مقاوم
04-07-2008, 02:19 PM
أفغانستان: أضعف دولة في العالم تهزم أكبر قوتين عسكريتين .. السوفيت والناتو !
كتب أ. محمد جمال عرفة
http://qawim.net/images/stories/pray.jpg
http://qawim.net/exq.gif من عجائب الدنيا – ودروسها – أن أضعف وأفقر دولة في العالم وهي أفغانستان ، نجحت في هزيمة أكبر قوتين عسكريتين في العالم .. السوفييت عندنا هزم مجاهدوها جنود الدب الروسي الأحمر ، ثم الأمريكان ومن خلفهم حلف الناتو الذين أنهكتهم ضربات حركة (طالبان) التي ضربوها في عام 2001 وها هي الآن تعود لتسيطر على المدن الأفغانية واحدة تلو الأخرى كسيرتها الأولى.
ومن غرائب المقاومة الأفغانية أنها لا تكل ولا تمل ولا يفرق معها قتل قادتها أو اعتقالهم – كما حدث مع القائدين العسكريين الأخيرين لحركة طالبان اللذان قتل أحدهما وأعتقل الباكستانيون الأخر - وأنها قادرة علي تجديد تحالفتها وعلي شق عصا خصومها في بعض الأحيان حتى أنه ليمكن القول أن أحد أسباب تصاعد قوة طالبان مؤخرا وسيطرتها علي عدة مدن وزيادة هجماتها على قوات الناتو وإسقاط طائراته يرجع لتحالفات أخرى تجري ربما مع عناصر في الاستخبارات الباكستانية نفسها.
طالبان لم تنهزم فعليا في أفغانستان منذ الغزو الأمريكي للبلاد ردا علي هجمات 11 سبتمبر 2001 ، لأن قواتها غير نظامية وانسحبت بأغلبها إلي الجبال ، ولهذا ظلت فيها الحياة ، كما أن الفصائل الأفغانية الأخرى التي حاربت السوفييت خصوصا حكمتيار وجلال الدين حقاني تقف معها في خندق واحد لمحاربة الغزو الأمريكي والفصائل التي دخلت أفغانستان على أبراج دبابات الناتو.
ولهذا فالحرب استمرت منذ ذلك الحين بين الكر والفر ، وهي حروب استنزاف مرهقة لأمريكا والغرب الذين تصوروا أن مهمتهم ستقتصر علي تثبت حكومة الرئيس الحالي كارزاي لتحمل عنهم عبء قتال من تبقى من المقاومة الأفغانية ثم يرحلوا ، فإذا بهم يتورطون في مستنقع كالعراق ولكن هذه المرة في أفغانستان التي خطفت المقاومة فيها في السنتين الماضيتين الأضواء من المقاومة العراقية بسبب عملياتها العسكرية المتصاعدة !.
والمؤشر الأوضح على هذا هو طلب قوات الناتو الرحيل ومناشدة الأمريكان لهم البقاء وزيادة قواتهم وإلا ستعود طالبان للسيطرة علي كل البلاد ، فضلا عن طلب رئيس الدولة الأفغانية نفسه حامد كارزاي من طالبان التفاوض عدة مرات باعتبارها أكبر قوة مقاومة بعدما كان يتغني بالقضاء علي كل أنصار طالبان وتطهير البلاد منهم بسلاح حلف الناتو !.
كفاية .. حان وقت الانسحاب !
بل إن الأصوات بدأت ترتفع في الغرب مطالبة بسحب القوات ، وخرجت عشرات الصحف تقول "كفاية .. اسحبوا القوات " ، منها صحيفة "تايمز" البريطانية التي كتبت تقول في أوائل فبراير الماضي 2008 :" كفاية..حان وقت حزم الأمتعة ومغادرة أفغانستان " ، مؤكده أن الوجود البريطاني بأفغانستان "عديم الفائدة" وحان وقت الانسحاب منها, دعوة أطلقها أحد أبرز صحفيي تايمز البريطانية, فيما نوهت "الجارديان" لتسول أمريكا مزيد من القوات من حلف الناتو لتعزيز قواتها بأفغانستان خصوصا في ظل الخلافات بين دول الناتو هناك بشأن جدوي الحرب وتهديد كندا بالانسحاب بسبب مقتل المزيد من جنودها هناك.
