تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إقفال 75% من مزارع الأبقار في البقاع



أم ورقة
04-14-2008, 05:53 PM
«الحليب» ينضب وتربية المواشي «تدخلك السجن» والمعامل تستغل المزارعين
http://www.al-akhbar.com/files/images/p11_20080412_pic1.full.jpgمزارع بقاعي بين أبقاره
البقاع ــ أسامة القادري
تبدو حال قطاع تربية الأبقار في سهل البقاع على هذا النحو: كارثة طالت مختلف المزارعين، سواء كانوا من الذين يملكون رساميل موظّفة في قطاع تربية الأبقار، أو الذين يملكون مزارع بسيطة، وحتى الذين لا يملكون سوى «عملهم»، مسّت بهم الخسائر «بالجملة» وبات الجميع عاطلاً عن العمل. بينما المستفيد الأكبر هو معامل الألبان الكبرى
لم تنته خسائر مزارعي البقاع عند التبدّلات المناخية التي طرأت على لبنان هذا العام، وعدوان تمّوز قبلها. فقد أتت الزيادات المضاعقة على أسعار الحبوب عالمياً وارتفاع سعر اليورو، إضافة إلى المعوقات أمام القطاع الزراعي وغياب الخطط الوقائية، لتزيدها. فكانت النتيجة أنّ 60 في المئة من قطيع أبقار الحلوب قد بيعَ: 35 في المئة منه إلى المذبح منذ 4 أشهر حتى اليوم، فيما ابتاعت الـ25 في المئة المتبقية معامل الألبان الكبرى بأقلّ من الكلفة الحقيقيّة، مستغلة الوضع المتردّي للمزارعين، ما استدعى نشر سماسرتها بين المزارع لمساومتهم على الكميّة المتبقية منها.
إقفال بالجملة
وهكذا أقفلت حتى الآن 301 «وحدة منتجة للحليب» (مزرعة أو زريبة) من أصل 400 وحدة، و«الحبل عالجرار». والأسباب تعود إلى السياسة الاقتصادية المتبعة، ونتيجة الغياب الكلّي لروزنامة الأمن الغذائي المفترضة من قبل الحكومة ووزارة الاقتصاد تحديداً، ليبدو الأمر كأنّه مؤامرة بين الحكومة وأصحاب المعامل على مزارعي هذا القطاع. هذا ما أجمع عليه أصحاب المزارع في حديثهم لـ«الأخبار»، مشيرين إلى أنّ ما آلت إليه أوضاعهم حفّزت أصحاب معامل الألبان الكبرى كـ«LIBAN LAIT» و«غندور» على بناء مزارع شاسعة، تحوي الآلاف من رؤس الأبقار، عملاً بمبدأ «الاكتفاء الذاتي» والاستغناء عن العاملين في هذا القطاع، الذين كانوا يرون هذه المعامل مصدراً أساسياً لتصريف إنتاجهم اليومي، ووقعوا ضحايا خسائر كبيرة تراكمت نتيجة الحروب والتبدلات المناخية تارة، وأمام ازدياد الاحتكار والاستغلال لغياب المسؤوليّة تارة أخرى.
وهكذا وجد أصحاب «المزارع» طريقة جديدة «تنقذهم» من السجن الذي يهدّد غالبيّتهم بسبب ديون قروض كفالات، والتزامهم بسدادها بموجب سندات خزينة. إذ يبيعون البقرة التي تحلب ما دون الـ20 كيلو حليب إلى المذابح بسعر أقلّ من كلفتها اليوم، لأنّ أسعار الحليب لم تواكب الارتفاع في أسعار الأعلاف. واستقرت أخيراً على 900 ليرة لكيلو الحليب الطازج، رغم أنّ سعر كيلو حليب البودرة تجاوز الـ10000 ليرة.
وشهدت الحبوب العلفيّة ارتفاعاً غير مسبوق في أسعارها، حتى بلغت نسبة الزيادة 112 في المئة (من 300 ليرة إلى 700 ليرة للكيلو الواحد)، فيما حسابات الجدوى الاقتصادية التي أجمع عليها المزارعون، تفيد بضرورة أن يكون سعر كيلو الحليب ضعفي سعر كيلو العلف، حيث تغض الحكومة الطرف عن عمليّات تصديره إلى الدول العربية المجاورة، فيما المزارع اللبنانية بأمس الحاجة إليه.
