بشرى
07-25-2003, 09:52 AM
في باطن البحر
أنا شاب كان يظن بأن الحياة مالا وفيرا، وفراشا وثيرا، ومركبا وطيئا... وغير ذلك كثير؛ وها أنا أسرد قصتي لعلها توقظ غافلا قبل فوات الأوان...
كان يوم جمعة.. وكالعادة لهو ولعب مع الأصدقاء على الشاطئ..
ولكن من هم الأصدقاء؟.. هم مجموعة من القلوب الغافلة.. وقلوب فيها من الظلام ما يطفىء نور الشمس .. وسمعت المنادي ينادي.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. وأقسم بالله العظيم أني سمعت الأذان طوال حياتي.. ولكني لم أفقه يوما معنى كلمة فلاح..
وكأنها كانت تقال بلغة لا أفهمها مع أنني عربي ولغتي العربية.. ولكنها الغفلة.. وكنا أثناء الأذان نجهز أنا ورفاقي عدة الغوص وأنابيب الهواء.. استعدادا لرحلة جميلة تحت الماء.. وأنا أرتب في عقلي برنامج باقي اليوم الذي لا يخلو لحظة من المعاصي والعياذ بالله..
وها نحن في بطن البحر.. سبحان الخلاق فيما خلق وأبدع.. وكل شيء على ما يرام.. وبدأت رحلتي الجميلة.. ولكن حصل ما لم أتوقع.. عندما تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم ولتمده بالهواء من الأنبوب.. وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي.. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي.. وبدأت أموت..
بدأت رئتي تستغيث وتنتفض.. تريد هواء... الهواء الذي طالما دخل جوفي وخرج بدون أن أفهم أنه أحد أجمل نعم الله علي.. وبدأت أدرك خطورة الموقف الذي لا أحسد عليه.. بدأت أشهق وأغص بالماء المالح.. وبدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيناي..
ومع أول شهقة.. عرفت كم الإنسان ضعيف.. وأني عاجز عن مواجهة قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو الجبار المتكبر.. وأنه لا ملجأ منه إلا إليه.. ولم أحاول الخروج من الماء لأني كنت على عمق كبير.
ومع ثاني شهقة.. تذكرت صلاة الجمعة التي ضيعتها.. تذكرت حي على الفلاح.. ولا تستغربوا إن قلت لكم أني في لحظتها فقط فهمت معنى كلمة فلاح.. ولكن للأسف بعد فوات الأوان.. كم ندمت على كل سجدة ضيعتها.. وكم تحسرت على كل لحظة قضيتها في معصية الله..
ومع ثالث شهقة.. تذكرت أمي.. والحزن الذي يمزق قلبها وأنا أتخيلها تبكي موت وحيدها وحبيبها.. وكيف سيكون حالها بعدي..
ومع رابع شهقة.. تذكرت ذنوبي وزلاتي ويا لكثرتها.. تذكرت تكبري وغروري.. وبدأت أحاول النجاة والظفر بآخر ثانية بقيت لي.. فلقد سمعت فيما سبق أنه من ختم له بأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله دخل الجنة...
فبدأت أحاول نطق الشهادتين.. فما أن قلت أشهـ.. حتى غص حلقي وكأن يد خفية كانت تطبق على حلقي لتمنعني من نطقها.. فعدت أحاول وأجاهد.. أشهـ.. أشهـ.. وبدأ قلبي يصرخ ربي ارجعون.. ربي ارجعون.. ساعة.. دقيقة.. لحظة.. ولكن هيهات..
بدأت أفقد الشعور بكل شيء.. وأحاطت بي ظلمة غريبة.. وفقدت الوعي وأنا أعرف خاتمتي.. و واأسفاه على خاتمة كهذه والعياذ بالله.. إلى هنا القصة تبدو حزينة جدا.. ولكن رحمة ربي وسعت كل شيء..
فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى.. وانقشعت الظلمة.. وفتحت عيناي لأجد مدرب الغوص يمسك بي مثبتا خرطوم الهواء في فمي.. محاولا إنعاشي ونحن ما زلنا في بطن البحر.. ورأيت ابتسامة على محياه.. فهمت منها أنني بخير.. ونطق قلبي ولساني وكل خلية في جسدي وقبلهم روحي..
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. وفجأة بدأ قلبي يحدثني قائلا: لقد رحمك ربك بدعاء أمك لك.. فاتعظ.. وخرجت من الماء إخواني وأخواتي.. شخصا آخر.. وأنا فعلا أعني كلمة آخر.. صارت نظرتي للحياة شيئا آخر..
وها أنا والحمدلله الآن شاب كل ما يرجوه من الواحد القهار.. أن يختم له بأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله لحظة الغرغرة التي أعرفها جيدا... شاب يريد أن يكون ممن ذكرهم الرحمن في كتابه الكريم قال تعالى في سورة مريم (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا)
وللعلم: عدت بعد تلك الحادثة بفترة وحدي إلى نفس المكان في بطن البحر وسجدت لله تعالى سجدة شكر وخضوع وولاء وامتنان.. في مكان لا أظن أن إنسيا قبلي قد سجد فيه لله تعالى.. عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم آمين..