فلم يخجل المحلل السياسي البريطاني "ماثيو باريس" من التساؤل في صحيفة تايمز : عن سر عدم الاعتراف بشجاعة بالعجز في أفغانستان ، مؤكدا أن الوضع هناك ميئوس منه و"نحن البريطانيين وصلنا إلى حدود ما يمكننا إنجازه بالقوة, ولا يهمني ما يراه الأميركيون أو غيرهم .. فلم يعد يجدي إرسالنا لمزيد من القوات إلى أفغانستان, إذ لم يعد لدينا من الجنود ما يمكننا الاستغناء عنه وجنودنا المرابطون في جبهة هلمند بأفغانستان منهكون".
ويقول : "إن آخر التقارير الواردة من أفغانستان وخاصة تقرير منظمة أوكسفام ترسم صورة لبلد عاجز, مما يعني أن ما يقوم به البريطانيون حاليا هو إبقاء آلاف الجنود منتشرين بصورة دائمة في مكان متوحش, موفرين دعما غير محدود لنظام حكومي (كرزاي) هو في الواقع مجرد ألعوبة.
ويقر بأن "البريطانيين فشلوا في أفغانستان وأن فشلهم يصاحبه موت عناصر قواتهم" ، ويطالب وزير الخارجية البريطاني باتخاذ قرار حاسم خلال هذا العام وأن يطرح الانسحاب الكلي من أفغانستان خيارا حقيقيا حتى يفهم حلفاء بريطانيا أنها لن تبقى في هلمند تفقد من حين لآخر جنديا هنا أو جنديين هناك ويطرد جنودها من قرية هنا ويستعيدون أخرى هناك، إلى ما لا نهاية " !.
والأخطر أنه على حين تناقش في العديد من الدولة الغربية – خصوصا بريطانيا وكندا - فكرة الانسحاب كليا من أفغانستان ، يصرخ الأمريكان مطالبين بإرسال المزيد من القوات لقمع المقاومة الأفغانية ويحذر قادتهم من انتصار محتمل للمقاومة هناك يظهر التحالف الغربي بالفشل ويعتبر انتصارا للمتطرفين ولبن لادن.
فوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس زارت لندن للتصدي لدعوات سحب القوات البريطانية من هناك والمطالبة بتعزيزات قوات الناتو بأفغانستان، وهناك بوادر تصدع واضحة في قوات التحالف الغربي بأفغانستان لأن ألمانيا رفضت الانصياع للطلب الأميركي بإرسال جزء من قواتها المرابطة في شمال أفغانستان الهادئ نسبيا إلى جنوبها المضطرب الذين تسيطر عليه طالبان ، وتفاقمت الأزمة أكثر بتهديد كندا بسحب قواتها من أفغانستان إذا لم تقدم دول الحلف الأخرى تعزيزات لقواتها ، كما أن هناك تفكير هولندي بسحب قواتهم فالجنود الهولنديون بأفغانستان سيواجهون مزيدا من التهديدات إذا ما سمحت بلادهم ببث فيلم جديد مسيء للإسلام, وسينظر الأفغان إليهم بوصفهم ممثلين للشعب الذي يسيء إلى القرآن.
أيضا لم يخجل قائد قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) الجنرال جيمس كونواي من القول في فبراير الماضي 2008 أن "وزارة الدفاع (الأمريكية) لا تملك صورة واضحة عن حالة الحرب في أفغانستان, مرجعا ذلك إلى إعطاء القادة الأميركيين بالميدان تقييما إيجابيا في الوقت الذي تشير فيه تقارير الاستخبارات لوضع أكثر سلبية" !.
