثة من طلاب الصف الذي كنت اشرف على تربيته من العشرة الاوائل، الاول والثالث والسابع ، فلما اجتمع مدراء المدارس صاروا يتساءلون اين هذه المدرسة التي لا ذكر لها ولا شأن ويأخذ طلابها المرتبة الاولى والثالثة والسابعة فقال المدير: هي المدرسة التي يدرس فيها المنفيون والمغضوب عليهم من الدولة. فلم يسع عطا الله الا ان يكتب لي كتاب شكر على هذه النتيجة، فكان نجاح الطلاب صفعة له ولاسماعيل طهبوب.

محاولة جمال العواودة ادخالي منظمة فتح

جاء الي ذات ليلة واخذ يرغبني في الانتماء الى منظمة فتح. وبعد جدال طويل وهو يعرض علي دخولها كجناح سياسي واكون مسؤولا عن التعليم . وان شئت ادخل كجناح عسكري فأبيت ولما اشتد الجدل قلت له ان منظمة فتح تابعة لعملاء الانجليز فسب الدين وقال حكمت عليها قبل ظهورها وقبل ان يعرفها الناس فقلت له خذ مني خبرا احسن لك. قال ما هو؟ قلت بعثت وزارة الخارجية اللبنانية تطلب من الاردن تسليم مدير الامن العام راضي العبد الله حيث انه ثبت للحكومة اللبنانية انه عضو في شبكة التجسس لشولاكوهين الاسرائيلية. وصدف بعد ذلك ان جاءه ضابط المخابرات في الخليل فطلب منه ان يتعاون معه لمعرفة الجواسيس الذين يتجسسون في منطقة الخليل لصالح اسرائيل. فقال له جمال نعم أأدلك على رئيسهم ؟ قال نعم قال رئيسهم رئيسك مدير الامن العام راضي العبد الله فقال الضابط دعنا من المزاح فقال جمال: انا لا امزح وان شئت فاذهب واسأل عن البرقية التي جاءت من وزارة خارجية لبنان.

مدى تعلق الطلاب بي اينما درست

كانت علاقتي مع الطلاب دائما علاقة فكرية الى جانب العلاقة التعليمية ، بعد انتقالي من منطقة الخليل الى منطقة عمان التقيت بمعلم من معلمي مدرسة بلي فقال لي لم اسمع باحد يتعلق به طلابه به مثلك. فقلت له ما الخبر قال: جاء بعدك معلم معه ليسانس عربي ودخل على الطلاب الذين كنت تدرسهم، وكان الدرس قصيدة لايلياء ابو ماضي مطلعها:

بئس القضاء الذي في الارض اوجدني

فلما طلب المعلم منهم قراءتها بدؤوها بفعل نعم بدل بئس، فطلب منهم ان يعيدوا تصحيحها بئس فأبى الطلاب وقالوا: قال معلمنا الاول اما ان تضعوا نعم بدل بئس او تتركوا الدرس بكامله لأن بئس فعل ذم ، والقضاء هنا بمعنى الله وقراءتها بفعل بئس كفر. وحصل جدال طويل مما استدعى حضور المدير ولم يستطيعا ان يغيرا فكر الطلاب او يجبراهم على قراءة بئس، فلما لشتد غضب المعلم قال له مدير المدرسة لا تتعب نفسك فثقتهم بالمعلم السابق لا حدود لها ، لا انا ولا انت ولا مدير التعليم يمكنه ان يلزمهم بقراءتها.

الانتقال من منطقة الخليل الى منطقة عمان

بدأت افكر في بناء بيت للسكنى فاخترت ان يكون في عمان قريبا من والدي واخوتي وبالفعل اشتريت بيتا متواضعا مكونا من ثلاث غرف احداها غير مسقوفة .

___________________________________ _____
[1] مدرسة بيلي تقع قرب قرية كرمة من قرى دورا قضاء الخليل .
قال لي استاذ اللغة الانجليزية في الجامعة الاردنية ان ابي كان يدرسهم بعد انتهاء الدوام المدرسي خارج المدرسة تحت اشجار التفاح وقال عنه انه كان مخلصا جدا في التدريس

ابو شجاع
09-18-2007, 02:11 PM
دخول لجنة الولاية

الانتساب الى جامعة دمشق

وصلني ذات يوم رسالة من الاستاذ محمد هاشم الريان وهو احد شباب حزب التحرير الذي درسته في حلقة من حلقات الحزب في السلط عام 1958 ، اخبرني في رسالته انه التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق ويمكن لمن يريد الدراسة ان ينتسب لها انتسابا. فأرسلت اليه اخبره انني سأنتسب في العام القادم لنفس الكلية وبالفعل تم انتسابي عام 1962 لتلك الكلية وكنت اتأخر شهرا بعد انتهاء الامتحانات لأتفرغ للدعوة في دمشق، وبقيت مواصلا الدراسة حتى عام 1967 ما عدا عام 1964 الذي اعتقلت فيه في القدس فلم اتمكن من السفر لأداء الامتحان.
سافرت مرة لأداء الامتحان بواسطة القطار ولم يكن معي تصريح لكوني معلما، فاعترضني عسكري برتبة شاويش ولكني بقيت بالقطار حتى دخل الحدود السورية وقبل اداء الفحص بيوم جاءني عضو من حزب التحرير ومعه رسالتان وطلب مني ان اذهب بها الى بيروت فاخذتهما ووضعتهما في جيبي وهممت بالسفر فاعترض الشاب علي وقال ضعهما في السباط (اي في الحذاء) فلم اعره انتباها ومضيت فمررت بفرن خبز فاشتريت رغيفين ووضعت في كل رغيف رسالة ولففت كل رغيف في قرطاس بعد ان اضفت لهما جبنا وفلافلا ووضعتهما امامي في السيارة فوصلت بيروت متأخرا فلم اجد المحل المراد مفتوحا فبت في الفندق وطلبت ابريق شاي واخذت احد الرغيفين وتعشيت عليه بعد اخراجي الرسالة منه وفي الصباح كذلك مع الرغيف الثاني ، وعند العودة اعطيت رسالة لانقلها الى الشام وكانت كبيرة الحجم فاستأذنت بالتصرف فيها كما اريد فاعطيت الاذن، ففتحتها وفردتها والبستها رغيف خبز واسع(شراكة) على شكل قمع وملأت القمع بالفلافل والبندورة والجبن وغيره وعند الحدود واثناء التفتيش اخذت آكل منها فمررت بسلام.

التفتيش على الحدود الاردنية

كان المسافرون للاردن يخضعون للتفتيش ولمقابلة المخابرات على الحدود. وكنت في كل مرة احمل كتبا او رسائل ممنوعة واتمكن من تمريرها رغم المقابلة والتفتيش. وفي احدى المرات كنت راجعا بعد شهر الامتحانات بواسطة القطار ومعي شنطة فيها كتب ممنوعة وكنت واضعها مع ما معي من الالبسة كخليط او كأنها منسوجة مع الالبسة ليصعب تفتيشها. ولما دخل القطار الحدود الاردنية دخل علي شاويش وطلب مني جواز السفر فاعطيته اياه فنظر الي وقال لي: قبل سنوات مررت الى سورية بغير تصريح فقلت له ما رأيت مفتشا اذكى منك ، فقال اين كنت؟ قلت في الجامعة. قال : الجامعة لها شهر منهية من الامتحانات . وها انت كائن في لبنان . قلت في زيارة لاخ لي قال ولم جئت الان؟ قلت بعد حدوث محاولة الانقلاب منع التجول في دمشق فاحببت ان اغادر. قال اخرج ما معك من الكتب الممنوعة بعد ما فتشني من اصبع قدمي الى مفرق رأسي . قلت: كل ما في هذه الشنطة ممنوع وفتحتها له فتناول كتابا فاذا هو مصحف والثاني واذا هو تفسير قرآن والثالث واذا هو كتاب فقه . وقال ماذا تدرس ؟ قلت شريعة. قال ومن حزب التحرير . اخرج النشرات وكتب الحزب فقلت فتش وكان كلما اراد ان يتناول كتابا ينظر الى قسمات وجهي فكنت اظهر ضحكة صفراوية وظل يفتش ويقيم كتابا بعد كتاب وينظر الي حتى لم يبق الا كتاب واحد غير ممنوع وما تحته م نالكتب ممنوعة توقف عن التفتيش ثم انصرف. واعدت الكتب الى الشنطة واذا بمفتش آخر فخشيت هذه المرة ان يكتشفوا الكتب الممنوعة فنظرت الى المفتش الجديد وسلمت عليه بحرارة وسألته كيف حالك واين ايامك؟ فظن اني اعرفه فقال لي هل درست في كلية الحسين في مدينة الخليل؟ فأدركت انه شبه علي . فقلت لا قال هل درست في مدرسة بركة السلطان؟ قلت نعم واني نسيت اسمك. فسمى اسمه وبلده وانه من قرية دير الذبان، وقال اين جواز سفرك؟ قلت اخذه الشاويش. واظهرت تضجري من ذلك الشاويش. وقلت له انظر الى كتب هذه الشنطة كيف بعثرها ونثرها وهو يفتش كأنها مليئة بالمتفجرات . ويبدو ان اكتفى بتفتيش من سبقه فسلم علي وانصرف. ثم جاء شاويش ثالث من قبل الجمارك فلم يجد شيئا يخصه.

ومررت الحدود مرة بالقطار وكان معي كتاب ممنوع فلما جاء المفتش فتحت الكتاب واخذت اقرأ فيه والمفتش يفتش في اوعيتي دون ان يهتم لما بين يدي.

اما لماذا كان هذا التشديد في التفتيش فذلك كان بعد محاولة الانقلاب على حافظ امين في سوريا . وقبل محاولة الانقلاب بيوم واحد رأيت عبد الرحمن المالكي في الجامع الاموي جالسا مع عسكري فتجنبت الجلوس معه ظنا مني ان بينهما سر يتحدثان فيه . وفي صباح اليوم التالي (يوم المحاولة) اعطاني رسالة وطلب مني ان اذهب بها الى بيروت. فحملتها وحاولت السفر فلم اجد سيارة وعند الساعة العاشرة صباحا زحفت الدبابات الى رئاسة الاركان لمنع الانقلاب وكنت في شارع خالد بن الوليد فلجأت الى احد الفنادق ولم اتمكن من العودة الى بيت عبد الرحمن الا عند المساء وسألني هل ذهبت؟ قلت لا قال اين الكتاب قلت ها هو قال اتدري ما فيه قلت لا قال فيه توقيت محاولة الانقلاب ولو مسكوه معك لقتلوك فالحمد لله على السلامة وفي اليوم التالي سافرت الى الاردن وجرى معي التفتيش سالف الذكر في القطار.

عام 1967 م عام المؤامرة على جمال عبد الناصر

عام الهزيمة المصطنعة امام اسرائيل ذهبت ذلك العام وقبيل المعركة باسبوع تقريبا لأداء الامتحانات وعند الحدود الاردنية منع المعلمون من الخروج من الاردن الا بتصريح من وزارة التعليم ولم يكن لدي تصريح ، وبعد الاتصال بمدير التعليم بوكالة الغوث سمح لي بالمرور وكان حزب التحرير قبل ذلك بعام قد وزع بيانا قال فيه بان الملك حسين يريد تسليم الصفة الغربية وفي صبيحة اليوم السادس من حزيران بدأ الهجوم الاسرائيلي على مصر وشاعت الاخبار وجاء زملائي في الجامعة وهم ينادونني دع الدراسة فالحرب ابتدأت بضرب المطارات المصرية فقلت هذا متوقع قالوا كيف ؟ قلت راحة الضفة الغربية وقلت لحسن الاقطش ارجع بسرعة لتخرج اهلك من بيت لحم الى عمان اذا كنت تريد ان تلحق بأهلك في قرية مليح. فقال هذه دعاية هدامة فالعرب هم المنتصرون. فقلت لهم افتحوا على الاذاعة الاسرائيلية لنسمع ما يقوله اليهود فأبوا علي وقالوا هذه اذاعة عدو فقلت لهم ان العرب من عادتهم ان يصورا الهزيمة انتصارا لتضليل شعوبهم ، ففي عام 1956 م كانت الاذاعات العربية تهلل وتكبر والجيش الاسرائيلي يطلب من اهل غزة تسليم اسلحتهم، وعند المساء غافلتهم وفتحت على الاذعاة الاسرائيلية واذا هي تطلب من اهل غزة تسليم اسلحتهم فبكيت وايقنت ان الصفة الغربية ستنتهي تلك الليلة وخرجت من قرية جويبر وتوجهت الى دمشق وذهبت الى بيت عبد الرحمن المالكي (مسؤول حزب التحرير في الشام) وكان ملاحقا من المخابرات السورية ، فقرعت بابه ففتح لي وقال ستحتل الضفة الغربية هذه اليلة ثم عدت وكررت القول لحسن الاقطش فلم يقتنع وفي صبيحة اليوم التالي نزلنا الى دمشق واذا بطلاب الجامعات من حلب وبيروت ودمشق يتزاحمون على الباصات ، فلما رآهم حسن استأذنني بالذهاب وطلب مني ان احضر معي شنطته ولكنه لم يستطع ان يصل الى اهله لأن اليهود كانوا على الجسر الفاصل بين الاردن والضفة الغربية . وفي اليوم التالي رجعت الى عمان فاذا الشوارع مزدحمة بالناس يبحث الواحد عن اهله او عن اولاده او يبحث الولد عن امه وأبيه. يمشي الواحد مذهولا ولا يكاد يصدق ما يراه بعينيه فقد كانت الهزيمة نكراء في ظاهرها خبيثة في باطنها حاكها عملاء الانجليز مع اسرائيل ضد جمال عبد الناصر . فاحتل اليهود غزة وسيناء حتى قناة السويس واستلموا الجولان والضفة الغربية استلاما وسمتها اسرائيل حرب الستة ايام وسمى العرب خيانتهم بالنكسة.

استقالتي من سلك التعليم.

وزع حزب التحرير – بعد الهزيمة- نشرة يتهم فيها الاردن بتسليم الضفة الغربية باتفاق مع اسرائيل وكان ضباط الجيش العراقي منتشرين في شوارع عمان فوصلتهم المنشورات وشهدوا هم والضباط الاردنيون بالخيانة العظمى واعترفوا بان الجيش لم يقاتل بل انسحب بغير قتال وكنت يومها مشتركا في التوزيع. وفي المساء جاء ضباط من الامن والمخابرات الى بيتي وامسكوني واخذوا يفتشون البيت وعندما أراد احد الضباط ان يفتش البنطال هربت، فاندفعوا خلفي يطلبونني فلم يفلحوا وفي اليوم التالي ذهبت الى المدرسة فجاءوا ليلقوا القبض علي، ولكني استطعت ان افلت منهم بمساعدة احد المعلمين وبايعاز من المدير، وكنت اعلم انهم لن يتركوني فقررت الاستقالة فقدمت الطلب ، وتمت الموافقة على الاستقالة واخذت توفيرير 680 دينارا اردنيا وحاولت فيما بعد ان استرجع بطاقة التموين من وكالة الغوث فلم افلح وبقيت مدة بلا عمل ولا بطاقة تموين ولكني لم اكترث.