ثبتني الله وإياكم على طريق الحق.. وجمعني الله وإياكم في جنات النعيم.. اللهم آمين
أنا شاب كان يظن بأن الحياة مالا وفيرا، وفراشا وثيرا، ومركبا وطيئا... وغير ذلك كثير؛ وها أنا أسرد قصتي لعلها توقظ غافلا قبل فوات الأوان...
كان يوم جمعة.. وكالعادة لهو ولعب مع الأصدقاء على الشاطئ..
ولكن من هم الأصدقاء؟.. هم مجموعة من القلوب الغافلة.. وقلوب فيها من الظلام ما يطفىء نور الشمس .. وسمعت المنادي ينادي.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. وأقسم بالله العظيم أني سمعت الأذان طوال حياتي.. ولكني لم أفقه يوما معنى كلمة فلاح..
وكأنها كانت تقال بلغة لا أفهمها مع أنني عربي ولغتي العربية.. ولكنها الغفلة.. وكنا أثناء الأذان نجهز أنا ورفاقي عدة الغوص وأنابيب الهواء.. استعدادا لرحلة جميلة تحت الماء.. وأنا أرتب في عقلي برنامج باقي اليوم الذي لا يخلو لحظة من المعاصي والعياذ بالله..
وها نحن في بطن البحر.. سبحان الخلاق فيما خلق وأبدع.. وكل شيء على ما يرام.. وبدأت رحلتي الجميلة.. ولكن حصل ما لم أتوقع.. عندما تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم ولتمده بالهواء من الأنبوب.. وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي.. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي.. وبدأت أموت..
بدأت رئتي تستغيث وتنتفض.. تريد هواء... الهواء الذي طالما دخل جوفي وخرج بدون أن أفهم أنه أحد أجمل نعم الله علي.. وبدأت أدرك خطورة الموقف الذي لا أحسد عليه.. بدأت أشهق وأغص بالماء المالح.. وبدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيناي..
ومع أول شهقة.. عرفت كم الإنسان ضعيف.. وأني عاجز عن مواجهة قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو الجبار المتكبر.. وأنه لا ملجأ منه إلا إليه.. ولم أحاول الخروج من الماء لأني كنت على عمق كبير.
ومع ثاني شهقة.. تذكرت صلاة الجمعة التي ضيعتها.. تذكرت حي على الفلاح.. ولا تستغربوا إن قلت لكم أني في لحظتها فقط فهمت معنى كلمة فلاح.. ولكن للأسف بعد فوات الأوان.. كم ندمت على كل سجدة ضيعتها.. وكم تحسرت على كل لحظة قضيتها في معصية الله..
ومع ثالث شهقة.. تذكرت أمي.. والحزن الذي يمزق قلبها وأنا أتخيلها تبكي موت وحيدها وحبيبها.. وكيف سيكون حالها بعدي..
ومع رابع شهقة.. تذكرت ذنوبي وزلاتي ويا لكثرتها.. تذكرت تكبري وغروري.. وبدأت أحاول النجاة والظفر بآخر ثانية بقيت لي.. فلقد سمعت فيما سبق أنه من ختم له بأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله دخل الجنة...
فبدأت أحاول نطق الشهادتين.. فما أن قلت أشهـ.. حتى غص حلقي وكأن يد خفية كانت تطبق على حلقي لتمنعني من نطقها.. فعدت أحاول وأجاهد.. أشهـ.. أشهـ.. وبدأ قلبي يصرخ ربي ارجعون.. ربي ارجعون.. ساعة.. دقيقة.. لحظة.. ولكن هيهات..
بدأت أفقد الشعور بكل شيء.. وأحاطت بي ظلمة غريبة.. وفقدت الوعي وأنا أعرف خاتمتي.. و واأسفاه على خاتمة كهذه والعياذ بالله.. إلى هنا القصة تبدو حزينة جدا.. ولكن رحمة ربي وسعت كل شيء..
فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى.. وانقشعت الظلمة.. وفتحت عيناي لأجد مدرب الغوص يمسك بي مثبتا خرطوم الهواء في فمي.. محاولا إنعاشي ونحن ما زلنا في بطن البحر.. ورأيت ابتسامة على محياه.. فهمت منها أنني بخير.. ونطق قلبي ولساني وكل خلية في جسدي وقبلهم روحي..
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. وفجأة بدأ قلبي يحدثني قائلا: لقد رحمك ربك بدعاء أمك لك.. فاتعظ.. وخرجت من الماء إخواني وأخواتي.. شخصا آخر.. وأنا فعلا أعني كلمة آخر.. صارت نظرتي للحياة شيئا آخر..
وها أنا والحمدلله الآن شاب كل ما يرجوه من الواحد القهار.. أن يختم له بأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله لحظة الغرغرة التي أعرفها جيدا... شاب يريد أن يكون ممن ذكرهم الرحمن في كتابه الكريم قال تعالى في سورة مريم (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا)
وللعلم: عدت بعد تلك الحادثة بفترة وحدي إلى نفس المكان في بطن البحر وسجدت لله تعالى سجدة شكر وخضوع وولاء وامتنان.. في مكان لا أظن أن إنسيا قبلي قد سجد فيه لله تعالى.. عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم آمين..
ثبتني الله وإياكم على طريق الحق.. وجمعني الله وإياكم في جنات النعيم.. اللهم آمين