وكشف الفشل الأمريكي بقوله : "أن القادة الأميركيين أشاروا إلى إحراز تقدم من أبرزه إخفاق مقاتلي طالبان في شن هجوم في فصلي الربيع والصيف الماضيين, بالإضافة إلى مقتل عدد من قادة الحركة, مخالفين بذلك تقارير أظهرت تزايد وتيرة هجمات طالبان والخسائر البشرية واتساع الأراضي المسيطر عليها وتأثير الحركة على القبائل الأفغانية ".!!
وهو نفس ما قاله وزير الدفاع الأسترالي جويل فيتزجيبون : "نحن نكسب المعارك لا الحرب، وليس لتطهير بعض المناطق من طالبان أثر إستراتيجي" خصوصا أن تقرير مركز "سينليس كاونسل" للبحوث أكد إن أكثر من خمسين في المائة من الأراضي الأفغانية تحت سيطرة طالبان !.
بل إن رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون دعا بدوره علنا إلى التفاوض مع طالبان، وهو ما صنعته المخابرات البريطانية بالفعل جنوب أفغانستان حيث تسيطر طالبان على عدد من المحافظات.
كارزاي يطلب التفاوض:
ومع تكرار الهزائم المتكررة لقوات الاحتلال في العراق وأثارها النفسية علي الوضع في أفغانستان ، واستمرار ضربات المقاومة الخاطفة وعودتها للسيطرة التدريجية علي عدة من أفغانية ، فضلا عن مطالبة دول قوات حلف الناتو العودة لبلادها ، باتت المشكلة أكثر تعقيدا، ووصل الأمر لحد مطالبة حامد كرزاي رئيس نظام كابل يوم 11/9/2007م على "ضرورة إجراء محادثات مع حركة طالبان التي تعتبر الفصيل الأكبر من بين فصائل المقاومة المسلحة في أفغانستان".
وهي دعوة بدأت تتكرر مؤخرا انطلاقا من الرئاسة الأفغانية ، وربما الجديد هو الرد الإيجابي لحركة طالبان على لسان ناطقها الرسمي القاري محمد يوسف أحمدي يوم 13/9/2007م ، وتفاوض طالبان مع الأمم المتحدة لإطلاق صراح مختطفين مباشرة بدون أي دور لحكومة كارزاي ، وظهور بوادر تحالفات قبلية بين قبائل وحركة طالبان يعود بمقتضاها أنصار الحركة للمدن المختلفة بدلا من القتال.
فما هو غير معلوم أن حلفاء الرئيس قرضاي أو كرازي من الفصائل الأفغانية السابقة خصوصا جناح القائد شاه مسعود وعدة أحزاب أخري ممن قبلوا المشاركة في الحكم عقب الغزو الأمريكي للبلاد ، قبلوا وشاركوا لأنهم يتوقعون أن يعود الأمريكان والناتو لبلادهم لاحقا وأن يكون دورهم قاصرا علي حماية كابول من طالبان، ولكن ما حدث هو أن القوات وقوات الناتو تورطت في العديد من جرائم قتل الأبرياء وقصف المدن الأفغانية بصورة متكررة بحجة قتال طالبان ما أثار استياء كل الأفغان وزاد النقمة علي قوات الاحتلال التي باتت محاطة بسيل من الرفض والكراهية لوجودها هناك.
والفريق الذي ساند الاحتلال الأمريكي من الفصائل الأفغانية خصوصا فصيلي النائب الأول للرئيس الأفغاني أحمد ضياء مسعود، أخو القائد الراحل أحمد شاه مسعود وزوج ابنة برهان الدين رباني، والنائب الثاني للرئيس الأفغاني عبد الكريم خليلي رئيس حزب الوحدة الشعبي، وغيرهم قبلوا بالوجود الأمريكي لعدائهم الشديد لحركة طالبان أو الحزب الإسلامي التابع لحكمتيار، ولكنهم بدءوا يستشعرون خطر الأمريكان علي شعبيتهم التي تتقلص بفعل الجرائم الأمريكية.