في احراج جبل الزهور( احد ضواحي عمان)

هناك في الجنوب الغربي من عمان وعلى طريق عمان- القدس حرش صغير من اشجار السرو تسللت اليه لاطالع بعض المواد التعليمية المقررة في الجامعة السورية التي كنت على وشك السفر اليها لأقدم الفحص في تلك المواد، وبعد الظهر تغديت ونمت فلما فقت من نومي واستويت جالسا واذا احد اعضاء المخابرات يراني ولا يبعد عني اكثر من اربعين مترا ولم يكن متسع من الحرش خلفي الا سياج الحرش من الشيك الشائك فالتفت عضو المخابرات تجاه اصحابه وصفر فجعلت الشجرة بيني وبينه وانطلقت في الاتجاه الذي يجعل الشجرة بيني وبينه حتى يصل مكاني تحت الشجرة فلم يجدني. وقد تواريت عنه وانحرفت نحو مكان اصحابه، فرأيت سيارتهم ولا احد فيها فمررت بجانبها ونزلت الى الطريق عمان- القدس ولجأت الى محجر مقابل الحرش وفيه عمال كثيرون فدخلن بينهم ثم صعدت المحجر واذا بقطيع من الابل فسقتها امامي متظاهرا بأني راعي الابل فابتعدت عنهم وتركتهم يبحثون وسط الحرش.

الى وادي عبدون( احد ضواحي عمان)

توجهت الى وادي عبدون ولم يكن مسكونا آنذاك فجلست في ظل صخرة وفتحت كتبي وواصلت الدراسة وبقيت بذلك الوادي حتى المغرب ثم رجعت الى جبل النظيف حيث بيتي هناك وبينما انا امشي في طريق ضيق صاعدا الجبل واذا بشخص منحدر بنفس الطريق وعندما رآني ومقف متسمرا واجما فغلب على ظني انه يراقبني. وبمجرد ان تجاوزته انطلق مسرعا في انحداره فلما اقتربت من بيتي رأيته يراقبني فغيرت الطريق ودخلت بيتا لابن عم لي ونمت عنده وعند الصباح ارسلت ابنته لتحضر لي بعض ما يلزمني لسفري الى سوريا لتقديم الفحص فعادت ومعها اخي. فقلت له احضر لي سيارة ، فلما حضرت السيارة ركبت وركب اخي معي وقلت للسائق اسرع بنا قبل ان تداهمنا المخابرات، فضغط على السيارة فاسرعت فبنشرت فنزلت منها وقلت لهما لنلتقي بواد ناعور عند دخلة كذا ونزلت الى الوادي وفي طريقي عرجت على بيت المختار فلما رآني ذهل وفوجئ بدخولي فقلت هون عليك وكنت اتوقع ان المخابرات تطلب منه مراقبتي والاخبار عني لانه مختار منطقة سكناي ولكني كنت واثقا بانه لن يخبر عني، ولكني كنت لا اعرف احدا اختفي عنده فترة انتظاري مجيء السيارة . فلما اردت الخروج امسك بي وقال: الا ترى الشرطة وقد وقفت سياراتهم متباعدة بعضها عن بعض للمراقبة ؟ قلت له انس انك رأيتني . ثم خرجت واذا بسيارة تنتظرني فركبت وقلت للسائق هذه السيارات تراقبني اياك ان تقف اذا طلبوا منك الوقوف. فاقسم بانه لا يقف ولو اخذ الشرطي في وجهه. وتوجهنا الى جبل عمان فجبل الويبدة مرورا بجانب دائرة المخابرات العامة فالى دوار الداخلية ثم مواصلة السير على الطريق العام الى صويلح وهناك موقف للتفتيش فنزلت من السيارة ومشيت على الاقدام ثم ركبت بعد مجاوزرة السيارة نقطة التفتيش وعند جرش نزلت من السيارة حتى تجاوزت نقطة التفتيش وعند مفرق النعيمة اربد لم نشعر الا ونحن امام نقطة تفتيش على الهويات ولكن لحسن حظي لم يسألوني عن هويتي. وواصلنا السير حتى دخلنا اربد. ووصلنا مخيمها وهناك نزلت وودعت اخي والسائق فعادوا الى عمان.

ضيافتي عند محمد خليل الكواملة (ابو كامل رحمه الله)

لم اخط سوى خطوات قليلة فاذا بجارنا ايام سكنانا في مخيم عين السلطان /اريحا فسلم علي بحرارة واقسم علي لأن اتناول الغداء عنده فاستجبت له وكان له ولد من حزب التحرير والرجل متفتح ولديه بعض الوعي فجلست واياه طول مدة تحضير الغداء، وعند الغداء حضر اولاده وكلهم يعرفونني وبيني وبينهم مودة ورابطة فكرية قوية فسألوني عن حالي فأخبرتهم بما جرى واشعرتهم باني متوجه الى الشام.

وبعد الغداء توجهت الى صديق آخر فأعطاني رسالة لصديق له تاجر في بلدة الرمثا يوصيه علي ليسيرني مع بعض المهربين لاجتياز الحدود الاردنية . ولم اكن اعرف حينذاك اي طريق اسلك. فاخذت الرسالة وركبت الباص الى قرية حوارة ونزلت وسرت على الاقدام لاتجنب نقطة التفتيش على مرعة الرمثا-عمان-المفرق ووصلت الرمثا بعد آذان العشاء وسألت عن المحل التجاري فاهتديت اليه واعطيت الرسالة لصاحبه. فاعتذر الرجل وانكر العلاقة مع المهربين، وقال ان الوضع على الحدود خطير ودوريات المراقبة شديدة وكثيرة ونصحني ان اسلك الطريق العام فقلت له الطريق العام واضح لكل من اراد السير عليه. وانا لا اعرفك ولولا صديقك اعطاني الرسالة لما مررت عليك وأود ان اقول لك ما يلي:

اني من قرية مر عليها زمن قلما نجد فيها من الناس من لا يمارس مهنة السرقة فكان اذا وصف لاحدهم شيئا ثمينا في بلد بعيد في شارع كذا وفي بيت كذا والغرض موضوع في المكان الفلاني في البيت فيذهب الى تلك البلدة ويبحث عن البيت ويتخطى جميع الحواجز من اسوار وابواب وكلاب حراسة ويصل الى غرضه. او تستكثر علي ان امر عبر الحدود الاردنية الى سوريا فلا حاجة لي الى مساعدتك ثم تركته وسرت واخترت ان اتجه الى الجهة الشرقية من الرمثا. فلم ابعد اكثر من كيلومتر والا نقطة مراقبة فلما اقتربت منها واذا باثنين ينطلق احدهما الى اليمين والاخر الى اليسار وانطلقت بدوري الى الوراء وعدت الى داخل القرية- الرمثا- وبعد فترة قصيرة سلكت جهة الجنوب من الرمثا وبعد ما قطعت 3 كيلو متر تقريبا انحرفت جهة الشرق وكنت امشي في الارض المحروثة بواسطة التكرتور لظني ان دوريات الخيل تتجنب السير في تلك الارض. وصلت سلسلة من التلال وهناك افترشت الارض ونمت، فلم اصح الا والمحاق( القمر ) يطلع من الشرق فصعدت تلا عاليا اريد ان انظر الى اضواء درعا لاعرف اتجاهها فشاهدت انوارها فسمعت صوت حركات قوية خلفي فاختفيت في عقير من القش والشوك، واذ بثلاثة خيالة يلاحقونني فبقيت مختفيا حتى مروا عني ولم يروني وظلوا في اتجاه الجنوب حيث كنت متوجها غير اني بعد ما رأيت انوار درعا توجهت جهتها نحو الشمال الشرقي، وبعد قليل احسست بدورية اخرى تلاحق مهربين ويطرد بعضهم بعضا فتبعتهم مسرعا مطمئنا انهم لن يرجعوا الى الخلف، وبعد نصف ساعة تقريبا ظهرت سياراتان، ووقفتا على رأس تلة وأضاءتا المنطقة بكشافين قويين فالقيت بنفسي على الارض لئلا يروني . فلما طال بقاؤهما قمت فيممت واديا عميقا لا تدخله خيل ولا سيارات فسرت الى جانبه الايسر حتى دخلت كرم عنب ومن كرم العنب دخلت مقبرة درعا الجنوبية وحينها أمنت ثم توجهت الى درعا الحديثة واذا بمناد ينادي الشام الشام فركبت في الباص الى دمشق وصلت الساعة الثامنة صباحا ومن دمشق توجهت الى قرية جويبر بواسطة الباص وعمدت الى بيت اصدقائي واذا هم على وشك الذهاب الى الجامعة لأداء الفحص فقلت لهم هيئوا لي مناما مريحا فقد مضى علي 13 ساعة ماشيا ، ونمت حتى عادوا من الجامعة قريبا من الساعة الثالثة مساء، واخذوا يسألوني عن سفرتي فقصصت عليهم رحلتي فقالوا أتقدم الامتحان وانت بهذا الوضع؟ فقلت لهم ان هذا لا يثنيني عن مواصلة المسيرة في الجامعة.

بعد انتهاء الامتحانات ذهبت الى بيروت عدة مرات في مهمات حزبية ثم رجعت بعد شهرين الى الاردن تهريبا حيث عدت بنفس الطريق التي جئت منها، ولكن اثناء النهار بالارض السورية وفي الليل في الارض الاردنية وبقيت في الاردن مدة ثلاثة اشهر ثم جاء موعد فحوص التكلمة.

من هناك
09-18-2007, 07:01 PM
اعجبتني طريقة تمرير الرسائل في السندويتش والهزيمة المصطنعة

ابو شجاع
09-23-2007, 02:23 PM
بلال حرر
***********
اعجبتني طريقة تمرير الرسائل في السندويتش والهزيمة المصطنعة
***********


رحم الله ابا العز

ابو شجاع
09-24-2007, 02:36 PM
السفر الى الشام ايام الشتاء ..يوسف السباتين

لم اكن احمل كتابا ايام السفر تهريبا ولكني كنت اعتمد على ملخصات تحملها في جيب الجاكيت التي كنت ارتديها ، بالرغم من ضخامة المناهج في جامعة دمشق ولم يكن يهمني الشهادة بقدر ما يهمني فهم المادة وكذلك لا يهمني الا مجرد النجاح وبعض المواد ما كنت احفظها الا من حفظي لنقيضها. وكانت طريقي عبر الاراضي الزراعية شاقة ومزعجة فكنت احتذي جزمة لتساعدني في اجتياز الوحل. انطلقت من عمان الى اربد ثم الى قرية حوارة، وكانت الطائرات الاسرائيلية تحلق في سماء اربد ، فركبت الباص الى الرمثا وكان الوقت مساء. واذا بالدفاع المدني مستنفر داخل البلد ويطلب من الناس ان ينزلوا الى بيوتهم واذا بموظفي الجمارك والجوازات يخرجون من الدوائر ويتجهون نحو بيوتهم فسرت خلف بعض الموظفين الذين بيوتهم بعد دائرة الجوازات من الجهة السورية واعتبرت نفسي واحدا منهم وليكن بيتي آخر البيوت وبالفعل سرت حتى وصلت آخر بيت وحوله سور عال فلجأت الى السور لاحتمي من المطر فاخذ المطر يزداد واخذ الجو يزداد ظلمة فغادرت المكان وانطلقت نحو الطريق العام المسفلت اي المعبد ومشيت بسلام حتى وصلت نقطة للمراقبة على الحدود فلم اجد بها احدا فواصلت السير وكلما لحقتني سيارة الوح لها لعلها تحملني الى مركز الجوازات السوري فلم تقف لي سيارة برغم هطول المطر الغزير وذلك بسبب وضعي المريب ( رجل يحتذي جزمة ويمشي ليلا في شتاء قوي) ولم اكن اعلم اني مطلوب للمخابرات السورية وكان همي ان امر على الجوازات واختم جوازي ولكن عندما صرت على بعد مائة متر من مركز الشرطة لاحظت لمعة ضوء سيجارة فعرفت ان ذلك مركز الأمن فقلت في نفسي اذا مررت عليهم سيشتبهون في فتحولت عن الطريق ونزلت بارض زراعية ، وصرت اغوص في الوحل حتى ركبي ومرة وحلت رجلاي معا حتى الركبة فلم استطع ان اخرج الا بشق الانفس ولم اشعر الا وانا امشي بين خنادق الجيش فخشيت ان يمسكني الجيش ويوجه لي تهمة التجسس . فقلت في نفسي امش يا ولد وانت رافع الرأس ولا يصيبك الا ما كتبه الله لك او عليك. وصرت اخبط برجلي وكأني اريد ان اتخلص من الطين العالق بالجزمة وبالفعل مررت بثكنة يقف عند بابها ضابط وعلى مرأى منه اخذت اخبط وازيل الطين وكنت على حافة الطريق المعبد بعد مركز الجوازات وسرت على الطريق ولم التفت خلفي. لئلا يشك الضابط في، ولما صرت على حافة العبارة للوادي العميق واذا السيل يعلو العبارة كثيرا فتوقفت عن السير واذا بسيارة جيش فاشرت لها فوقفت وقال لي احد الجنود ماذا تريد؟ قلت احملوني معكم فحملوني حتى اجتازوا السيل وامروني بالنزول . فسرت قليلا ودخلت درعا التي تبعد عن الرمثا 15 كيلو متر. ثم ركبت باصا الى دمشق فكانت رحلة مزعجة حمدت الله على ما هيأ لي من الامن حتى وصلت.

المخابرات السورية تبحث عني في جامعة دمشق

وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت الى الجامعة مبكرا ولم اجد فيها الا فراشين اثنين فلما رأياني قال احدهما للاخر هذا هو فقال الاخر لا فقال الاول بل هو فقلت من تعنيان قال الاول الست يوسف السباتين ؟ فقلت بلا فقال المخابرات تسأل عنك قلت كيف قال جاءوا الى العميد الكلية وسألوا عنك . فقال هذا اردني والاردنيون انهوا متحاناتهم ورجعوا الى بلادهم فسألوا هل عليه اكمال قال نعم قالوا اذا يأتوننا به من الحدود عند عودته ، وبعد ذلك صرت الاحظهم على باب مدخل الجامعة فكنت اجتاز جانبا من السور وادخل للفحص ثم اعود من حيث دخلت وبعد انتهاء الفحص طلب مني ان اكتب موضوعا في احدى المواد المقررة –كراسة متواضعة- فاخترت ثلاثة مواضيع هي الخلافة والنهضة والحدود العربية الاسرائيلية فلم يقبلها احد من المدرسين بحجة انها سياسية فذهبت الى العميد باعتباره مدرسا للتاريخ فاعتذر لعدم تفرغه وارسلني الى الدكتور فيض الله فاختار لي موضوع شروط المزارعة كموضوع اصولي فكتبت له الموضوع من سبعين صفحة وسلمته له وغادرت عائدا الى الاردن.