تدهور الثروة الحيوانية
http://www.al-akhbar.com/files/images/p11_20080412_pic2.jpgمجسّم لبقرة حلوب خلال مؤتمر حول أسعار الحليب في بروكسل (غز وينجنغارت - أ ب)ومنذ أشهر، كانت تقدّر ثروة البقاع من الأبقار بنحو 9000 رأس بقر، تتوزّع على مزارع كبرى وصغرى، إضافة إلى ما يربّيه المواطنون في القرى البقاعيّة للاستهلاك الذاتي، فتنتج هذه الثروة ما يقارب 35 في المئة من الاستهلاك اللبناني، ليعتاش من هذه المهنة نحو ألفا عائلة بشكل مباشر، وحوالى 7000 عائلة يستفيدون منها بطريقة غير مباشرة. إلّا أنّ عدد الأبقار هذا، تراجع إلى ما دون الـ4000 بقرة بعد عمليات البيع للمعامل والمذابح. وتقلّص بالتالي إنتاج الحليب بنسبة 80 في المئة عمّا كانت تنتجه هذه المزارع. وبما أنّه لم يُستورد بقر حلوب منذ عامين، ازدادت أيضاً نسبة استهلاك الثروة الحيوانية من 6 في المئة إلى 8 في المئة سنوياً، ما ضاعف من تدنّي القدرة الإنتاجية للحليب.
المزارع قاسم المنية يؤكّد أنّه قبل أشهر كان يملك في مزرعته 500 رأس بقر. أجبرته الديون وخسائره التي بلغت 250 ألف دولار، منذ عدوان تموز حتى اللحظة، على بيع 360 بقرة من أجل تسديد سندات كفالات استحقت دفعاتها. وفي ما يتعلّق بالقطيع المتبقي لديه، يقول: «في حال توصّلت مع سماسرة المعامل إلى سعر نهائي، سأبيع لأنني غير قادر على المتابعة»، لا سيّما أنّه غير قادر على تأمين الأعلاف التي تضاعفت أسعارها: مزرعته كانت تنتج 6 أطنان من الحليب، أمّا اليوم فإنتاجها هو طنّان فقط وكلفتهما تفوق ثمنهما.
تصدير العلف
«ماذا نطعم البقر؟». سؤال كرّره المنية أكثر من مرة، باحتجاجه على سياسة «الفلتان» التي تعتمدها الدولة، والتي «تفتح أبواب التصدير للإنتاج العلفي إلى الخارج في مواسم تموين المزارع»، من دون أيّ عمليّة ضبط، فيما السوق اللبنانية «أولى به»، ويجب السماح بتصدير «ما يفيض عن حاجة المزارع» فقط.
حال طوني رحال مماثل. فقد باع كل مزرعته بعدما كان يربّي فيها 80 رأس بقر، بسبب عجزه عن السداد لقروض كفالات. يقول: «اضطررت لبيع مزرعتي حتى لا أبقى تحت رحمة الفوائد التي تتراكم ديوناً علي»، ويضيف: «وقّفت المزرعة وسكّرت معها 6 بيوت لعمّال كانوا يعملون فيها، وبعت قطعة أرض أيضاً حتى كفّي المبلغ اللّي كنت استلفته من كفالات».
أما جان منصب، وهو صاحب إحدى المزارع في منطقة معلّقة زحلة، فيشرح خسارته التي لا تعوّض. فرغم بيعه «الأرزاق»، لم يستطع الاستمرار في ظلّ خسارة متنامية تكبر مع مرور الأيّام والأشهر. «ما ننتج من حليب لا يكفي ثمناً لنطعم بقرنا، ما أوقعنا في الديون لتجّار الأعلاف، فما بالك بالقروض»، يقول متنهّداً. ويضيف: «مضطرّ بيع وإلّا بدخل السجن... منين بدفع قيمة السندات». ما حلّ بجان دفعه إلى بيع مزرعته بكلّ ما فيها من إنشاءات و80 رأس بقر، بسعر أقل من كلفتها. فهو يوضح قائلاً: «بعت الرأس بأقل من 2000 دولار لأحد المعامل الكبرى في المنطقة، بينما سعره يتجاوز اليوم 2200 يورو، أي ما يعادل 3400 دولار... ما يعني خسارة بقيمة 1400 دولار في كل بقرة، إذا أردت تجديد المصلحة، عدا الحسابات الزمنية التي يحتاج إليها هذا المشروع للوصول إلى قدرة إنتاجيّة (تنافسيّة) في السوق».