فاستعمال القوة العسكرية من قبل الأمريكان بكل أشكالها، وقتل الآلاف من النساء والأطفال والرجال، وتدمير القرى بكاملها وإبادتها، خاصة في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية حيث تدور أحداث الحرب الحالية، واقتحام قوات الاحتلال الأمريكي لمنازل الأفغان ليلا وهم نائمون، وعدم المبالاة حتي بالاحتجاجات التي قدمها كرزاي نفسه أكثر من مرة .. كلها أمور زادت الضغوط الشعبية على هذه الفصائل وعلي كرزاي نتيجة الأعمال الهمجية التي ترتكبها القوات الأمريكية والأوربية المرعوبة من المقاومة.
وربما لهذا يتخوف كارزاي من أن يأتي يوماً ينفض فيه تحالف القوي والفصائل الأفغانية الحالية وتتقاتل فيما بينها ، ويتخوف أكثر من أن تكون خلافات حلف الناتو وتوقعات سحب دول لقواتها ستعطي طالبان الفرصة للانقضاض علي كابول خصوصا أنها لا توفر مدينة أو العاصمة من عملياتها وتفجيراتها وهجماتها علي القوات الأجنبية وقوات الحكومة ، وربما هذا سر إلحاحه المتكرر علي طلب التفاوض مع طالبان لأن الجميع يعلم أن القوة لن تحل المشكلة أو علي الأقل ستكون في صالح طالبان مع مرور الوقت.
فلا أحد يثق في ما قاله قادة القوات العسكرية الأجنبية في أفغانستان من أنهم يتوقعون في عام 2008 انفراجا في الوضع العسكري المتأزم بعد أن كان عام 2007 أكثر "دموية" من سواه – بالنسبة للقوات الأجنبية - فقد سقط خلاله وفق البيانات الرسمية زهاء 330 قتيلا من الجنود الأجانب، وسقط فيه أكثر من ستة آلاف ضحية من المدنيين، وشهدت أفغانستان ما يزيد على ذلك في السنوات الست الماضية على بداية الغزو الأمريكي، حيث سقط ألوف مؤلفة من الضحايا الأفغان، وشرد مئات الألوف وهدمت ملايين المنازل.
ففي الشهرين الأولين من العام الجديد سقط المزيد والمزيد من القوات الأجنبية قتلي في أفغانستان ، وجري الهجوم علي عشرات المواقع والحملات الغربية في عدة مدن أفغانية ، وربما ما يقلل من تزايد عدد القتلي الأن هو رفض القوات الغربية الخدمة في المناطق الجنوبية حيث تسيطر طالبان فعليا وتدور أبرز المواجهات !.
إن الدرس الذي تقدمه المقاومة في أفغانستان هو الصبر والجلد والتحمل والثبات علي المقاومة ، لأن المقاومة صاحبة حق في حمل السلاح وصاحبة حق في الدفاع عن أرض بلادها ، ومهما مرت السنون فالاحتلال إلى زوال وجنوده إلي جنون وفرار وحلفهم العسكري إلي تصدع وانهيار.
ولكن الدرس الأخر الذي تقدمه أفغانستان هو أنه ما لم توحد قوي المقاومة جهدها ويسعي أهل البلد لتوحيد صفوفهم ، فلن يزيد الانسحاب الأجنبي من بلادهم أحوالهم سوى مزيد من الفوضى والصراعات الداخلية علي السلطة وعلي النفوذ ، والدرس الأفغاني بعد الانسحاب السوفيتي كان واضحا في تقاتل فصائل المقاومة حتى سيطرة طالبان (الموحدة) علي الحكم، كما أن عودة الاحتلال بتشجيع جانب من الفصائل معناه إعطاء فرصة للمحتل أن يدعي أنه جاء بطلب من أهل البلد !.