اجتياز الحدود الاردنية السورية في جو قارس

ركبت في الباص من دمشق الى درعا وتوجهت الى درعا القديمة ومنها توجهت الى الجنوب وكنت احاذر ان يراني رجال الامن السوريون لكوني مطلوبا اليهم فلم اسلك الطريق القصيرة وبينما أنا سائر على حافة واد واذا بشخص يترقب ويقف بحالة مريبة فمررت من جانبه وانا متحسب ان يكون رجل امن ولكن بخطوات جريئة وكأني غير عابئ به، فاستوقفني وسألني هل قدمت من درعا ؟ قلت نعم قال هل رأيت الشرطة منتشرة في الشوارع؟ فقلت لا . فغلب على ظني انه مهرب فقال الى اين؟ قلت الى الاردن. قال سر مع الطريق فهو طريق آمن. وستواجه في طريقك قافلة ، فقل لهم سيروا فالطريق آمان، فسررت لتوجيهه اياي ، وطمأنته لي بان الطريق أمان، فسرت والتقيت بقافلته وطمأنتهم ، ولما وصلت الحدود وصارت الطريق مكشوفة امام المراقبة الاردنية، جلست انتظر مغيب الشمس ولكن الجو اكفهر وبدأت موجة عاتية من الرياح الباردة واخذت درجة الحرارة في الهبوط والمطر يتساقط وشعرت بالبرد وصار جانبي الايمن يتجمد شيئا فشيئا. واخذ بطني يمغصني فقمت وشجعني المطر على السير وظننت ان المراقبة لو شاهدتني فسوف لن تحرك ساكنا خوفا من الشتاء، ونزلت من تلك التلال الى السهول الزراعية الموحلة. فوصلت الرمثا وانا مبتل بالمطر، ووقفت على الطريق واشرت الى شاحنة وركبت فيها الى عمان وجئت البيت ليلا ففرح الاولاد بقدومي سالما ، وكنت لا اخبرهم بالمشقات التي اواجهها لئلا تنتقل الى ابي فيتألم.

بعض الملاحقات والمضايقات داخل عمان[1]

كثير من الحوادث الصغيرة بيني وبين رجال الامن من الامن الوقائي والمخابرات وكيفية التحايل عليهم والانفلات من بين ايديهم في المساجد والطرقات واحيانا وضع النشرات السياسية في اوعيتهم فلم يشعروا بوجودها الا في بيوتهم فلم اذكرها وكثير ما كنت اراقبهم من حيث يراقبوني واحيانا اشعرهم باني غافل عن مراقبتهم حتى اذا اطمأنوا انسللت من حيث لا يعلمون، فلم ينتبهوا الا وانا غائب عن اعينهم فيندفعون خلفي يريدون اللحاق بي فاكون قد سلكت طريقا غير التي يتوقعون، حتى صار لدي خبرة مع الزمن اعرف اسئلتهم قبل ان يوجهوها لي واعرف متى يراقبون ومتى يكفون عن المراقبة واعرف الامكنة التي يتواجدون فيها فاتجنبها.

السفرة الاخيرة الى سوريا من اجل الجامعة

انطلقت من عمان الى اربد الى الرمثا ثم انطلقت ليلا ولم يعترضني ما يعكر صفوي ودخلت سوريا. وهناك في دمشق ذهبت الى الجامعة وقابلت الدكتور فوزي ضيف الله واعطاني الرسالة وله عليها حوالي عشرين تعليقا فأعدت صياغتها ونقضت الاصل الذي بنى عليه الفقهاء جواز المزارعة وبينت ان الدليل الذي استندوا اليه لا يصلح دليل على المزارعة وانما هو دليل على المساقاة واوردت ادلة كثيرة على عدم جواز المزارعة، فاقرها الدكتور وكتب النتيجة جيد جدا. فغادرت الجامعة وبقيت اياما في دمشق ثم قررت العودة الى الاردن وركبت من الشام الى درعا في باص وعندما نزلت من درعا دعاني احد الركاب الى بيته وهناك سألني الى اين تريد اخبرته اني اريد الاردن ولكني مطلوب لمخابراتهم ولم اخبره اني مطلوب للمخابرات السورية ، فاحضر لي شابا نشيطا وسيره معي ليجنبني كمائن المراقبة الاردنية. وعندما كنا على مقربة من الرمثا قال لي الشاب اجلس مكانك ولا تحرك ساكنا اقبلت الينا دورية من الخيالة ، فاخذت اتصنت لم اسمع شيئا فقلت له لا اسمع حركة فقال ليس لك خبرة بهذا فنحن اخبر فالتزمت ما قال واذا بثلاثة خيالة قد عمدوا الينا ومر احدهم من بيننا والآخران واحد عن شمالنا والثاني عن يميننا فلم يرونا. واما الخيل فلا تلاحق الا من يهرب امامها نتيجة تدريبها. فانطلقنا بعد ذلك حتى دخلنا الرمثا بسلام وعاد هو الى درعا بواسطة الطريق العام. واما انا فركبت سيارة الى عمان وكان ذلك عام 1968م.

البحث عن عمل

تيسر لي العمل في مدرسة الجهاد الثانوية في جبل الويبدة حيث كان مديرها محمد محمود العزة ذو خلفية شيوعية. وكان يسألني دائما عن بعض آيات القرآن المتشابهات التي قال الله فيمن يتبعها( واما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) فظننته من اولئك وكنت افسرها له بحيث لا اترك شبهة في المعنى وفي آخر العام الدراسي أهداني كتابا من تأليفه بعنوان الله الكون الانسان اثبت بطريقته الخاصة زيف النظرية الماركسية.

مدرسة مجد

وبعد ايام ذهبت الى مدرسة المجد في جبل عمان وتعاقدت مع مديرها لتدريس اللغة العربية. وفي نهاية العام وضعت اسئلة لصف التوجيهي فاعترض الطلاب صعوبة الاسئلة فتدخل المدير فغير موضوع الانشاء الذي كان ( تحدث عن الاقتصاد في الاردن) فطلب الطلاب بدلا منه موضوعا سياسيا فكتبت لهم البيت الآتي ، في وصف مؤتمر القمة العربية
خافوا على العار ان يحمي فكان لهم على الرباط لدعم العار مؤتمر
فاحتج بعض الطلاب الضعفاء لا لصعوبة الموضوع بل لأني لم امكنهم من النقل من الكتب فقال المدير غير فكل اسئلتك صعبة . فقلت له راقب طلاب مدرستك وانا تارك التدريس فيها لانكم تجار ولستم مربين .

التدريس في مدرسة الاردن الثانوية

درست سنة واحدة في هذه المدرسة فكنت ادرس الصف التوجيهي اللغة العربية والتربية الاسلامية وادرس الثاني الثانوي التربية الاسلامية وموضوع الميكانيكا من العلوم.وادرس الاول الثانوي والثالث الاعدادي اللغة الانجليزية والتربية الاسلامية .
التدريس في ثانوية العاصمة
درست فيها سنة واحدة كنت ادرس فيها التربية الاسلامية ثم بعد نهاية العام وهو عام 1973م تركت التدريس نهائيا وتفرغت للعمل الحزبي

السماح لمنظمة فتح بالعمل داخل اللاردن

بعد هزيمة الدول العربية – او التظاهر بالهزيمة- من قبل الاردن وسوريا امام اسرائيل عام 1967م بدا على انظمة الحكم الضعف فقلت هيبتها وصار احتمال هدمها واردا فأراد الحكم في الاردن ان يشغل الناس في العمل الفدائي ، فاتاح للمنظمات للعمل داخل الاردن وفتح حدوده لهم لمهاجمة اسرائيل ليشغلهم عن نفسه ولكن بموافقة اسرائيل لأن اسرائيل تحرص على الحكم في الاردن حرصها على نفسها فانتشر الفدائيون داخل المدن الاردنية وفي المخيمات الفلسطينية والارياف الاردنية وصاروا ينادون من اراد الجهاد فعليه بالالتحاق بالمنظمات ومن يعمل ضد الانظمة الخائنة ليثيرها علينا فهو خائن ، وكانت اخبار المجموعات التي تنزل للقيام بالعمليات داخل اسرائيل تسبقهم الى اسرائيل من قبل المخابرات الاردن وجواسيس اسرائيل داخل المنظمات الفدائية فتكون اسرائيل لهم بالمرصاد فلم يكتف الحكام بتسليم البلاد لليهود بل لا بد من قتل كل من توفرت فيه الروح الجهادية.
وكنا يومئذ نقوم بالزيارات المكثفة لقواعد الفدائيين ولرؤسائهم ونبصرهم بالسياسة المخططة لهم وهي : اولا لخدمة الحكام من جهة وخدمة اسرائيل من جهة اخرى اما خدمة الحكام فبالمحافظة على كراسيهم واما خدمة اسرائيل فبالوصول الى ترويض الشعب الفلسطيني لقبول الصلح مع اسرائيل وكنا نلاقي العنت الشديد اثناء المواجهة مع الفدائيين ، وكنا نصدر النشرات التي تتهم رؤسائهم بالخيانة وكنا نضرب احيانا منهم وكانوا يتعاونون مع المخابرات الاردنية للقبض علينا وكانت الدولة تعمل لها تنظيمات داخل الفدائيين تستطيع بواسطتها معرفة ميول كل فرد في المنظمات الاخرى وتتجسس عليهم.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] كثيرة هي المداهمات في منتصف الليل التي كنا نتعرض لها في البيت وكثيرا ما كنا نصحو على وجوه المخابرات الصفراء المنكودة وهي توقظنا من النوم وامي تحمل معها ابريق ماء لتسقينا حتى تخفف من آثار الخوف قبل ان يداهمنا بعد ان ندرك ما يحدث.
نفرك اعيننا لنفتحها على اصوات المخابرات الهائجة واثاب البيت المقلوب والفوضى التي عمته.

نترك الفراش ونبحث عن ابي بصمت ونتساءل هل اتعقل ام هرب فاذا عرفنا انه هرب تنفسنا الصعداء وذهب عنا الخوف .
وكثيرا ما كان لامي الفضل في تهريبه وعرقلة عمل المخابرات حتى يهرب .
ففي احدى المرات في اواخر الستينات اقتحم المخابرات البيت والقوا القبض على والدي وعندما ارادوا الخروج به قالت لهم امي عملت لكم شايا الا تشربوه، فجلسوا لشرب الشاي واخذ ابي يدور عليهم بكاسات الشاي وفي النهاية ذهب مسرعا نحو امي الواقفة بالباب فاعاطاها الصينية وخرج هاربا من البيت .
بعد لحظات انتبه المخابرات ان ابي غير موجود فتركوا الشاي واندفعوا معا الى الباب حتى يلحقوا به ولكن احدا لم يستطع الخروج فتراجعوا قليلا ثم خرجوا واحدا وراء الاخر ولكن ذلك استغرق منهم بعض دقائق كانت كافية لابتعاد ابي عن البيت. رجعوا الى البيت واتهموها بتهريب زوجها واقتادوها مع اخي الرضيع وعمي الى المغفر في العبدلي . مكثوا ليلة ثم اطلقوا سراحهم في الصباح وبقينا نحن في المنزل مع بعض الاقارب الذين حاولوا طمأنتنا على امي التي سيفرج عنها قريبا ووالدي الذي نجا من الظالمين.
وكثيرة هي محاولات الاعتقال الفاشلة فعندما دانت المخابرات تدق الباب او ترن الجرس كان الدق شديدا والجرس يرن بعصبية فنعرف ان المخابرات بالباب فتشير لنا امي بالسكوت التام حتى يهرب ابي اذ يصعد السطح ثم يقفز على احد البيوت المحيطة وكان معظمها بيوت اقارب لنا متعاطفين مع ابي فيخرج من البيت الذي قفز اليه الى الشارع بعيدا عن البيت ثم يغيب يوما او بعض يوم ثم يعود .
فاذا تم الهرب فتحنا الباب للمخابرات صارخين في وجوههم ان ابي ليس في البيت انه في الشام، فينظرون الى بعضهم ويقولون : ملقنين. اي ان الوالد علمنا ان نقول لكل من يدق الباب انه ليس بالبيت انه بالشام ولا نفصح عن مكان وجوده ابدا.
لكن المخابرات ما كانت تلقي بالا لما نقول بل تدخل البيت وتعبث فيه فسادا وطالما كنا نستغل الفرصة ونقوم بتعزيل البيت والتخلص مما هو زائد عن الحاجة وترتيبه بعد كل محاولة اعتقال .
واما المخابرات فكانوا يودعون بالمسبات والشتائم من قبل اخوتي الصغار والدعاء عليهم بالانقام منهم من امي
ورغم ذلك فقد كانت الايام المعتادة تقف موقف معاديا من الحزب وانتماء ابي اليه ،لشدة ما كنت تعانيه من غياب ابي عن البيت وانشغاله باعمال الحزب وتحملها وحدها مسؤوليات البيت.
كانت تدافع عن الدولة كلما قام ابي بانتقاد سياستها، حتى كنا نسميها حزب معارضة وكان ابي يقول لها: لو تعلم الدولة كم تدافعين عنهم لاعطوك راتبا شهريا
كانت الدعاية ضد حزب التحرير شديدة والناس مضللون ليس من قبل الدولة فحسب ولكن من قبل الفدائيين والاخوان المسلمين والناصرين والشيوعيين اتفقوا جميعاعلى محاربته وتشويه سمعته.
كان الناس ينادون امي بزوجة الخائن وكانت ترد علين متسائلة هل دخل بيتك لسرقته؟ هل رأيت منه عينا شائنة؟ هل رأيا ابو العز يسلك سلوكا سيئا؟
اما نحن اولاده فكنا نشتبك مع اولاد الجبل بالايدي والحجارة عندما ينادوننا باولاد الخائن.
ةقد ثبت فيما بعد ان كل من كان يعادي الحزب هو الخائن وبقي هو على نظافته وطهارته من اي شائبة فلم يداهن يوما حاكما ولم يتفق مع اية دولة
كانت احداثنا وحتى احلامنا التي نراها باليل تدور حول المخابرات واقتحامها البيت ودفاعنا عن والدنا بسب المخابرات وشتمها وضربهم بالحجارة والكرابيج

ابو شجاع
10-09-2007, 08:36 PM
اعتقالي من قبل احدى منظمات الدولة

ذهبت ذات ليلة الى مخيم الوحدات لوداع صديق لي اذ فرغه الحزب لسوريا وبينما كنت راجعا لبيتي بجبل النظيف اعتقلت من قبل مسلحين سلموني للمخابرات العامة الاردنية – وكانت المخابرات تفتش علي منذ فترة بسبب قيامي انا وصبري العاروري وياسر غيث بزيارة محمد منكو المدعي العام للمحكمة العسكرية التي كانت تتولى محاكمة الشباب حزب التحرير بتهمة اشتراكهم في محاولة القيام بالانقلاب ضد نظام الحكم في الاردن، وبزيارة رئيس المحكمة آنذاك تيسير نعنانة وكان محمد منكو قد استدعى المخابرات لاعتقالنا في بيته فلما دخل الضابط المخابرات الغرفة التي نحن فيها لم يجد محمد منكو المدعي العام فعرضنا عليه الجلوس فأبى واذا بالمدعي العام محمد منكو قد دخل علينا ومعه القهوى فاخذنا كل فنجانه اما انا فشربته بسرعة ثم قلت لمحمد منكو نشكرك على استقبالنا في بيتك وان لم نتفق فنرجو ان نتفق في المرة الاخرى، وقلت لرفاقي قوموا فخرجنا قبل ان يتكلم مع ضابط المخابرات.
فوجدنا سياراتهم خارج البيت تنتظر ، فقلت لصاحبي اسرع بنا قبل ان يتخذوا قرارا باعتقالنا- فركبنا سيارة تكسي وذهبنا الى بيت تيسير نعناعة رئيس المحكمة العسكرية وقرعنا باب بيته وادخلنا بعد تردد ولما جلسنا اخذ يروح ويجيء دون ان يكلمنا ودون ان يعرف هويتنا فقلت له الا تجلس معنا نتحدث قليلا ثم تتصرف فجلس على مضض وتحدثنا في امر المعتقلين ومحاكمتهم فوجدناه غاضبا ساخطا فقمنا وانصرفنا وفي اليوم التالي زرت عم محمد منكو في مكتبه وتحدثت معه عن لقاءنا مع ابن اخيه وخوفته بالعواقب التي قد يتحملها هو لا ابن اخيه ويبدو انه نقلها لابن اخيه ونقلها الاخر بدوره الى المخابرات فكان سبب سخطهم علي وتشديد البحث عني حتى تم اعتقالي .