«البقر بياكل بعضه» صرخة ردّدها المزارع منير سعيد، الذي كان يملك منذ شهرين في مزرعته قرب منزله في المريجات، 35 رأس بقر. ليختصر الأسباب التي أجبرته على بيع أكثر من نصف ما لديه. يسأل: كيف من الممكن الاستمرار وسعر «قنطار» التبن (250 كيلوغراماً) ارتفع 5 أضعاف؟
«كنا نشتري القنطار بـ25 ألف ليرة، أمّا اليوم فسعره 125 ألفاً»، يتابع وهو يتحدّث عن غلاء الدواء أيضاً، «كيف بدنا نكفّي على هيدي الحالة. من أوّل نيسان حتى آخر تموز تعتمد المعامل سياسة تخفيض أسعار الاستلام بهدف استلام حليب الغنم للتخزين» يقول، مشيراً إلى أنّ البقرة تستهلك خلال العام الواحد 9 قناطير (2250 كيلوغراماً) من التبن، عدا الأدوية وعلف الصويا والذرة المخمّرة التي تصدّر اليوم إلى الأردن.
فادي الخوري من أكبر تجار الأعلاف في البقاع يؤكّد أنّ من أصل 374 مزرعة لتربية الأبقار الحلوب، بقي فقط 74 مزرعة. وعن استيراد الحبوب العلفيّة من مصر (البلد الأكثر تصديراً للأعلاف)، يشير إلى «الصعوبات»، ويقول «لا تمنحنا مصر إجازات تصدير الأعلاف من أراضيها قبل أن يكفي المزارعين المصريّين احتياجاتهم، وخصوصاً في أشهر أيّار وحزيران وآب، وذلك بهدف حماية إنتاجها الوطني. أما إنتاجنا فيصدّر إلى الخارج من دون أيّ رقابة أو حماية».


مجرد إشارة
صراع طبقي يقضي على الأمن الغذائي
يرى رئيس هيئة التنسيق للتعاونيات الزراعية، محي الدين الجمال، أنّه من الطبيعي أن تتفاقم مشكلات المزارعين، لعدم وجود رؤية اقتصادية تنطلق من الأمن الغذائي وتنتهي بالاستقرار الاجتماعي، مشيراً إلى أنّ وزير الاقتصاد أطلق صراعاً طبقياً ضدّ الطبقات الفقيرة، وخصوصاً المزارعين في الأطراف، ما يؤكّد سقوط مقولة «الإنماء المتوازن».
وعن الأزمة الاقتصاديّة التي تلاحق المزارعين في البقاع، رأى الجمال أنّها بدأت في الوقت الذي توقّفت فيه الدول الأوروبية عن دعمها المنتجات المصدّرة، لترتفع كلفة الأعلاف ويبقى سعر الحليب من دون أن يلامس هذه الزيادات، فوقع المزارعون في الخسائر، فيما المعامل والمصانع لم تحدّد لها وزارة الاقتصاد أرباح التصنيع.
«الدولة تواطأت على خسارة موسم القمح، واليوم تتواطأ مع أصحاب المعامل على مربي الأبقار لتنتهي من هذا القطاع بالكامل»، يقول الجمّال. ويشير إلى أنّه بإمكان الدولة استرداد موسم القمح في عام واحد، شرط وضع خطة دعم حقيقي بعيداً من المحسوبيّة، ما يرفع نسب الإنتاج المحلّي للقمح والأعلاف، وتكون الدولة المستفيد الأكبر، إضافة إلى المزارعين والعمّال في هذا القطاع.

عدد السبت ١٢ نيسان ٢٠٠٨