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2305&Itemid=1
كتب أ. محمد جمال عرفة
http://qawim.net/images/stories/pray.jpg
http://qawim.net/exq.gif من عجائب الدنيا – ودروسها – أن أضعف وأفقر دولة في العالم وهي أفغانستان ، نجحت في هزيمة أكبر قوتين عسكريتين في العالم .. السوفييت عندنا هزم مجاهدوها جنود الدب الروسي الأحمر ، ثم الأمريكان ومن خلفهم حلف الناتو الذين أنهكتهم ضربات حركة (طالبان) التي ضربوها في عام 2001 وها هي الآن تعود لتسيطر على المدن الأفغانية واحدة تلو الأخرى كسيرتها الأولى.
ومن غرائب المقاومة الأفغانية أنها لا تكل ولا تمل ولا يفرق معها قتل قادتها أو اعتقالهم – كما حدث مع القائدين العسكريين الأخيرين لحركة طالبان اللذان قتل أحدهما وأعتقل الباكستانيون الأخر - وأنها قادرة علي تجديد تحالفتها وعلي شق عصا خصومها في بعض الأحيان حتى أنه ليمكن القول أن أحد أسباب تصاعد قوة طالبان مؤخرا وسيطرتها علي عدة مدن وزيادة هجماتها على قوات الناتو وإسقاط طائراته يرجع لتحالفات أخرى تجري ربما مع عناصر في الاستخبارات الباكستانية نفسها.
طالبان لم تنهزم فعليا في أفغانستان منذ الغزو الأمريكي للبلاد ردا علي هجمات 11 سبتمبر 2001 ، لأن قواتها غير نظامية وانسحبت بأغلبها إلي الجبال ، ولهذا ظلت فيها الحياة ، كما أن الفصائل الأفغانية الأخرى التي حاربت السوفييت خصوصا حكمتيار وجلال الدين حقاني تقف معها في خندق واحد لمحاربة الغزو الأمريكي والفصائل التي دخلت أفغانستان على أبراج دبابات الناتو.
ولهذا فالحرب استمرت منذ ذلك الحين بين الكر والفر ، وهي حروب استنزاف مرهقة لأمريكا والغرب الذين تصوروا أن مهمتهم ستقتصر علي تثبت حكومة الرئيس الحالي كارزاي لتحمل عنهم عبء قتال من تبقى من المقاومة الأفغانية ثم يرحلوا ، فإذا بهم يتورطون في مستنقع كالعراق ولكن هذه المرة في أفغانستان التي خطفت المقاومة فيها في السنتين الماضيتين الأضواء من المقاومة العراقية بسبب عملياتها العسكرية المتصاعدة !.
والمؤشر الأوضح على هذا هو طلب قوات الناتو الرحيل ومناشدة الأمريكان لهم البقاء وزيادة قواتهم وإلا ستعود طالبان للسيطرة علي كل البلاد ، فضلا عن طلب رئيس الدولة الأفغانية نفسه حامد كارزاي من طالبان التفاوض عدة مرات باعتبارها أكبر قوة مقاومة بعدما كان يتغني بالقضاء علي كل أنصار طالبان وتطهير البلاد منهم بسلاح حلف الناتو !.
كفاية .. حان وقت الانسحاب !
بل إن الأصوات بدأت ترتفع في الغرب مطالبة بسحب القوات ، وخرجت عشرات الصحف تقول "كفاية .. اسحبوا القوات " ، منها صحيفة "تايمز" البريطانية التي كتبت تقول في أوائل فبراير الماضي 2008 :" كفاية..حان وقت حزم الأمتعة ومغادرة أفغانستان " ، مؤكده أن الوجود البريطاني بأفغانستان "عديم الفائدة" وحان وقت الانسحاب منها, دعوة أطلقها أحد أبرز صحفيي تايمز البريطانية, فيما نوهت "الجارديان" لتسول أمريكا مزيد من القوات من حلف الناتو لتعزيز قواتها بأفغانستان خصوصا في ظل الخلافات بين دول الناتو هناك بشأن جدوي الحرب وتهديد كندا بالانسحاب بسبب مقتل المزيد من جنودها هناك.