تعذيبي على يد المحقق ذيب بدر داخل المخابرات العامة

ادخلوني الزنزانة في الليل وعند الصباح اخذوني للمحقق ذيب بدر وسألني عن اعضاء الولاية في حزب التحرير وعن الشيخ تقي الدين النبهاني المطلوب بتهمة محاولة الانقلاب وكنت اعرف مكانه الذي يختفي فيه، كما سألني اسئلة مهمة كثيرة وخاصة المطبعة التي تطبع فيها النشرات فانكرت كل ذلك فأخذوني الى ساحة التعذيب وربطوا رجلي بخشبة ورفعاها وبدأ ذيب بدر يجلدني بكل قواه وبكل ما في نفسه من حقد لفلتاني من اعوانه يوم جاؤوني في الغابة وفلت منهم بحيلة، فقد طمس الحقد على قلبه واعمى بصيرته فصار يجلد بكل عنف ولم يقبل لاحد غيره ان يجلدني فكان يجلدني في الصباح مرتين وفي المساء مرتين واستمر هلى هذا النهج اسبوعا كاملا ينتظر مني الاعتراف او ان اترجاه تخفيف الضرب فلم يسمع مني طوال المدة الا كلمة واحدة ارددها اثناء تعذيبي وهي( يا الله) ارددها طوال فترة التعذيب ولم اقل غيرها.

يوم الامتحان

من عادة المخابرات انها تحاول – آخر المطاف- ان تفرغ حقدها في الشخص الذي تحقق معه اذا لم يدل بشيء من المعلومات التي تريد فتضربه وتعذبه بالوسائل التي لديها تعذيبا شديدا يفوق كل ما تقدم من تعذيب ولذلك جاء ذيب بدر ومعه رزمة من عصي الخيزران واخذ يجلدني بكل ما اوتي من قوة مصحوبة باحقاده وانا اردد يا الله يا الله فلا ازيد عليها ولا اقول غيرها حتى تكسرت كل العصي ولم يبق الا قطعة عصا فلما لم اقل الا يا الله توقف عن الضرب واظهر غضبا شديدا كان ان يتمزق من الغيظ ثم قال للجنود خذوه فالقوه في جورة الامتصاص فجردوني من ثيابي ولم يبقوا علي الا اللباس الداخلي السفلي وعصبوا عيني ببشكير واقتادوني حتى حافة الجورة فقلت لهم اعيدوني اليه فأعادوني فقلت ما الذي تريده ؟ قال كل شيء سألتك عنه فقلت له اراك تعبا ما رأيك تطلق علي رصاصة من مسدسك فتريح وتستريح، فقال مستنكرا: انا اطلق عليك الرصاص والله لتموتن تحت يدي موتا بطيئا. فقلت متحديا والله لو تقطعني اربا اربا ما حصلت على ما تريده مني. فقال للجنود – وقد يئس – خذوه الى الزنزانة ، فجلست وانا اشعر بقشعريرة ولكن لا يؤلمني شيء معين ، فكان اثناء الضرب يضرب على القدم بشكل طولي بحيث يكون وقع العصا من الكعب الى الاصابع وكنت اسمع ان قدمي المضروب ورجليه يتورمان ولكن الغريب ان قدمي لم يتورما ولم ينزل منهما الدم ولكن بعد فترة في السجن رحلت جلدة القدمين التي كانت تتلقى الضرب بعد موتها.

أخذ الافادة وكتابتها

جاء ذيب بدر صباح اليوم التالي واحضروني الى مكتبه وكل ظني ان سيواصل التعذيب ولكنه قال: نريد ان نكتب الافادة لتوقع في النهاية عليها فقلت نعم.

ضربة قاسية لجهاز المخابرات

سألني ذيب بدر قائلا: من هم لجنة الولاية في الاردن؟ وكنت اعلم انه يعرفهم فقلت انا وفلان وفلان حتى ذكرت السبعة، فنهض واقفا وصارخا ومستغربا وقال: تقولها –أي اسماء لجنة الولاية- اب بلاش-أي بدون مقابل. ولم لم تقلها من البداية وتوفر على نفسك ما لا قيته من التعذيب. فابتسمت وقلت له لم اقلها لامرين احدهما لأريك ان عصاتك لا تنتزع مني ما لا اريد ان اقوله. والاخر اني اكره ان اهين نفسي بنفسي حينما ادلك على اصحابي واتخلى عن شهامتي ومروءتي فقال ها انت قلتها فقلت نعم قلتها لانك تعرفها وسؤالك عنها كان فضوليا ولو انك لا تعرفها لما سمعتها مني ابدا.

التلاعب به

قال وما يدريك اني اعرفها؟ قلت وصلتك اسماؤها ليلة انتخابها قال كيف؟ قلت من قبل جواسيسك عندنا. قال وهل لنا عندكم احد؟ قلت نعم. قال ولم تتركونهم بينكم؟ قلت لا نعرفهم . قال كيف عرفتم؟ قلت اخبرنا الذين لنا عندكم. قال وهل لكم عندنا احد؟ قلت نعم . قال ومن هم؟ قلت لا ادري قال وكيف عرفت ذلك؟ قلت لما جاءنا كتاب من القيادة فأخبرنا بذلك. فقام وقد تغير وجهه وامر باعادتي الى الزنزانة وخرج.
عرفت بعد خروجي من السجن انه لم يترك احدا من اعضاء جهاز المخابرات الا نقله من دائرة عمان الى غيرها لكي لا يعرفوا ما يجري داخل دائرة المخابرات العامة.
وعاد بعد ظهر ذلك اليوم ليكمل اخذ الافادة واخذ يسألني عن المطبعة فأجيبه بالنفي حتى امضى عدة ايام وهو يسأل نفس السؤال واجيبه بالنفي.
فلما ضقت من اسئلته فكرت في خطة لاتخلص منه . فبت ليلتي افكر فلما جاء الصباح وجاء وكرر السؤال علي قلت له : الى متى اخفي هذه الجوهرة سادلك ادلك عليها . قال اين هي ؟ قلت لا اعرف وصف الطريق ولكن اذهب معك واسلمها لك. قال : في اي جبل من جبال عمان؟ قلت ليست في جبل. فاصر ان يعرف مكانها قبل ان يذهب. قلت هي في مخيم الوحدات- وكنت اريد ان اذهب به الى قاعدة من قواعد الفدائيين الخفية املا في ان يمسكوه واتخلص منه- فقال: اردت ان تقتل ستة جنود . قلت اولا تكون معهم. فقال اذا اردت قتلي قلت نعم. اردت ان اخلص منك. فقال لا نريدها. فصرت اذا ضايقني في السؤال عن شيء اقول في الوحدات فكف عن السؤال. واراد الاخر ان يستغفلني . فقال امسكنا بصاحبك صبري العاروري( احد اعضاء لجنة الولاية) فقلت واين مسكتموه ؟ فقال في طريقه الى الزرقاء- وكان صبري مكلفا في حينها بالاشراف على منطقة الزرقاء – وقد بدأت اسمع صوتا كصوته مما جعلني اصدق انهم مسكوه. ولكن بلادة المحقق من جهة وكذبه من جهة اخرى جعلني ادرك انهم لم يمسلكوا بصبري العاروري . فاشعرته اني مصدق له. فصرت كلما شدد على معرفة امر . انكر اني اعرفه واقول له اسأل صبري فان قال لك اني اعرفه فتعال اخبرك عنه فيسكت. فاتخذت مخيم الوحدات والاخ صبري العاروري سلاحين احتمي بهما واخدعه وهو لا يدري.

اكتشافي جاسوسهم في حزب التحرير

وفي احدى الجلسات التحقيق سألني فيما اذا كنت قد قلت بان الملك حسين خائن في مكان ما في جبل الحسين بعمان فتظاهرت كأني كنت مع شخص اشك في اخلاصه فقلت له: أفلان هذا يعمل معكم؟ فقال نعم. ثم مضى في التحقيق حتى وقت الغداء ثم انصرف وعاد بعد الظهر يسألني عن كلام قلته لشاب من شباب الحزب ولم اقله لغيره فقال: هل سبق وان قلت كذا وكذا- فذكرت في نفسي ان هذا الكلام لم اقله الا لفلان وهذا لم يعتقل فكيف عرف المحقق اني قلته لولا ان هذا الشاب هو الذي اخبره به، فهو اذا جاسوسهم عندنا، فقلت للمحقق لم اقل هذا القول وبعد ايام انتهى التحقيق ووقعت عليه ثم نقلوني الى سجن المحطة.

الى سجن المحطة

نقلت من دائرة المخابرات العامة الى سجن المحطة[2] وهناك التقيت بشباب حزب التحرير وكانوا يومئذ ستة وثمانين شابا ومن بينهم احد اعضاء قيادة الحزب وهو الشيخ احمد الداعور رحمه الله فرحبوا بي وهنأوني بالخروج من المخابرات وكان امير الشباب في السجن ابو احمد الشيشاني فاخفوني في الحمام. واعدوا قلما واوراقا لأكتب للحزب ما حدث معي وطلبت من الحزب ان يحقق مع الشاب حاتم فهو جاسوس في المخابرات. فلما ذهب عبد الرحيم الرمحي ليحقق معه هرب ولم يعد للحزب. فكان تحقيق ذيب بدر مضرا للمخابرات. ولما وصل تقريري الشيخ تقي الدين النبهاني قائد الحزب – وكنت اعرف مكانه في عمان وهو يعرف بيتي- افتاني بقتل ذيب بدر- ليس بصفتي حزبي ولكن بوصفي كشخص عادي لأن الحزب لا يستعمل الناحية المادية. ولكن بدلا ان افكر بالانتقام منه دعوت الله تعالى ان ينتقم لي منه. وبعد ايام مثلت امام المحكمة العسكرية بقيادة بل برئاسة القاضي تيسير نعناعة، ولما مثلت امامه سألني ما انتماؤك ثم امر الجندي بأخذي فخرجت واخذ الجندي ورقة من المحكمة حيث كان الحكم جاهزا قبل سماع افادتي. ودخل الجندي غرفة الطباعة وتركني ، وكان الجندي الاخر على باب العمارة ، فدخلت غرفة مجاورة فلم اجد فيها احدا وفيها شباك مفتوح يفضي الى حرش خلف دائرة المحكمة فحدثتني نفسي بالهرب وكان الامر ميسورا الا انني تذكرت ان السجن اكثر استراحة من المطاردة والملاحقة خارج السجن.
وكان الشباب يتوقعون هروبي . فصبرت حتى جاء الجندي وسرت معه فسألته عن الحكم فقال خمسة عشر عاما ولما وصلنا السجن استغرب الشباب عدم هروبي وسألوني الم تتمكن من الهرب فقلت كان بامكاني ولكني آثرت البقاء معكم.
فسألوني عن الحكم فقلت مثلكم، وكانوا محكومين بنفس الحكم ما عدا الضباط العسكريين فكانت احكامهم الاعدام.[3]

اذاعة بيان لحزب التحرير من الاذاعة الاردنية.

جاءنا خبر من خارج السجن يطلب منا الاستماع للاذاعة يوم الجمعة ففتحنا جهاز الراديو واذا بالاذاعة تقول بيان من حزب التحرير فظن بعضنا وكثير من الناس ورجال الامن المنتشرون في الاسواق ان انقلابا حدث ففر رجال الامن وخاصة المخابرات منهم. والواقع لم يكن انقلابا وانما هو ان احد الشباب واسمه عبد الحليم الرمحي اغتصب الجهاز المرتبط بالاذاعة من يد الشيخ عبد الله غوشة الذي كان يلقي درسا في مسجد الحسين الكبير ، وبدأ بالقاء بيان حزب التحرير وظل يقرأ البيان وقبل انتهاء البيان اغلقت الدولة الجهاز الا ان الشاب ظل مستمرا في قراءة البيان حتى النهاية. ثم لاذ بالفرار وكانت السيارة تنتظره فركبها وهرب. ولم تتمكن الدولة من القاء القبض عليه.

تصديق الحكم من رئيس الوزراء

دعيت صباح ذات يوم من قبل ادارة السجن للتوقيع على قرار الحكم فأخبروني اني محكوم شهرين فقط، وخيروني بين امضائها في السجن او دفع ثلاثون دينارا، فوقعت على الحكم وعدت الى الشباب وجمعت الثلاثين دينارا وخرجت. وفوجئ الشباب بخروجي وظني بي الظنون ولم اعلم ما السبب في تخفيف الحكم. وعند عودتي للبيت اخبرني جار لنا بقال ان ولدا لعاكف الفايز – رئيس مجلس النواب- جاء للبقال وسأله عن اسمي الكامل.
واخبرني ان اخي اتصل باحد الرجال المقربين لعاكف الفايز ليحضه على العمل لاخراجي من السجن وكان عاكف مدين لواحد من بلدنا تبرع لولد عاكف بكلية من كليتيه فكان عاكف يحتفظ بالمعروف لكل البلد . وبعث الحزب لي شاب اسمه احمد بياعة يسألني بعض الاسئلة فاخبرته فعاد يحمل الجواب للحزب. ثم جاءني احد الشباب ذو الاتصال المباشر بالشيخ تقي فوجدني مشغولا في تكملة صورة للصخرة ورآني على اهبة الخروج. فقال لي الى اين؟ قلت لمواصلة العمل، وهذه الصورة اريد ان اقدمها هدية لصاحبي. فعاد واخبرالحزب بما سمع فلم اشعر الا والشيخ تقي يدخل البيت ويسلم علي ويهنيني بالسلامة ثم انصرف ومن في صحبته. ثم واصلت عملي ونشاطي الحزبي. وكان الوضع في الاردن مضطربا اضطرابا شديدا ، والدعاية المغرضة التي تحرك الجيش كبيرة جدا، وكانت اعمال الفدائيين لا تقل سوءا ، ووصلت العنصرية الى حد لا يستطيع احد ان يوقفها. وكان المخطط الانجليزي الصهيوني العرفاتي الاردني على وشك التنفيذ وكان للمخطط هدفان: الاول يقتضي تسليم الحكم في الاردن للفدائيين واخراج الملك حسين خارج الاردن ثم التدخل الاسرائيلي بحجة ان الحكم الجديد حكم ارهابي لا بد من القضاء عليه واعادة الملك حسين وعقد صلح بينه وبين اسرائيل. الا ان امريكا ادركت المخطط ومنعت من تنفيذ الجزء الاول منه بمنع اسرائيل من التدخل فتداركت بريطانيا الامر واوقفت القتال . والثاني ايجاد الكراهية والعنصرية بين الفلسطينيين والاردنيين بحيث لا يعود الخطر منهما في تعاونهما على ازالة الحكم في الاردن. اذ ما زال في تلك الساعةالمتآمرون على الاطاحة بالحكم من الاردنيين والفلسطينيين في السجن وتريد اسرائيل ايضا ان لا يعود التعاون بين الطرفين لمحاربة اسرائيل ولينته دور فتح الحدود للمنظمات الفدائية التي تهاجم اسرائيل من الحدود الاردنية .
___________________________________ __
[2] اثناء النقل في الزنزانة المتحركة كان ابي يجلس الى جانب متهم آخر حكم عليه بسنة او اقل وكان يصرخ ويولول وابي صامت فضاق الشرطي ذرعا به وقال له: انت تصرخ وتولول من حكم سنة والذي يجلس معك محكوم 15 سنة وهو هادئ صامت.
فنظر الرجل الى والدي وصرخ اانت محكوم 15 سنة لم تصرخ ولم تتتكلم فقال له: انا متكل على الله واملي به كبيرا ان يعفو عني ، فتعجل الرجل مما سمع ورأى
[3] اتهم الحزب مرتين بمحاولة انقلاب في الاردن عام 1969 م وعام 1971م وكان لابي دور كبير فيها لكن لم يثبت عليه شيء لان الضابط الذي اتفق معه على الانقلاب كان شهما وتحمل وحده المسؤولية واعترف فقط على نفسه بنه دبر للانقلاب لوحده فقط ولم يتفق مع احد وقد حكم الضابط وغيره بالاعدام ثم عفي عنهم لعدم كفاية الادلة .
وهذه الحادثة من الحوادث التي ذكرها ابي في مذكرات اخرى تحدثت عن اهم عمل من اعماله في مجال طلب النصرة
اخبرني ابي رحمه الله قبل ان يموت انه بصدد كتلبتها ولكن لا يريد نشرها مع المذكرات الحالية خوفا على بعض الاشخاص الذين كان يتصل بهم وخاصة العسكريين ورؤساء العشائر وحتى لا يلفت نظر الدولة الى اسلوب العمل في مجال طلب النصرة، .ولكن توفي الوالد ولم يترك وراءه شيئا منها


