هنا الحقيقه
02-26-2008, 05:29 PM
فصل من فصول كتاب
السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية
لشيخ الاسلام ابن تيمية
وسوف اتبعه ببعض الفصول ان شاء الله
الفصل الثامن وجوب اتخاذ الإمارة :
يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم{ إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم }رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم}
فاوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقو وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض ويقال ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان والتجربة تبين ذلك ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان وقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله يرضى لكم ثلاثة أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم} رواه مسلم وقال {ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العلم لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم} رواه أهل السنن وفي الصحيح عنه أنه قال {الدين النصحية الدين النصحية الدين النصحية قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة السلمين وعامتهم }فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس
لابتغاء الرياسة أو المال بها وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال{ ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال أو الشرف لدينه} قال الترمذي حديث حسن صحيح فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه مثل أو أكثر من إرسال الذئبين الجائعين لزريبة الغنم وقد أخبر الله تعالى عن الذي يؤتى كتابه بشماله أنه يقول {ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون وجامع المال أن يكون كقارون وقد بين الله تعالى في كتابه حال فرعون وقارون فقال تعالى{ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} وقال تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين }
فإن الناس أربعة أقسام:
القسم الأول يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض:
هو معصية الله وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون كفرعون وحزبه وهؤلاء هم شرار الخلق قال الله تعالى{ إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين} وروى مسلم في صحيحه عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه ذرة من إيمان فقال رجل يا رسول الله إني احب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا أفمن الكبر ذاك قال لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس} فبطر الحق دفعه وجحده وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم وهذا حال من يريد العلو والفساد
والقسم الثاني الذين يريدون الفساد بلا علو :كالسراق المجرمين من سفلة الناس
والقسم الثالث يريد العلو بلا فساد :كالذين عندهم دين يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس
وأما القسم الرابع فهم أهل الجنة الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا :
مع أنهم قد يكونون أعلى غيرهم كما قال الله تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }وقال تعالى{ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم وقال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين }فكم ممن يريد العلو ولا يزيده ذلك إلا سفولا وكم ممن جعل من الأعلين وهو لا يريد العلو والفساد وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم لأن
الناس من جنس واحد فإرادة الإنسان أن يكون هو العلى ونظيره تحته ظلم ومع إنه ظلم فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادونه لأن العادل منهم لا يجب أن يكون مقهورا لنظيره وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر ثم إنه مع هذا لا بد له في العقل والدين من أن يكون بعضهم فوق بعض كما قدمناه كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس قال تعالى {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبولكم فيما آتاكم} وقال تعالى {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا }فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإنفاق ذلك في سبيله كان ذلك صلاح الدين والدنيا وإن انفرد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس وإنما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنية والعمل الصالح كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف صاروا بمعزل عن حقيقة الايمان وكمال الدين ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به من ذلك ومنهم من رأى حاجته على ذلك فأخذه معرضا عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل لا في ملح العلو والعز وكذلك لما غلب على كثير من أهل الديانتين العجز عن تكميل الدين الجزع
السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية
لشيخ الاسلام ابن تيمية
وسوف اتبعه ببعض الفصول ان شاء الله
الفصل الثامن وجوب اتخاذ الإمارة :
يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم{ إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم }رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم}
فاوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقو وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض ويقال ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان والتجربة تبين ذلك ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان وقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله يرضى لكم ثلاثة أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم} رواه مسلم وقال {ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العلم لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم} رواه أهل السنن وفي الصحيح عنه أنه قال {الدين النصحية الدين النصحية الدين النصحية قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة السلمين وعامتهم }فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس
لابتغاء الرياسة أو المال بها وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال{ ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال أو الشرف لدينه} قال الترمذي حديث حسن صحيح فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه مثل أو أكثر من إرسال الذئبين الجائعين لزريبة الغنم وقد أخبر الله تعالى عن الذي يؤتى كتابه بشماله أنه يقول {ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون وجامع المال أن يكون كقارون وقد بين الله تعالى في كتابه حال فرعون وقارون فقال تعالى{ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} وقال تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين }
فإن الناس أربعة أقسام:
القسم الأول يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض:
هو معصية الله وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون كفرعون وحزبه وهؤلاء هم شرار الخلق قال الله تعالى{ إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين} وروى مسلم في صحيحه عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه ذرة من إيمان فقال رجل يا رسول الله إني احب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا أفمن الكبر ذاك قال لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس} فبطر الحق دفعه وجحده وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم وهذا حال من يريد العلو والفساد
والقسم الثاني الذين يريدون الفساد بلا علو :كالسراق المجرمين من سفلة الناس
والقسم الثالث يريد العلو بلا فساد :كالذين عندهم دين يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس
وأما القسم الرابع فهم أهل الجنة الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا :
مع أنهم قد يكونون أعلى غيرهم كما قال الله تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }وقال تعالى{ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم وقال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين }فكم ممن يريد العلو ولا يزيده ذلك إلا سفولا وكم ممن جعل من الأعلين وهو لا يريد العلو والفساد وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم لأن
الناس من جنس واحد فإرادة الإنسان أن يكون هو العلى ونظيره تحته ظلم ومع إنه ظلم فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادونه لأن العادل منهم لا يجب أن يكون مقهورا لنظيره وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر ثم إنه مع هذا لا بد له في العقل والدين من أن يكون بعضهم فوق بعض كما قدمناه كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس قال تعالى {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبولكم فيما آتاكم} وقال تعالى {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا }فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإنفاق ذلك في سبيله كان ذلك صلاح الدين والدنيا وإن انفرد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس وإنما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنية والعمل الصالح كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف صاروا بمعزل عن حقيقة الايمان وكمال الدين ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به من ذلك ومنهم من رأى حاجته على ذلك فأخذه معرضا عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل لا في ملح العلو والعز وكذلك لما غلب على كثير من أهل الديانتين العجز عن تكميل الدين الجزع