فلم يخجل المحلل السياسي البريطاني "ماثيو باريس" من التساؤل في صحيفة تايمز : عن سر عدم الاعتراف بشجاعة بالعجز في أفغانستان ، مؤكدا أن الوضع هناك ميئوس منه و"نحن البريطانيين وصلنا إلى حدود ما يمكننا إنجازه بالقوة, ولا يهمني ما يراه الأميركيون أو غيرهم .. فلم يعد يجدي إرسالنا لمزيد من القوات إلى أفغانستان, إذ لم يعد لدينا من الجنود ما يمكننا الاستغناء عنه وجنودنا المرابطون في جبهة هلمند بأفغانستان منهكون".
ويقول : "إن آخر التقارير الواردة من أفغانستان وخاصة تقرير منظمة أوكسفام ترسم صورة لبلد عاجز, مما يعني أن ما يقوم به البريطانيون حاليا هو إبقاء آلاف الجنود منتشرين بصورة دائمة في مكان متوحش, موفرين دعما غير محدود لنظام حكومي (كرزاي) هو في الواقع مجرد ألعوبة.
ويقر بأن "البريطانيين فشلوا في أفغانستان وأن فشلهم يصاحبه موت عناصر قواتهم" ، ويطالب وزير الخارجية البريطاني باتخاذ قرار حاسم خلال هذا العام وأن يطرح الانسحاب الكلي من أفغانستان خيارا حقيقيا حتى يفهم حلفاء بريطانيا أنها لن تبقى في هلمند تفقد من حين لآخر جنديا هنا أو جنديين هناك ويطرد جنودها من قرية هنا ويستعيدون أخرى هناك، إلى ما لا نهاية " !.
والأخطر أنه على حين تناقش في العديد من الدولة الغربية – خصوصا بريطانيا وكندا - فكرة الانسحاب كليا من أفغانستان ، يصرخ الأمريكان مطالبين بإرسال المزيد من القوات لقمع المقاومة الأفغانية ويحذر قادتهم من انتصار محتمل للمقاومة هناك يظهر التحالف الغربي بالفشل ويعتبر انتصارا للمتطرفين ولبن لادن.
فوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس زارت لندن للتصدي لدعوات سحب القوات البريطانية من هناك والمطالبة بتعزيزات قوات الناتو بأفغانستان، وهناك بوادر تصدع واضحة في قوات التحالف الغربي بأفغانستان لأن ألمانيا رفضت الانصياع للطلب الأميركي بإرسال جزء من قواتها المرابطة في شمال أفغانستان الهادئ نسبيا إلى جنوبها المضطرب الذين تسيطر عليه طالبان ، وتفاقمت الأزمة أكثر بتهديد كندا بسحب قواتها من أفغانستان إذا لم تقدم دول الحلف الأخرى تعزيزات لقواتها ، كما أن هناك تفكير هولندي بسحب قواتهم فالجنود الهولنديون بأفغانستان سيواجهون مزيدا من التهديدات إذا ما سمحت بلادهم ببث فيلم جديد مسيء للإسلام, وسينظر الأفغان إليهم بوصفهم ممثلين للشعب الذي يسيء إلى القرآن.
أيضا لم يخجل قائد قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) الجنرال جيمس كونواي من القول في فبراير الماضي 2008 أن "وزارة الدفاع (الأمريكية) لا تملك صورة واضحة عن حالة الحرب في أفغانستان, مرجعا ذلك إلى إعطاء القادة الأميركيين بالميدان تقييما إيجابيا في الوقت الذي تشير فيه تقارير الاستخبارات لوضع أكثر سلبية" !.