*************
تعليق ابو شجاع
ورد في المذكرات اسم ضابط مخابرات اردني هو المجرم ذيب بدر والذي كان مسؤولا في الستينات عن ملف حزب التحرير وقد عذب الكثيرين من شباب الحزب واكثر من تولى تعذيبهم الشيخ المجاهد احمد الداعور رحمه الله بعد محاولة الحزب الانقلاب على النظام في نهاية الستينيات
يمساعدة اهل النصرة من من ضباط الجيش الأردني

وقد عاش ذيب بدر بعدها الى ان تقاعد ومرض مرضا عضالا اصابه بالشلل حتى كان لا يستطيع الا البكاء فقط كونه بيعملها تحته وهو يضع البامبرز كالأطفال

اللهم لا شماتة ولكن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا

ابو شجاع
11-22-2007, 03:30 PM
تفتيش بيتي...يوسف السباتين
تفتيش بيتي

داهم رجال الامن ذات ليلة بيتي وفتشوه ووجدوا مسدسا غير مرخص لابن عم لي فاعتقلوني ليلة في النظارة مخفر المصدار في عمان وكان بامكاني الهرب الا اني كنت اعرف انهم سيكتفون بمصادرته. فطلبوا صاحبه ووضعوه في النظارة بدلي فحاولت اخراجه بواسطة نايف الخريشة رحمه الله فقال مدير الامن لي تعاون مع هذا الضابط لاخراج قرابتك ظنا منه أنني أنا الذي في النظارة فقلت للضابط بعد ان خرجنا من غرفة مدير الامن ، ما التعاون الذي تريده ؟ قال: ضد حزب التحرير ، فقلت له انا العضو في حزب التحرير وليس رهين النظارة، فلا حاجة لي في هذا التعاون وليبق من في النظارة في النظارة حتى موعد المحاكمة. واخيرا حولنا الاثنان الى المحافظ وخرجنا بالكفالة وصودر المسدس.
تعاقدت عام 1971م في وزارة الاوقاف لأكون مرشدا للحجاج وكنت مسؤولا عن حمولة سيارة تحمل خمسين حاجا وكانت رحلة ممتعة حقا لكونها لله تعالى وذكرتني تلك الرحلة ما حصل بيني وبين امير الحديثة في السعودية قبل عشرين عاما يوم اقسمت اني لا اعود الى السعودية باحثا عن رزق الا ان اكون حاجا الى بيت الله الحرام.

التفرغ للعمل الحزبي

وكان شاب اسمه بدر الدين بدر دكتور اسنان يعمل لايجاد انقلاب وكان يشعر من يتصل بهم انه يعمل مع حزب التحرير زورا وكذبا. وكانت له علاقة حميمة بفخير الشراري ، وكان فخير يعمل بالمخابرات التابعة للقصور فوشى به فاعتقل واعتقلوا بعض شباب الحزب ظنا منهم ان لهم علاقة بالدكتور بدر، فداهموا بيتي عند منتصف الليل ففرت قبل ان يفتح الباب لهم فلم يجدوني ثم فيما بعد خرج الشباب الذي اعتقلوا بعدما تأكدت المخابرات ان لا علاقة للحزب بالدكتور بدر ، اما الدكتور بدر فبقي في السجن لمدة ست سنوات.

التنقل بين عمان وبيروت

بعد انتقال قيادة الحزب الى لبنان طلب مني ان اوافيه كل شهر فصرت اسافر بطريق البر وكلما عدت الى الاردن امر بغرفة المخابرات على الحدود الاردنية ويسألونني عن اسباب سفري فكنت اشعرهم اني تاجر بالملابس القديمة وببعض المواد الغذائية التي كنت احضرها معي لبيتي فكنت اذا وافيت الحدود وأنا احمل رسالة ابقيها في جيبي حتى يجري تفتيش السيارة ثم اضع الرسالة في السيارة واذهب الى غرفة المخابرات فيفتشوني فلم يجدوا شيئا فيعطونني كابونا علامة على السماح بالدخول الى الاردن فاذا عدت الى السيارة حملت الرسالة ووضعتها في جيبي وهكذا في سفراتي البرية.

احداث لبنان

بدأت احداث لبنان بين الفدائيين والجيش السوري، واستطاع الجيش السوري اخراج الفدائيين من ظهر البيدر، اي من مدينتي صوفر وبحمدون، وتحولت الاشتباكات بين الفدائيين وحزب الكتائب في المنطقة بين عاليه وبيروت، فنضطر احيانا ان نذهب الى بيروت عن طريق الجنوب ذهابا وايابا .

ايقافي في طريق الجنوب عند حاجز للقوات اللبنانية

في احدى السفرات وانا عائد من بيروت استوقفتني قوات احمد الخطيب ( القوات اللبنانية) وفتشوا هوياتنا وانزلوني الوحيد من السيارة واخذوني الى غابة كثيفة الشجر واوقفوني فترة بعد ان سألوني عن سبب مجيئي الى بيروت ولكوني فلسطيني ومن منطقة الخليل تشككوا في امري واجروا اتصالات لاسلكية ويبدو انهم سألوا عني الامن في بيروت ثم اطلقوا سراحي. فلما عدت الى السيارة واذا بالسائق منزعجا ، فقلت له ما الذي يزعجك؟ فقال كيف لا انزعج وانا المسؤول عن ايصالك الى الشام. فمجرد انزالهم لك ظننت انك لن تعود، فما انزلوا شخصا الا قتلوه. لذلك ارجو ان لا تعود الى مثل هذه السفرة ، وسارت بنا السيارة حتى اذا وصلنا حاجزا لقوات الصاعقة السورية وسألونا عن هوياتنا انزلوني وحدي وحققوا معي ولما عدت الى السيارة وجدت السائق منزعجا ايضا فطمأنته فقال اياك ان تركب معي مرة ثانية ، فصرت بعد ذلك أسافر بطريق الجو لاتجنب تلك الحواجز المسلحة.

اعتقالي على الحدود السورية اللبنانية[1]

خرجت من بيروت والمطر ينهمر من السماء والثلج يتساقط بغزارة وكانت طريقنا من خط الجنوب-بيروت-صيدا- النبطية-وادي البقاع- ولما وصلنا النبطية اغلقت الطريق بالثلوج فعدنا الى بيروت، ثم سافرت في اليوم الثاني ولما وصلنا الحدود السورية كان ارتفاع الثلج اكثر من نصف متر وهناك منعت من دخول سوريا-وليتني عدت الى بيروت- ولكني دخلت على ضابط الامن استفسر عن سبب منعي فاخذ جواز سفري واركبوني احدى سيارات نقل الركاب وارفقوا معي رجل امن لتسليمي في دمشق. وكان بامكاني الهرب على على الحدود واثناء سيرنا في شوارع دمشق ولكن خشيت على الحدود ان اموت في الثلج وفي دمشق خشيت ان افقد جواز السفر لأن الجواز كان مع الشرطي، وصلنا الى مركز الامن داخل دمشق وسألني المناوب المسؤول عن انتمائي فانكرت اني منتم لجهة او لحزب من الاحزاب فاخرج ملفا من الدرج وقال لي : انت عضو لجنة ولاية في حزب التحرير ومعك فلان وفلان حتى عدهم السبعة.
ثم امر بارسالي الى سجن اسمه سجن الشيخ حسن وهو مشهور بضيقه وعدم صلاحيته لسكن الدواب ناهيك عن سكن البشر، وهناك اخذوني الى المناوب وادخلني في زنزانة مظلمة تكاد تكون ثلاجة لبرودتها وهي عبارة عن حمام طولها 180سم وعرضها 120 سم وارتفاعها 200سم مقسومة طوليا نصف مرتفع 60 سم مصبوب بالبطون مخصص للنوم والنصف الثاني فيه جورة المرحاض يعولها حنفية ماء للشرب ولغيره وكأس بلاستيك صغيرة ، وليس فيها ضوء كهرباء ولا ابريق للاستنجاء واذا اردت ان تصلي تصلي جالسا ووجهك نحو جورة المرحاض ، وطلبت من المناوب شمعة لاشعلها لارى كيف اتصرف فاعطاني شمعه طولها 5 سم ولم يحضر لي فراشا ولا غطاء ، فاخذت اصرخ عليه فأعطاه المساجين عددا من البطانيات فرشت بعضها تحتي وتغطيت بالبعض الاخر وبقيت فيها مدة 23 يوما كانت اشد علي من سجن سنة في سجون الاردن ولم يسمحوا الى بالخروج مع المساجين ، وفي احدى الليالي احتلمت من كثرة البرد واردت ان استحم لازيل الجنابة حتى اصلي فجلست قبال الحنفية لاغتسل وملأت كاسة البلاستيك التي لا تتسع اكثر من 200 ملغرام ماء وبدأ من قدمي فالى ساقي ففخذي فتجمدت كل الاعضاء التي اصابها الماء من شدة البرد فتوقفت عن الاغتسال، ولحسن حظي ذلك اليوم اخرجوني مع المساجين فكان لجانب زنزانتي غرفة يقيم فيها ثلاثة مساجين عندهم بريموس يسخنون عليه الماء ، فاطلعت احدهم على حالي، وطلبت منه ماء ساخنا فوعدني، فلما ادخلونا الى زنازيننا وافاني الاخ ابو انس بسفر طاس فيه ماء ساخن لا يكفي لغسل رأسي فصرت املأ نصف الكاسة بالماء الساخن ونصفها بالماء البارد وادهن جسمي حتى انتهيت . لم اعط مصحفا حسب طلبي وكانوا يعطونني ليرتين سوريتين لاشتري بهما طعامي لمدة 24 ساعة واذا اردت زيادة ادفع من نقودي وهم يشتروه لي. ومكثت على هذا الحال 17 يوما ثم اخذت للتحقيق. واردت ان استفيد من المعلومات التي عندهم عني دون ان يعلم المحقق اني اطلعت على ما عندهم عني لكي يصدقوني فيما اقول فيما لا يعلمونه عني، فسألني المحقق العسكري برتبة رائد ، ما اسمك جنسيتك انتماؤك مرتبك في التنظيم من معك في لجنة الولاية ؟ اجبته عليها كلها طبقا للمعلومات التي عندهم حسب ما سمعتها من المسؤول الذي سألني اولا.

بعد ذلك اخذوا يسألونني عن نشاطي في الجامعة ومن اعرف من شباب سوريا، وكنت اجيبهم كما اريد وهم لا يعرفون أصحيح ما اقوله ام خطأ، وبعد اسبوع من اجراء التحقيق اخرجوني ، وعدت الى الاردن ، ولما وصل الحزب خبري اني كنت في السجن ثم خرجت طلبوا ان اعود الى بيروت فعدت واعتقلت على الحدود السورية الاردنية . ورافقني جندي من الحدود الى دمشق وهناك دخلت المسجد اصلي العصر وكان معي رسالة وضعتها تحت حصير المسجد ثم ذهبت مع العسكري الى الدائرة السياسية واحتججت عليهم باعتقالي. فوعدني المسؤول برفع اسمي عن الحدود . ثم عدت الى المسجد واخذت الرسالة وتوجهت الى بيروت واخبرت الحزب بكل ما حدث، وبعدها صرت اروح واجيء دون اعتراض . وفي احدى السفرات بالجو تعطل نزول عجلات الطائرة عن النزول في مطار عمان واجرى الطيار ثلاث ومحاولات حتى نزلت العجلات فهنأوا الركاب بالسلامة .

آخر سفرة الى لبنان

ذهبت الى لبنان ولما دخلت البيت الذي كان الشيخ تقي الدين يقيم فيه وجدت رصاص رشاش الخمسائة على بلاطة الغرفة مقابل السرير الذي ينام عليه، وكان الجانب الشرقي من الغرفة مهدوما نتيجة اصابته بالقذائف التي كان يطلقها حزب الكتائب النصراني الماروني ، فسألت الشيخ لماذا تقيم هنا؟ ألا تذهب الى داخل بيروت لتأمن صواريخ هذه القذائف ، قال : فمن يخدمني هناك؟ قلت ابو جمال . قال ليته يخدم نفسه.
ويبدو ان ابنته كانت تخدمه وتأتيه بين الحين والاخر وتزوده بما يريد ولما جلست انا واياه على مائدة طعام الغداء، رأيته لا يكاد يستطيع ان يتناول الطعام وكان يتساقط على صدرة احيانا .فأحزنني منظره وقد كان مريضا وكان ضغطه مرتفعا وحاله يرثى لها من الهم والحزن، فحثني على امر انا اعلم به منه فعارضته ولكنه كان حازما . فقمت بما طلب مني ولكن بطريقتي وكانت النتيجة كما توقعتها حين عارضته. ملاحقتي من قبل المخابرات من جديد.
ذهبت يوما لزيارة رجل وحصل جدال بيننا الى حد اتهامي له بالعجز والمراوغة والكذب فنهض مسرعا وقد اربد وجهه وعبس وغضب ولم يلتفت الي وركب سيارته وخرج وتركني في بيته، فقمت وانصرفت راجعا وبعد منتصف الليل داهمت المخابرات بيتي فهربت قبل ان يلقوا علي القبض فاستنتجت ان اسمي عمم على الحدود فبعثت للحزب اني لا استطيع السفر الى لبنان.

التقائي بالشيخ عبد القديم

كان الشيخ يقيم في عمان فالتقيت به واخبرته بوضع الشيخ تقي الدين الصحي وحضضته على السفر الى لبنان لمساعدته. وحضر وفاة الشيخ تقي رحمهما الله رحمة واسعة . لقد كان لهما الفضل في تثقيفنا وتوعيتنا ورعاية الحزب حتى غدا حزبا سياسيا عالميا.