وكشف الفشل الأمريكي بقوله : "أن القادة الأميركيين أشاروا إلى إحراز تقدم من أبرزه إخفاق مقاتلي طالبان في شن هجوم في فصلي الربيع والصيف الماضيين, بالإضافة إلى مقتل عدد من قادة الحركة, مخالفين بذلك تقارير أظهرت تزايد وتيرة هجمات طالبان والخسائر البشرية واتساع الأراضي المسيطر عليها وتأثير الحركة على القبائل الأفغانية ".!!
وهو نفس ما قاله وزير الدفاع الأسترالي جويل فيتزجيبون : "نحن نكسب المعارك لا الحرب، وليس لتطهير بعض المناطق من طالبان أثر إستراتيجي" خصوصا أن تقرير مركز "سينليس كاونسل" للبحوث أكد إن أكثر من خمسين في المائة من الأراضي الأفغانية تحت سيطرة طالبان !.
بل إن رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون دعا بدوره علنا إلى التفاوض مع طالبان، وهو ما صنعته المخابرات البريطانية بالفعل جنوب أفغانستان حيث تسيطر طالبان على عدد من المحافظات.
كارزاي يطلب التفاوض:
ومع تكرار الهزائم المتكررة لقوات الاحتلال في العراق وأثارها النفسية علي الوضع في أفغانستان ، واستمرار ضربات المقاومة الخاطفة وعودتها للسيطرة التدريجية علي عدة من أفغانية ، فضلا عن مطالبة دول قوات حلف الناتو العودة لبلادها ، باتت المشكلة أكثر تعقيدا، ووصل الأمر لحد مطالبة حامد كرزاي رئيس نظام كابل يوم 11/9/2007م على "ضرورة إجراء محادثات مع حركة طالبان التي تعتبر الفصيل الأكبر من بين فصائل المقاومة المسلحة في أفغانستان".
وهي دعوة بدأت تتكرر مؤخرا انطلاقا من الرئاسة الأفغانية ، وربما الجديد هو الرد الإيجابي لحركة طالبان على لسان ناطقها الرسمي القاري محمد يوسف أحمدي يوم 13/9/2007م ، وتفاوض طالبان مع الأمم المتحدة لإطلاق صراح مختطفين مباشرة بدون أي دور لحكومة كارزاي ، وظهور بوادر تحالفات قبلية بين قبائل وحركة طالبان يعود بمقتضاها أنصار الحركة للمدن المختلفة بدلا من القتال.
فما هو غير معلوم أن حلفاء الرئيس قرضاي أو كرازي من الفصائل الأفغانية السابقة خصوصا جناح القائد شاه مسعود وعدة أحزاب أخري ممن قبلوا المشاركة في الحكم عقب الغزو الأمريكي للبلاد ، قبلوا وشاركوا لأنهم يتوقعون أن يعود الأمريكان والناتو لبلادهم لاحقا وأن يكون دورهم قاصرا علي حماية كابول من طالبان، ولكن ما حدث هو أن القوات وقوات الناتو تورطت في العديد من جرائم قتل الأبرياء وقصف المدن الأفغانية بصورة متكررة بحجة قتال طالبان ما أثار استياء كل الأفغان وزاد النقمة علي قوات الاحتلال التي باتت محاطة بسيل من الرفض والكراهية لوجودها هناك.
والفريق الذي ساند الاحتلال الأمريكي من الفصائل الأفغانية خصوصا فصيلي النائب الأول للرئيس الأفغاني أحمد ضياء مسعود، أخو القائد الراحل أحمد شاه مسعود وزوج ابنة برهان الدين رباني، والنائب الثاني للرئيس الأفغاني عبد الكريم خليلي رئيس حزب الوحدة الشعبي، وغيرهم قبلوا بالوجود الأمريكي لعدائهم الشديد لحركة طالبان أو الحزب الإسلامي التابع لحكمتيار، ولكنهم بدءوا يستشعرون خطر الأمريكان علي شعبيتهم التي تتقلص بفعل الجرائم الأمريكية.