اشتغالي اجيرا في محل تجاري

بعد موت الشيخ تقي طلبت انهاء تفرغي ، وبعد الحاح مني ووفق على طلبي فعملت اجيرا بمائة دينار اردني في الشهر وبعد ثمانية اشهر استقلت من عملي وعرض علي عمل آخر فاشتغلت في قطع سيارات وتغيير زيت السيارات لمدة عشرة اشهر ثم اعتقلت وحقق معي وكتبت نتيجة التحقيق ، ولما رفعت النتيجة لرئيس المخابرات لم يقبل النتيجة ، واغلظ القول للمحققين وكتب حوالي عشرين سؤالا ليحققوا معي من جديد بناء على هذه الاسئلة .
نبهت الساعة الواحدة والنصف ليلا واخذت الى مكتب التحقيق واذا بخمسة محققين منهم عامر جالوقة وعماد مدادحة....الخ وقالوا لي ان نتيجة التحقيق معك لم يقبلها رئيس المخابرات والآن نريد ان تجيبنا على هذه الاسئلة فخشيت ان يكون لدى رئيس المخابرات بعض الحقائق التي اخفيها وكون الاسئلة كثيرة خفت ان تكون نتيجة اجوبتي متناقضة. فصممت في نفس اليوم على عدم الاجابة على اي منها. فقلت لعامر جلوقة رئيس التحقيق اقرأ علي واحدا منها. فقرأ فشعرت بخطورة الاسئلة ، فقلت اقرأها علي جميعا ووعد شرف سأجيبك عليها جميعا. فأخذ يقرأ حتى انهاها. فقال اجب كما وعدت، فقلت الجواب على كل ما ورد فيها لا اعرف شيئا عنها. وتوقعت حينها ان تنزل علي الضربات واللكمات والعصي من الجميع الا ان عامر جلوقة قال لي انه خجلان ماذا يقول لي. ثم قال اراك تعبا وأمر باعادتي الى زنزانتي، وبقيت مدة ستة اشهر ثم حولوني الى سجن المحطة ، فوجدت اكثر من ثلاثين شابا من حزب التحرير في السجن وكانوا يقضون مدة سجنهم البالغة ثلاث سنوات حكومية.

وعندما وصلنا سجن المحطة اختاروني اميرا عليهم واقسم احدهم انه اذا لم اقبل الامارة لن يكون احد عليهم اميرا، فقبلت على غير رغبة مني وجدتهم موزعين في سبع غرف مع بقية المساجين .

دعاني مدير السجن –غالب الضمور- يوما الى مكتبه وجمع ضباط السجن ثم سألني على مسمع منهم فقال: هل الملك حسين عميل انجليزي او عميل امريكي؟ قلت: يفهم من سؤالك اقرارك بعمالة الملك، اما انه عميل انجليزي او امركي فهذا هو موضع الاستفسار. وما دام الامر كذلك فهو عميل انجليزي. فقال نائب المدير : كيف يكون عميلا انجليزيا وسلاحنا ومساعداتنا من امريكا؟ قلت: هل حصل ان ذهب رئيس دولة لدولة اخرى فكلفته الدولة الاخرى ان يخرج لها من مركز تدريبها دورة ضباط ؟ قال: لا . قلت: الملك حسين كلفته الملكة اليزبت ان يخرج لهم دورة ضباط امن من احد مراكز تدريبهم فسكت. فقال ضابط آخر: ما الفرق بينكم وبين الاخوان المسلمين؟ قلت له: نحن عندكم في السجن وهم عندكم في مجلس النواب. فسكت الآخر ، فأمر مدير السجن باعادتي الى مكاني في السجن. وبقيت ابذل الجهد حتى تمكنت من جمع الشباب في غرفتين ، وبدأ النشاط الحزبي في دراسة الحلقات في كتب الحزب وفي زيارة بقية المساجين والكسب منهم وتدريسهم وتحزيب من ينضج في الثقافة الحزبية.

ارادت الدولة ان تخرج عددا من المساجين لتحسين سمعتها فكان لي صديق له علاقه باحد المخابرات فاختارني من بين المساجين المرشحين للخروج فخرجت بعد مضي سنتين توقيف.
اقترحت على الحزب في تقريري عن سلوك الشباب في السجن بعض الامور فوافق عليها جميعها. وبعد سنتين فرغت للعمل الحزبي .

وكانت الثورة الايرانية ثم مهاجمة العراق لها واخيرا احتلال العراق للكويت ثم مهاجمة التحالف الامريكي من مجموع ثلاثين دولة بما فيها سوريا ومصر والسعودية للعراق واخراجه من الكويت وكنت القي الدروس والخطب المناسبة حسب الاوضاع المتغيرة واخيرا دخلت منطقة البادية التي تعتبرها الدولة وراء الخط الاحمر (بمعنى ان العمل فيها محظور اي نشاط سياسي) ونشرت فيها فكر الحزب وخطبت خطبة في زيزيا ، وزعت الدولة على اثرها تعميما على الجيش ان اذا سمعوا اثناء خطبة الجمعة ما يسيء الى الدولة فعليهم ان يخرجوا من المسجد وكنت حينذاك قد اشتريت قطعة ارض مساحتها 52 دونم وعملتها مزرعة وكنت آوي اليها كلما اشتدت ملاحقات المخابرات لي.

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] مرت علينا ايام اعتقال الوالد في سوريا شديدة لم تمر علينا ايام مثلها ، ذهب عمي الى الشام وسئل عن ابي لكن لا جواب من دولة حزب البعث ولم يعترفوا مطلقا باعتقاله ثم ذهب الى لبنان وبالاتفاق مع خالي الذي كان يعمل مع فتح تم البحث عن ابي في لبنان في كل شبر فيها لكن لم يظهر له اثر.
وقد ساهمت القصص والدعايات المغرضة في سوء حالة امي .
ففي كل يوم كانت النساء تنقل لامي خبرا عن جثة وجدوها في المكان الفلاني ولم يتعرف عليها احد لما اصابها من تشويه.
او وجود قتيل يشبه الوالد طويل واشقر وعيونه زرقاء او وجود قتيل آخر اكلت منه دود الارض ووحوش الفلى وطيور الفضاء
ثم وصلتنا اخبار عن قتلى في لبنان وابي واحد منهم
ووما زاد في مأساة امي ان اخي وقع من السطوح وتفتت طحاله ونقلته الى طوارئ البشير واحتاج الى اجراء عملية جراحية عاجلة وسأل الطبيب اين والد الطفا فلم تجبه امي واصر على حضوره واجهشت بالبكاء فقال لها: هل هو فدائي لا تريدين ذكر مكانه ، انه بطل بطل ساجري له العملية.
وقد عرفت فيما بعد انها زبزنة في قسم الطوارئ من كثرة ما كانت تحضر اخواني للاسعاف لديهم بسبب مشاجرة او او وقعة .

ابو شجاع
11-22-2007, 03:43 PM
اعتقالي عام 1987م

اتصل بي شخص وطلب مني ان التقي به في منطقة بيادر وادي السير وذهبت اليه وبعد لقائي به، وانصرافي عنه لحقتني سيارة المخابرات والقوا القبض علي وفي دائرة المخابرات اخذ يحقق معي رجل يقال له علي برجاق ووجه لي تهمة بأني المسؤول عن ضواحي عمان وبناء على هذه التهمة يريد ان يعرف تنظيم الحزب في تلك المنطقة لانها في نظر الدولة داخل الخط الاحمر وكون شباب التنظيم فيها من البدو فهذا هو محل الخطورة، فكنت كلما انفي التهمة يعيد علي برجاق التأكيد عليها، والحقيقة اني لم اكن مسؤولا عنها بل الذي كان مسؤول عنها شاب اسمه عادل علي الشروف وهو زوج ابنتي ، وظل المحقق يركز على هذه المنطقة ، فكان يقول لي انت تذهب الى زيارة زيزيا لتتصل بالناس لتنظمهم في الحزب ، فقلت له ذات مرة: يبدو انك لا تفكر فغضب وقال كيف لا افكر؟ قلت هل تفكر ان شخصا في سن الستين يذهب ليلتقي مع ولد في سن الخامسة عشرة، فماذا يقال عن العلاقة بينه وبين ذاك الولد والبدو يجهلون فكرة الاحزاب، فقال :لا انت تذهب لتنظيم من هو في سنك، فقلت له ها انت لا تفكر بالفعل فصرخ وقال كيف لا افكر؟ قلت له: ان محمدا صلى الله عليه وسلم المبعوث من رب العالمين كان اكبر من استجاب لدعوته ابو بكر الصديق وكان عمره آنذاك 38 سنة فكيف تريدني ان اذهب الى وسط البدو وادعو رجلا في الستين لحزب التحرير وهو لا يعرف الا رعاية الغنم ، أجننت أنا حتى اقوم بهذه المهمة؟ فسكت. وصرت كلما فتح بابا في التحقيق اغلقه عليه حتى مضى خمسة اشهر وهو على هذا المنوال، وفي احدى الساعات وانا راجع من الحمام الى الزنزانة رأيت عادل الشروف امام علي برجاق يحقق معه وبعد يوم او يومين سألني على برجاق عن عادل اين هو؟ قلت له هو عندك، قال:لا، قلت بل عندك ولا حاجة للسؤال عنه، فقال كيف عرفت؟ قلت باللهجة العامية ( هو احنا بنقري اولاد هنا في السجن) نحن برغم تستركم واغلاق الابواب حتى لا يرى الواحد منا الاخر الا اننا نعرف كل من في الزنازن ونعرف انتماءاتهم واسماءهم وقضاياهم ، فكاد ان يصرع، وقال عن طريق الدق على الجدران ؟ قلت احسبها كما تريد.
فلما طالت المدة وهو لم يغير اردت ان اتخلص منه اما بضربهم بي على المعلومات الكاذبة التي سأعطيها له او بكفه عن التحقيق معي.

وكنت قد اكتسبت خبرة بكثرة تحقيقهم معي ، وهو انهم يتنافسون في من يكون اقدر اثناء التحقيق على اخذ معلومات ذات فائدة من المتهم، ويحسد بعضهم بعضا وان حصول الواحد منهم على اخذ المعلومات تساعد في ترفيع رتبته.

ولما جاء ليحقق معي قلت له. افتح دفترك وامسك قلمك وخذ مني (هلجوهرة) التي لا زلت اخفيها عنك. فأخذ استعداده وقال هات. قلت مر علي احد شباب الحزب وقال الا تريد ان ابعث لك ب15 شخصا يريدون الدراسة في الحزب وبالفعل بعثهم والتقيت بهم في مسجد القدس جنوب الوحدات وقسمتهم قسمين وعينت لكل قسم موعده وصرت ادرسهم. واليك اسماؤهم فكتب احد عشر فأخذ يمدحني ويشيد بي ، الآن انت ابو العز وكأنه بالفعل اخذ مني جوهرة، ولما عاد للتحقيق قال لي: هات اكمل ما عندك فقل لم يبق شيء قال لم تعطنا عشر ما عندك . قلت اعطيتك 11 اسم وتريد الان تسعة اعشار اي 9ضرب 11 =99 اسم وهؤلاء يحتاجون الى ورقة وقلم لاجل ان اخترعهم لك لأن الذهن لا يستطيع ان يستوعبهم مثلما استوعب الاحد عشر . قال وهل الاحد عشر مخترعون اختراعا وغير حقيقيين؟ قلت له: اذا كنت صادقا فيما كنت أنفيه فلا حاجة لاختراع جديد، واذا كنت كاذبا فيما كنت اقوله انفيه وصادقا في المعلومات التي اعطيتك اياها فهات قلما وورقة . قال اعد الاسماء التي ذكرتها لي. وكنت احفظها فأعدتها، فقال : أسألك بالله أحقيقة هي او غير حقيقية. فقلت: والله ما فيهم احد من حزب التحرير. فانفعل والقى القلم ومزق الورقة وخرج من الغرفة وهو يقول: نحترمهم ويكذبون علينا ولم يأمر باعادتي الى الزنزانة ، فجاء مدير السجن واخذني الى الزنزانة , فقلت في نفسي الآن سيخبرهم ان المعلومات كانت كاذبة فيتشفى فيه من حسده في المرة الاولى على اخذه معلومات من شخص لم تستطع المخابرات اخذ معلومات منه منذ ثلاثين سنة حتى تلك اللحظة، وسينفجرون من الضحك والاستهزاء به، وكل ظني ان هذا حصل لأنه منع من التحقيق معي فيما بعد واعتبروه فاشلا.

وفي موعد التحقيق جاءني المسؤول عنه وهو عماد مدادحة فلما احضرت الى مكتبه قال: لماذا يا سباتين تتلاعب بالشباب تشرق بهم وتغرب وتكذب عليهم لقد اصروا على ان يأخذوك الى الساحة ( يعني مكان ضرب وتعذيب السجناء) فرفضنا، فقلت له: هل تصدق التهمة التي يوجهها الي وهي المسؤولية عن منطقة ضواحي عمان . فقال لا . ولكنك تقوم بالزيارات لبعض الناس. فقلت له. ولماذا لم تنصحه ان يغيرعن التهمة؟ ولماذا تتركة خمسة اشهر يقضيها من وقته فيما لا جدوى منه. وكأنه شعر اني اتهمه في تركه علي برجاق يقضي وقته سدى.

فقال لي : كم من الوقت لك عندنا؟ قلت خمسة اشهر. قال امض شهرا آخر ثم امر باعادتي الى الزنزانة ولم يحقق معي في شيء. ففهمت من ذلك انه جاء ليكافئني على ضحكي بعلي برجاق ببشارتين الاولى عدم الموافقة على ضربي والثانية على انه سيفرج عني بعد شهر. فعدت متفائلا. وفي تلك الفترة كان مدير سجن المحطة ووزير الداخلية واحد كبار المسؤولين في المخابرات قد امروا مساجين سجن المحطة ان يديروا وجوههم تجاه القصر الملكي ويصلوا للملك حسين فنزل الحزب فيهم نشرة شديدة اللهجة فامتعض القصر والحكومة، وبدأت الاعتقالات في الشباب واخذت المخابرات تضربهم ضربا مبرحا وتعذبهم تعذيبا شديدا لم يسبق لها ان استعملت ذلك مع شباب الحزب. وبينما انا جالس واذا بالمخابرات تخرجني من زنزانتي وتأخذني الى غرفة التحقيق، واذا بمجموعة من المحققين موجودين هناك ، فأجلسوني على كرسي واذا بعطا ابو الرشتة (ابو ياسين) يدخل علي المكتب ويسلم علي معانقة، فقال المحققون: ما هذا؟ فقال: لقد مضى على ابو العز فترة عندكم فهل السلام عليه ممنوع؟ فقالوا:لا ثم سألوه على مسمع مني فقالوا له: لما سألك ابو العز من المسؤول فماذا قلت؟ قال: قلت ابو عامر، وكان في حينها مضروبا والدم على وجهه وعلى قدميه ثم اخرجوه، وسألوني أصحيح ما قال؟ قلت نعم قالوا ومن ابو عامر ؟ قلت لقد سألتموني في بداية اعتقالي وقلت لكم ان ابا ياسين حينما سألته عن المسؤول قال لي(ابو فلان) وكنت ناسيا اسم عامر فها هو ذكرني به. قالوا ومن ابو عامر؟ قلت لو كنت اعرفه لما كان لذكر عامر حاجة ، فانا لا اعرفه فأروني عدة صور فقلت لهم لا اعرف من الصور الا واحدة لشاب انتم تعرفونه وسجن عندكم واسمه احمد حسين وهو الآن في بيروت. فأعادوني الى زنزانتي وعند المساء احضروا لي والاثنين اللذين معي طعام العشاء وعندما بدأنا نأكل بدأنا نسمع ضرب العصي في ساحة التعذيب وكانت قريبة منا فأخذ صاحباي يحصيان عدد الضربات فحصوا ستمائة ضربة ثم سمعنا صوتا عاليا فوقف الضرب. ثم خرج المضروب وأدخلوه في زنزانة رقم 12 وهو في حالة خطرة.

وبعد يومين نقلوا الشابين اللذين كانا عندي في الزنزانة وبقيت وحدي، وبعد الظهر ادخلوا علي رجلا طويلا مورم القدمين يبدو على وجهه الحزن فسلم علي واستقبلته باحترام وبعد الجلوس سألته من اين جئت؟ قال من زنزانة رقم 16؟ قلت ومن فيها؟ قال شاب من حزب التحرير وذكر اسمه ( وانا الان ناسيه) فعرفت انه من زيزيا فقلت معه احد . قال معه 14 شاب من بني صخر حولوهم الى قيادة البادية وجاءوا به الى المخابرات، قلت وما سبب مجيئهم ؟ قال وزع حزب التحرير نشرة يتهم فيها وزير الداخلية وكبارالمسؤولين في المخابرات وطاقم الحزب باجبار المساجين على الصلاة للملك حسين ، فقلت منذ متى وانت في الزنزانة رقم 16 قال : بت فيها ليلة واحدة . قلت واين كنت قبل ذلك. قال في زنزانة رقم 12 قلت أأنت الذي ضربوك قبل يومين ؟ قال نعم قلت له اتدري كم ضربوك؟ قال لا ادري قلت له ستمائة ضربة ثم سمعنا صرخة فتوقف الضرب. فماذا كانت الصرخة؟ قال: لما اوقفوا الضرب قلت لهم اكملوا ايها الجواسيس . فقلت له اشهد انك بطل. ولماذا يضربونك فأخبرني انه من مخيم بلاطة في فلسطين قتل حارسا اسرائيليا وفر الى مصر ولكن الحكومة المصرية سفرته الى الاردن والمخابرات تهدده بتسليمه الى اسرائيل وطلبوا منه ان يتعاون معهم . قلت وماذا قلت لهم؟ قال : قلت انا عمري 29 عاما والمؤمن يعيش على الاغلب ستين عاما ولي ام واخوات ولا اريد ان امضي بقية عمري قوادا فقالوا : انحن قوادون؟ قلت وماذا انتم الا هكذا ففعلوا ما بي ما سمعت. قلت له اطمئن ما عادوا يضربونك فقد نجحت في الامتحان فالضربة هذه كانت الاخيرة. ولما حان وقت خروجي جاءني علي برجاق وقال نريد ان تكتب الافادة. فكتبها وعندما وقعت عليها قال: اذا جاء دوركم-أي اخذتم الحكم- فماذا تعملون بنا؟ قلت كما تدين تدان. قال هل ضربك احد هل سبك احد؟ قلت له لا يقال حينئذ انك احترمت يوسف السباتين ولكن دم ابو الرشتة الذي كان ينزف على وجهه وقدمية والله ليمزقن جلدك. فلم يستطع سماع هذا القول فخرج مسرعا وكأنما في يدي سوط واريد ان اضربه. وبقيت وحدي فجاءني جندي وقال لي هات حوائجك وتعال معي وادخلني على عماد مدادحة فقال عماد: في عام 82 احترمناك وها نحن في عام 87 احترمناك ولكن في المرة القادمة . فقلت لا تكمل فانا اعرف ما تريد قوله والجواب عندي حاضر ولكن ما دمت احترمتني اولا وثانيا فاجعل خاتمتها احتراما احسن لي ولك. فقال للجندي اوصله الى الطريق وقال لي مع السلامة فأخذني الجندي واخرجني خارج المخابرات.

دعوة عرس

دعاني احد الشباب على الغداء في مخيم الطالبية- زيزيا- بمناسبة عرس اخيه وحضر اثنان من المخابرات للتعرف علي من على بعد فبمجرد ملاحظتي لهم عرفت انهم مخابرات وبعد الغداء رجعت الى عمان

زيارة القسطل بناء على دعوة من شبلي خالد السطام

ذهبت في سيارة لولدي عزالدين ولم نجد شبلي فجلسنا مع من في الديوان ننتظر مجيء شبلي. ودار حديث سياسي بيني وبين سامي الفايز ، واذ بمسؤول من الامن في زيزيا قد اقبل في لاندروفر فقال سامي الفايز غيمت. بمعنى كفوا عن الحديث السياسي. فدخل الرجل وقال ديمقراطية (بمعنى واصلوا حديثكم) فقال سامي نحن نتحدث في الرزق فقلت بل نتحدث في السياسة والخلافة . فلما طال انتظاري ولم يأت شبلي قمت وعندما ركبت في السيارة ناداني سامي الفايز وقال يا ابا العز لم نتعرف فقلت له سأزورك واعرفك على نفسي وانصرفت وعلمت فيما بعد بان رجل الامن جاء لاعتقالي حسب قوله لصاحب لي.

محاولة اعتقالي في جبل النظيف[2]

كنت في تلك الايام اجري اتصالات بوجوه القبائل مثل فيصل الجازي ونايف الخريشة وحامد صقر وشبلي الفايز وسالم الجريبيع وغيرهم، واتصل بالخطباء في منطقة البادية وكانت الاوضاع السياسية مضطربة بعد وقف القتال بين العراق وايران وبعد اخراج العراق من الكويت وبعد انفضاض مؤتمر مدريد نتيجة محادثات اوسلو وبعد فك الارتباط بين الاردن والضفة الغربية صار الملك حسين يسعى للصلح مع اسرائيل فكان يخشى ان ينزل حزب التحرير نشرة يفضحه فيها ويثير الشعب عليه خاصة وان الدول العربية وخاصة سوريا يعارضون ذلك بشدة ، فاراد ان يدبر خطة يشغل فيها حزب التحرير والقبائل معه ، فذهب الى دائرة المخابرات العامة واتفق مع مصطفى القيسي على اعتقال الطلبة العسكريين في جامعة مؤتة، واعتقال العاملين داخل الخط الاحمر-منطقة البادية- من حزب التحرير وتوجيه التهمة لهم بأنهم يريدون اغتيال الملك حسين اثناء الاحتفال في جامعة مؤتة، فاعتقلوا ستة طلاب عسكريين واعتقلوا اسماعيل الوحواح القادم من اليمن وهو تحريري واعتقلوا هلال الشموط وهو راجع من الحج وهو تحريري ايضا وبقيت انا ووليد شاهين ، فجاء اثنان من المخابرات لاعتقالي في جبل النظيف . وبينما كنت متوجها لصلاة الجمعة في مسجد طارق بن زياد واذا بشخص يناديني يا ابا العز فوقفت فقال: سؤال ثم صافحني فقلت له اسأل. قال ليس هنا السؤال قلت فاين اذا؟ قال هناك في السيارة ، فادركت انه مخابرات فرفضت فامسك بي واراد ان يسحبني الى السيارة فاستعصيت عليه فنزل ضابط من السيارة وامسك بي وسحبني فوضعت رجلي في مقدمة سيارة واقفة وجذبتهما فمر علي شخص فسأل ما الامر فقال مخابرات فانصرف الرجل. قلت لا اذهب معكما حتى اغير لباسي هذا فوافقا مرغمين ، فسار معي احدهما واما الاخر فطلب النجدة لمساعدتهما ثم لحق بنا، فلما وصلنا البيت لم نجد به احد ا فدخلت احدى غرف البيت وغيرت ملابسي وطللت عليهما من شباك قريب لهما وطمأنتهما بأني آخذ في تغيير ملابسي ، وكنا في الطابق الثاني وهناك شباط يطل على طريق ضيق خلف البيت وقريب منه عمود كهرباء ، فامسكت بظرفة من ظرفات الشباك حتى اقتربت من العمود والقيت بنفسي تجاهه فامسكت به وانحدرت بواسطته الى الارض ثم لجأت الى بيت في الحي واما رجلا المخابرات فظلا ينتظراني خلف الباب حتى جاءت النجدة وهي سبع سيارات كما قيل وعلى رأسهم علي برجاق. وفتح الباب واخذ يفتش البيت غرفة غرفة فلم يجدني، ثم فتش بيوت اخوتي واخذ ولدا لجيراننا وسأله عني فلم يفده فلطمه على وجهه فسب الولد دينه وقال: انا لم اهربه ولكن رجالك هؤلاء هم الذين مسكوه من المسجد وضحك عليهم واتى بهم الى البيت واغلقه وتركهم خلفه وهرب. فترك الولد واخذ يضرب الرجلين ثم اخذ اخي ليريه بيت ابنتي في قرية ام البساتين وهناك سأل ابن ابنتي عن ابيه فصرخ الولد في وجهه وقال( مش هان) اي ليس موجودا. فعاد طريقه فوجد عادل الشروف زوج ابنتي فاعتقله وهكذا فشل في البحث عني.

اما انا فخرجت من البيت الذي لجأت اليه وعدت في الليل الى بيتي وبقيت فيه حتى خف التفتيش عني فخرجت الى احدى ضواحي العاصمة ولبثت اسبوعا واثناء الاسبوع سمعت خطابا للملك حسين يتهم اناسا برسم خطة لاغتياله ولم اعرف ان احدا من شباب الحزب معتقلا، وانما سمعت ان بعض الطلاب في جامعة مؤتة معتقلون . ولكن الاخبار في الاذاعة ذكرت ان الدولة القت القبض على المتهمين ما عدا اثنين فارين من وجه العدالة ولم تذكر الاذاعة الاسماء. وفي اليوم التالي كنت جالسا مع جماعة وكنت اقرأ في جريدة شيحان وقرأت فيها اسماء الثمانية المعتقلين فعرفت اسم هلال الشموط اما اسماعيل الوحواح ما كنت اعرفه فلما قرأت اسمي الفارين من وجه العدالة واذا هما انا ووليد شاهين فاستغربت الخبر وقلت لجلسائي والله اذا كان المتهمون مثلي ما في مؤامرة، والاخبار كلها كاذبة ومزيفة ويبدو ان الملك يخطط لامر خطير . ثم عدت لبيتي من طريق خفي وكنت اقضي وقتي من العصر الى منتصف الليل في ديوان –جامع الزعاترة- ثم اعود الى بيتي وهكذا طوال الملاحقة والمطاردة ولم تعد المخابرات لتفتيش بيتي لاستبعادها عودتي اليه.

محاولة اعتقالي في المزرعة.

كنت في المزرعة ومعي عامل يشتغل . وكنت ارى رجلا يجلس على رأس رابية تطل على المزرعة وعلى غير العادة فشككت في امره وبعد ثلاثة ايام رأيت الرجل ينحدر نحو المزرعة فالتقيت بالرجل واذا بيده كماشة ، فسألته ماذا تريد؟ قال اريد طريقا من المزرعة لامرار تركتر منها. فالتفت نحو باب المزرعة واذا بسيارة وينزل منها مسلحون فأدركت انهم مخابرات وان الرجل متواطئ معهم فمشيت نحو العامل واظهرت اني متجه نحو باب المزرعة ورأيت انه من الصعب الفرار منهم لأني ان فررت على مرأى منهم سيطلقون علي النار ، فأخذت ارمي الحجارة التي في المزرعة واقذفها خارج الشبك واتراجع نحو آخر المزرعة حيث يوجد الرجل المتواطئ معهم. فمشيت خلفه فعمد الى شبك المزرعة وقصه بالكماشة ودخل المزرعة واما انا فبقيت امشي رويدا رويدا لأشعرهم اني غير حاسس بهم وكان امامي واد سحيق وذو انحدار شديد، فما تواريت عن اعينهم اخذت ارجع الى الوراء مع سفح الوادي بانحدار بطيء فرأيت تركترا آتيا مع طريق خلفي فخشيت انه ان سأل المخابرات من فيه فيما اذا رأوا احدا ان يقولوا رأينا رجلا متجها نحو الطريق التي جاءوا منها فتواريت عنهم حتى مروا ثم سلكت طريقهم حتى ابتعدت عن الوادي. فوصل التركتر وكان عليه ثلاثة مسلحين انضموا الى من كانوا في السيارة وانحدر الجميع خلفي يظنون اني انحدرت في الوادي، وظلوا يفتشون من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثالثة مساء فلم يعثروا علي. فعادوا بسياراتهم والتركتر منهكي القوى لا يلوون على شيء ثم اني عدت الى المزرعة بمجرد ان خرجت سياراتهم والتركتر من الزرعة وامضيت تلك الليلة واليوم التالي ثم رجعت الى بيتي في عمان.

حادث انقلاب تركتر

بينما كنت احرث في المزرعة بواسطة تركتر دخلت به منطقة وعرة وذات انحدار. فانقلب بي وصرت تحته ودخلت قطعة حديد طولها 3 سم وعرضها 2 سم في رجلي اليسرى، ولكن التركتر لم يثبت فوقي بل انقلب مرة اخرى فخرجت الحديدة من رجلي وانبعث الدم منها فذهبت مسرعا الى مزرعة مجاورة واستعنت بعامل مصري على ايقاف النزيف ثم رجعت الى عمان وذهبت الى مستشفى البشير فاعطوني ابرة ضد التسمم.

اصدار محكمة امن الدولة الحكم

بعد جلسات عدة اصدرت محكمة امن الدولة الحكم بالاعدام حتى الموت ثم خففت عن البعض الى الحكم المؤبد وعن البعض الى 15 سنة واما انا ووليد شاهين واسماعيل الوحواح فبقي حكمنا الاعدام. فهجم اهل المحكومين على المحكمة وكسوا زجاجها وخرج المحامون يقولون بان المحكمة لجأت الى الاقليمية البغيضة حيث ابقت حكم الاعدام على الفلسطينيين.

بعد صدور الحكم ابا علي اولادي الا ان اخرج من البيت فخرجت الى ضاحية واقمت ببيت جميل فيه كل ما احتاجه فلبثت فيه ثمانية ايام ثم عدت الى بيتي في جبل النظيف عمان.