فاستعمال القوة العسكرية من قبل الأمريكان بكل أشكالها، وقتل الآلاف من النساء والأطفال والرجال، وتدمير القرى بكاملها وإبادتها، خاصة في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية حيث تدور أحداث الحرب الحالية، واقتحام قوات الاحتلال الأمريكي لمنازل الأفغان ليلا وهم نائمون، وعدم المبالاة حتي بالاحتجاجات التي قدمها كرزاي نفسه أكثر من مرة .. كلها أمور زادت الضغوط الشعبية على هذه الفصائل وعلي كرزاي نتيجة الأعمال الهمجية التي ترتكبها القوات الأمريكية والأوربية المرعوبة من المقاومة.
وربما لهذا يتخوف كارزاي من أن يأتي يوماً ينفض فيه تحالف القوي والفصائل الأفغانية الحالية وتتقاتل فيما بينها ، ويتخوف أكثر من أن تكون خلافات حلف الناتو وتوقعات سحب دول لقواتها ستعطي طالبان الفرصة للانقضاض علي كابول خصوصا أنها لا توفر مدينة أو العاصمة من عملياتها وتفجيراتها وهجماتها علي القوات الأجنبية وقوات الحكومة ، وربما هذا سر إلحاحه المتكرر علي طلب التفاوض مع طالبان لأن الجميع يعلم أن القوة لن تحل المشكلة أو علي الأقل ستكون في صالح طالبان مع مرور الوقت.
فلا أحد يثق في ما قاله قادة القوات العسكرية الأجنبية في أفغانستان من أنهم يتوقعون في عام 2008 انفراجا في الوضع العسكري المتأزم بعد أن كان عام 2007 أكثر "دموية" من سواه – بالنسبة للقوات الأجنبية - فقد سقط خلاله وفق البيانات الرسمية زهاء 330 قتيلا من الجنود الأجانب، وسقط فيه أكثر من ستة آلاف ضحية من المدنيين، وشهدت أفغانستان ما يزيد على ذلك في السنوات الست الماضية على بداية الغزو الأمريكي، حيث سقط ألوف مؤلفة من الضحايا الأفغان، وشرد مئات الألوف وهدمت ملايين المنازل.
ففي الشهرين الأولين من العام الجديد سقط المزيد والمزيد من القوات الأجنبية قتلي في أفغانستان ، وجري الهجوم علي عشرات المواقع والحملات الغربية في عدة مدن أفغانية ، وربما ما يقلل من تزايد عدد القتلي الأن هو رفض القوات الغربية الخدمة في المناطق الجنوبية حيث تسيطر طالبان فعليا وتدور أبرز المواجهات !.
إن الدرس الذي تقدمه المقاومة في أفغانستان هو الصبر والجلد والتحمل والثبات علي المقاومة ، لأن المقاومة صاحبة حق في حمل السلاح وصاحبة حق في الدفاع عن أرض بلادها ، ومهما مرت السنون فالاحتلال إلى زوال وجنوده إلي جنون وفرار وحلفهم العسكري إلي تصدع وانهيار.
ولكن الدرس الأخر الذي تقدمه أفغانستان هو أنه ما لم توحد قوي المقاومة جهدها ويسعي أهل البلد لتوحيد صفوفهم ، فلن يزيد الانسحاب الأجنبي من بلادهم أحوالهم سوى مزيد من الفوضى والصراعات الداخلية علي السلطة وعلي النفوذ ، والدرس الأفغاني بعد الانسحاب السوفيتي كان واضحا في تقاتل فصائل المقاومة حتى سيطرة طالبان (الموحدة) علي الحكم، كما أن عودة الاحتلال بتشجيع جانب من الفصائل معناه إعطاء فرصة للمحتل أن يدعي أنه جاء بطلب من أهل البلد !.
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2305&Itemid=1