دور محكمة التمييز

بدأ دور الاتصال بقضاة التمييز من قبل اهالي المحكومين وبدأ الضغط من الدولة عليهم ليوافقوا على احكام محكمة امن الدولة، ولكن لعدم قناعة القضاة قدم رئيس المحكمة استقالته وتزايد الضغط من الدولة وكثرت الاتصالات من الناس بالقضاة فصاروا بين امرين اما الموافقة على الحكم واما الاستقالة، فاستقال رئيس المحكمة الثاني والثالث ، واستدعى رئيس الوزراء الشاهد الوحيد في القضية وسأل عن شهادته فقال شهدت وارجل المخابرات على عنقي اي جبرا. فأمره بالانصراف ويبدو ان الملك حسين احس ان لجنة حقوق الانسان والمحامين الذين جاءوا من مصر ليرافعوا عن المحكومين ، واتهام القضاء الاردني بالظلم جعل الملك يخشى على سمعة القضاء خاصة وان ثلاثة من رؤساء محكمة التمييز قدموا استقالاتهم . اعطى الضوء الاخضر لرئيس الوزراء ان يترك القضاة ليبتوا في القضية حسب قناعاتهم. فاستدعى رئيس الوزراء زيد بن شاكر استدعى رئيس محكمة التمييز وقال له احكم في القضية حسب قناعتك ، وكان صلح وادي عربة قد حصل ومر بسلام فدعا القاضي المحامين وقال لهم غدا الجلسة وفي اليوم التالي حضر المحكومين الى قاعة المحكمة واصدر الرئيس الحكم بعدم وجود قضية وبرأ الجميع من التهمة الملصقة بهم.
وبدأت الاحتفالات بخروج الشباب من السجن بريئين من تهم المخابرات الكاذبة وجرى التحدي اثناء الاحتفالات لأمن الدولة ومخابراتها ومحكمة امنها واختفت المخابرات، ولم يطل الوقت حتى احيل مصطفى القيسي على التقاعد. وفي رأيي لأنه لم يحسن تخريج الفلم الذي رسمه الملك.

اعتقالي من اجل القضية نفسها

بينما كنت جالسا في محل تجاري في وسط عمان واذا بالمخابرات تدخل المحل تريد تفتيشه فوجدوني جالسا فاعتقلوني ولم يحققوا معي في القضية وانما احالوني لمحمود عبيدات مدعي عام محكمة امن الدولة وهذا كان يعلم اني لن احكم على نفس القضية لأن محكمة التمييز نفت القضية نفيا باتا.

وبدل ان يسألني عن علاقتي بالقضية سألني أمسلم الملك حسين ام كافر؟ فأدركت انه يريد حبسي ثلاث سنوات بتهمة اطالة اللسان (قدح مقامات عليا) فقلت له اسأل عزالدين الخطيب مفتي المملكة فقال انت تعرف قلت لست مجتهدا ولا مفتيا ولن اسقط في الجورة التي حفرتها لي فانا متهم بقتله لا بتكفيره فالعب لعبة غيرها فهذه مكشوفة.
فتحول للسؤال عن اتصالي بهلال الشموط فانكرت معرفتي به او بغيره من طلاب الجامعة العسكريين واكثر من الاسئلة فقلت له ضع مائة سؤال كما تريد والاجابة على الجميع النفي. وكان المحامي محمد مهيار حاضرا الجلسة، فحولني المدعي العام الى السجن لبينما تتم المحاكمة التي لا معنى لها، فامضيت خمسة اشهر ونصف حتى تمت المحاكمة وبرئت من جميع التهم المسندة الي ، وكان الاصل ان لا احاكم لعدم وجود قضية لكن ضغط المخابرات هو الذي جعل المدعي العام يحيلني على المحكمة لأبقى مدة طويلة في السجن لولا الاتصالات والاعتراضات لأبقوني مدة اطول.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[2] قضية مؤتة وما ادراك ما قضية مؤتة
بداية التآمر على حزب التحرير وتلفيق تهمة قلب نظام الحكم بالاتفاق مع طلاب جامعة مؤتة الجناح العسكري.

يتبع

ابو شجاع
01-24-2008, 04:59 PM
الزلزال الشديد

كان الحزب قد عين محمد نافع (ابو رامي) معتمدا للحزب في الاردن وبعد مضي فترة معينة عينه الحزب مندوبا عن القيادة في الاردن، وكان هذا الرجل يطمع في قيادة الحزب وهو في الكويت ولكن لم يستطع هناك ان يعمل شيئا لأنه لم يكن مسؤولا ولا الكويت تصلح للعمل ضد القيادة، فلما جاء الى الاردن ومعه عدد آخر من شباب الكويت وصار مسؤولا صار مثل الضابط الذي يريد ان يقوم بانقلاب لكن لكونه بعيدا عن الجيش في بلد آخر لا يستطيع العمل فاذا عاد الى البلاد وتسلم قيادة يستطيع حينئذ ان يقوم بانقلاب وهذا محمد نافع مثله مثل هذا الضابط فلما استلم عمادة الحزب أخذ يتودد الى المشرفين على الحلقات وينقل من لا يطمع في اطاعته له عن الحلقة ليلحقه بمسؤولية اخرى هو الزيارات الفردية او الجماعية ، ويكره الشباب في المسؤولين الذين هم في مكتب الامير ويتهمهم بالفساد زورا وبهتانا ويعمل على اضعاف النشاط الحزبي ويعزى هذا الضعف للقيادة حتى صور القيادة بانها صارت تهذي نتيجة للمرض العضال ويقول يجب تغييرها ولما حصل صلح وادي عربة لم يحرك ساكنا وحدث ان قتل احمد الدقامسة ست فتيات يهوديات ذهب الملك على اثرها الى اسرائيل يعزي اهلهن وشن حملة على احمد الدقامسة الذي وقف الى جانبه كل الناس في الاردن الا محمد نافع ولما وصل خبر المؤامرة على القيادة فصلت خمسة اعضاء من الحزب ومعهم محمد نافع ولكن هؤلاء كانوا قد رتبوا الامور ترتيبا دقيقا فوجدت معارضة قوية ضد القيادة واعضاء مكتب الامير.

وانتدبني الحزب للتحقيق في هذا الامر، ولم يكن لدي علم بكل ما يجري لأنه كان لي سنوات طويلة لا علاقة لي بالناحية الادارية ولا كنت اعرف محمد نافع ولا عن مسؤوليته. وبعد الاتصالات المتكررة والاجتماعات وسماعي لكثرة الانتقادات كتبت تقريرا بأن معظم الشباب ينتقدون اعضاء مكتب الامير ولكن لا دليل لهم على ذلك وانتهى الموضوع بان اصدر هؤلاء بيانا باسم حزب التحرير فصلوا عبد القديم زلوم واخاه عبد الحليم ومحمود عويضة وابو عماد وغيرهم فجاء الرد من الحزب بمقاطعة هؤلاء وفصل الكثير منهم وعدم مجالستهم او الحديث معهم باعتبارهم ناكثين للعهد ولم يمكث محمد نافع طويلا حتى وافاه اجله قبل الشيخ عبد القديم الذي كان يصفه محمد نافع بانه على وشك الموت وهو يهذي.


موت ولدي بلال وهو من شباب الحزب واعتقالي

كان رحمه الله نشيطا في حمل الدعوة كان مصابا بمرض الربو نتيجة عملية القلب المفتوح للمرة الثانية وكان قبلها قد اجري له عملية اغلاق امعاء وقبلها عملية كبد ، وعند وفاته تعبت كثيرا من الاستقبال لكثرة المعزين الذين جاءوا من انحاء عديدة ، وبعد اسبوع اعتقلتني المخابرات من وسط سوق عمان ولاحظوا على التعب فحولوني الى طبيبهم ولا ادري ماذا كان قراره الا انهم حولوني الى سجن جويدة انا ويوسف العوضي وعلي الصمادي وابو عماد ومصطفى الشاعر بتنا ليلة واحدة وفي اليوم التالي اطلقوا سراحي انا وعلي الصمادي وابو عماد وابقوا يوسف العوضي.


محاولة اعتقالي مرة اخرى

كانت المخابرات تلاحق ولدي محمدا باعتباره من حزب التحرير وبتهمة توزيع نشرات في الكرك وبعد ثلاثة اشهر جاء الى البيت ليلقوا القبض عليه، ففر منهم دون ان يروه او يدخلوا بيته وهربت انا دون ان يروني وعند التنفتيش وجدوا كتابا باسم الحزب وصادروا آلة كاتبه وانصرفوا بعد ان اخذوا اولادي عزالدين وعبد الله واحمد ونسيبي محمد دقة كان عندي في البيت واودعوهم السجن وظلوا مدة شهر وبرأتهم المحكمة اما انا وولدي محمد فقد حكمتنا المحكمة غيابيا سنتين وستة اشهر وبقينا فارين من وجه الظلم حتى صدر عفو عام بمناسبة تولي الملك عبد الله الثاني الحكم.


حادث خطير لانقلاب التركتر

كنت ذات يوم احرث في المزرعة فانقلب التركتر في منطقة وعرة وعند كومة من الحجارة الصغيرة واستقر فوق النصف الاسفل من جسمي فتهشم كوع يدي اليسرى وبدأ الدم ينزف منها وأخذت أتألم من رجلي لكونها فوق الحجارة الصغيرة وتحت ثقل التركتر وصرت انادي على جار لي في مزرعة مجاورة لعله يسمع النداء فينادي جار آخر لنا لينقذاني ولكنه كان يسمع النداء ولا يدري اين المنادي، ولما كانت يدي اليمنى طليقة اخذت اسحب الحجارة التي تحت رجلي لعلي استطيع سحبها من تحت التركتر فصرت كلما سحبت حجرا يهبط التركتر على رجلي، فصرت كلما اسحب حجرا اضعه تحت التركتر لمنعه من الهبوط فاستطعت بهذه الطريقة ان اسحب احدى رجلي. وبينما كنت على وشك سحب الرجل الاخرى واذا بجاري الذي كنت اناديه يلتفت نحوي فيرى التركتر فوقي فاقبل مسرعا وحاول رفع التركتر ولكنه لم يستطع الا مجرد تحريكه فسحبت رجلي الاخرى وأخذ بيدي فقمت وتوكأت عليه حتى وصلت الغرفة فغسلت يدي المهشمة بالماء البارد وجاء اخ لجاري ومعه سيارة فاوصلني الى الطريق العام وركبت الباص الى مادبا وهناك ارسلني احد اقاربي الى المستشفى فقطبوا جروحي وقرروا لي البقاء في المستشفى لمدة اربعة ايام. وجاءت الشرطة وحققت معي وكتبت تقريرها وبعثته الى ناعور لكون الحادث وقع في منطقة تابعة لها. فخرجت من غرفتي لأرى قرابتي واذا بشرطي يتبعني ويسألني اين تريد؟ قلت له ابحث عن قرابتي الذي احضرني بسيارته فسكت الشرطي ثم عدت الى الغرفة ثم خرجت مرة اخرى واذا الشرطي يلحقني ويسألني مرة اخرى فشككت في الامر فلما حضر اولادي الى المستشفى قلت لهم خذوا اذن لي من المستشفى بالخروج فأخذوا لي اذنا بالخروج على عاتقي لا على مسؤولية الطبيب وقلت اخرجوا بي من باب آخر بعيدا عن اعين الشرطة، يبدو ان هناك قضية امن لها علاقة بي. فخرجنا ورجعنا الى عمان وعند المساء اتصل بنا امن ناعور وطلبوا حضوري بحجة انهم يريدون اخذ كروكة في الحادث فقلت لهم بواسطة التلفون الحادث حصل داخل مزرعتي وليس على الطريق العام ثم اني انا المتضرر وليس احد غيري ولا اشتكي على احد، ولا يستطيع راكب دراجة الوصول الى ذلك المكان، فقالوا لا بد من حضورك فقلت لا احضر. فقالوا اتدري من يتكلم معك قلت لا، قال العقيد فلان قلت انعم واكرم فاذا تمكنت آتيك، وعاد واتصل في الليلة التالية فقلت لأخ لي رد عليه، فرد عليه وقال لقد رجع المطلوب الى مزرعته والتركتر تحطم، ثم كلفت شخصا ليستطلع سبب طلبهم لي فجاءني بعد ان استفسر عن السبب فقال لك اسم عندهم على الكومبيوتر مطلوب للامن، فقلت هذا الذي توقعته في المستشفى، ولكن رجلي ورمت وانتفخت، فذهبت الى مستشفى البشير واجروا لي عملية جراحية، واخرجوا الماء والدم الفاسد ووضعوا فتيلا لتسهيل التغيير عليها في الاوقات المناسبة فبقيت اغير عليها حتى شفيت.


تكليفي بمتابعة خطباء المساجد

بعد اعفاء الحزب لي من العمل للتنظيم الشعبي كلفني بمتابعة خطباء المساجد فكنت اوجه الخطباء واكتب لهم مواضيع فكرية تصلح لالقائها خطبا ودروسا في المساجد وكنت اهتم كثيرا بالافكار التي ترفع مستوى التفكير وايجاد الوعي لدى المستعمين واحض الخطباء على تنزيل ما في الخطب والدروس من افكار على الوقائع والاحداث اليومية او الاسبوعية، واحيانا اعطيهم احاديث نبوية منتقاه لافتتاح الحديث مع الناس في المساجد وفي المناسبات وبقيت مدة سنتين على ذلك حتى انهى الحزب تفرغي مع بداية عام 2004م


السعي في طلب الرزق مع بقاء تكاليف حمل الدعوة

لم استطع الاعتماد على انتاج المزرعة لأن قلة الامطار جعلت انتاج المزرعة اقل من تكاليفها، وقلة وجود عمال يخدمونها لعدم قدرتي على دفع اجورهم، جعلها تتراجع في النمو لدرجة انها في هذا العام لم يعط زيتونها شيئا، كما حصل ذلك قبل اربع سنوات اذ لم اقطف منها نصف كيلو زيتون.

فكرت في تأليف كتب فرأيت ان الكتب التي يقبل الناس على شرائها هي الكتب التي لاتقبل نفس المفكر ان يشغل نفسه بها. وكنت قد جربت سابقا في تأليفي كتاب البيوع القديمة والعاصرة الذي يستفيد منه التجار والمحامون فطبعت منه الف نسخة كلفتني النسخة 140 قرشا وقد مضى على تأليفه اربع سنوات لم احصل على اكثر من نصف تكاليفه ولا زال قسم منه عندي وقسم يقدر ب400 كتاب ما زالت عند دار البيارق التي صفاها صاحبها وهرب الى قطر والفت كتابا آخر بعنوان (الاستراتيجية الامريكية) ولم احصل حتى الان على شيء من مبيعاته.


حادث تدهور سيارتي بي

في هذا العام 2004 فقدت اعز صديق لي وكنت نهار دفنه حاضرا وكان العزاء في جمعية الدوايمة في البقعة وسهرت تلك الليلة حتى صلاة الفجر فلما رجعت من الصلاة الى من كنت ساهرا معهم وجدتهم نائمين، ولم اكن متعودا على النوم بعد الفجر، فقلت في نفسي اذهب الى اربد واحضر عددا من كتاب الاستراتيجية الامريكية . فركبت سيارتي وذهبت الى اربد واحضرت معي بعض الكتب، وفي الطريق في منطقة جرش نعست فما افقت من سهوتي الا والسيارة تنحدر بي وتهوي في الوادي حتى ارتطمت في الجبل وقلبت على اليمين فضرب رأسي في الزجاج الامامي وصدري في مقود السيارة وشد الحزام على عنقي وكتفي فحللت الحزام واخرجت قدمي من تحت الستيرنج(مقود السيارة) استعدادا لفتح الباب واذا بركاب باص قد نزلوا واحاطوا بالسيارة واقعدوها ففتحت الباب وخرجت والدم يقطر من فمي ويدي. فغسلت اماكن الجروح واسعفوني بمحارم الفاين وانقطع الدم وهنؤني بالسلامة . ومختصر الكلام انه بعد ان كنت اطمع في الاستفادة من الكتاب خسرت 600 دينار على تصليح السيارة ولكني حمدت الله على السلامة.


يتبع