من هناك
08-31-2008, 12:50 AM
رمضان لعالم متغير نحو الأفضل
المستقبل - الاحد 31 آب 2008 - العدد 3063 - شؤون لبنانية - صفحة 4
الاب ميشال سبع (*)
يصادف شهر رمضان المبارك في هذا العام وهو الشهر التاسع في التقويم الهجري مع الشهر التاسع في التقويم الميلادي حيث يبدآن معاً وكأنه دعوة سماوية كي يتلاقى المسيحيون مع المسلمين في عودة الذات فيقرأون معاً علامات الأزمنة. لأن في هذا الشهر المبارك نزلت الآية الأولى والكلمة الأولى فيها (إقرأ).
والقراءة هنا ليست مجرد لفظة او تمتمة بل تحمل الأبعاد الثلاثة: إقرأ، واحفظ، واعمل. لأن القراءة ليست لجمع المزيد من المعرفة كما هو متداول. فكم من قارئ نهم لعشرات الكتب لا تكون بالنسبة اليه اكثر من خزانة حافظة للمعلومات. وكم من مثقف هو اشبه بمتحف للتاريخ يحوي الكثير دون ان يحدث تغييراً في واقعه او واقع الآخرين. والحفظ هو ليس الجمود بل التذكر المستمر واستحضار المعلومة لتداولها، والتداول ليس للجدل وإظهار العضلات المعرفية بل للعمل بها وبالتالي تغير السابق الى اللاحق حيث لا يجوز ان يكون المستطلع كغير المتعلم حيث المتعلم الحافظ عاملاً في التغيير.
والتغيير لا يكون نحو الأسوأ بل نحو الافضل لأن الله لم يخلق الانسان كي يعود القهقرى متخلفا بل متقدما ومبدعا. لذا كانت الآية الكريمة (إقرأ باسم ربك الذي خلق) وعندما يدعونا كي نقرأ باسمه فلكي ندرك الخلق ونتذكر باستمرار انه الحي يخلق الحياة واننا مدعوون كي نساهم في عملية الخلق لأننا صنائعه. وعندما يدعونا لقراءة خلقه فلكي نعمل في هذا الخلق ونغير الواقع دوماً نحو الأفضل لأن الله لا يرضى أن تكون صنائعه الا الأفضل والأكمل والأجمل.
ولكي يتمكن الانسان أن يتجاوز أنانيته وملكيته التي تدعوه باستمرار كي يلبي حاجاته الآنية فهو مدعو أن يقوم بتمارين تجعله يسيطر عليها. ولكي لا تكون مزاجية وتسقط تحت ضعف التجربة صارت فرضاً على من يؤمن بالله. لذا كان الصيام في هذا الشهر المبارك. وقد اتفق الخالق على أن رمضان كلمة مأخوذة من الرمض وفعل رمض أي حرّ جوفه من شدة العطش. فهذا يعني أن رمضان هو شهر السيطرة على الجسد. لذا لم تكن الفريضة هي احتمال عطش الماء بل أيضاً احتمال الصبر على كل ما يمكن أن يغير على النفس الإنسانية. وقد جاء في الحديث الشريف قول النبي "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل اللهم إني صائم". ولو طبق العالم كله هذا التعليم الإنساني فرضي في هذا الشهر أن يصوم الناس عن الشتائم والسباب وعن الحرب والقتال وعن السلب والنهب وعن النهر والغضب فإن السلام الذي يمكن أن يتجلى سيغريهم أن يغيروا في مسلكهم وتعاطيهم مع بعضهم البعض. وفي هذا دعوة الى أن تكون هناك اتفاقية عالمية كونية توقع عليها الحكومات والدول يقرون فيها أن يكون هذا الشهر من كل عام شهر السلام، وتدعو كل الجهات الحكومية وغير الحكومية الى اعتماد فضيلة وتوصية تفرض على المدارس والمعاهد وعلى النوادي والمؤسسات العقاب الصارم على كل من يتعرض بمشينة او تعد او قتال لأي انسان آخر. فان هذه الاتفاقية ستكون انتصارا لعالم يريده كل الناس ان يكون متغيرا نحو الأفضل. انه القراءة الجديدة لخلق متجدد وعالم سلامي منشود. وعندما تتحقق هذه التجربة الانسانية الفريدة فان حصيلتها ستكون حافظا لامتدادها على مدار السنة والحياة الانسانية بأكملها.
واذا ما استتبع هذا مكرمة رمضان بالزكاة عندما لا تكون القراءة للأزمنة وقفا على إيقاف العمل السلبي بل دعوة الى التغيير الايجابي فلا يكتفي الغني ألا ينهر الفقير بل يعطيه ويساعده، ولا يكتفي رب العمل ألا ينهر العامل بل يعطيه علاوة. ولا يكتفي في البيت بعدم شتم صاحبه بل يهديه ما يفرحه. ومن استساغ تجربة الفعل الإيجابي يسحبه على مر أيامه.
ليس المسلمون من قرر ان يكون اول رمضان الشهر التاسع الهجري هو اول ايلول الشهر السابع الميلادي بل هي دورة الكون التي وضع نواميسها الكون وخالق الحياة، فهل تكون غافلة على من يقرأ الازمنة؟ وهل يقف العالم الغربي مصدوماً بنتائج 11 ايلول ولا يتحرك كي يحولها الى صدقة إيجابية نحو عالم اسلامي متسامح؟ وهل يقرأ الغربيون ان شهر رمضان لا يجوز فيه للمسلم ان يغضب او يشتم او يقتل فكيف يمكن للإسلام ان يقبل بعملية كالتي قام بها بعض من يدعي الإسلام فيقتل آلاف الابرياء. ان قراءة الغرب للإسلام لا يجوز ان تكون من خلال من يشوه الإسلام بأفعاله تحت اسم الإسلام، بل الغرب مدعو ان يقرأ الإسلام في ذاته وان يدرك ان الدين لا يمثله من يدعون اسمه ويحرّفون المسيحية في الغرب الأميركي؟ واذا كان الغرب يعتبر ان المسيح وتعاليمه براء من كل هؤلاء أفلا يعتبرون الإسلام براء من كل هذه الممارسات التي يقوم بها مجموعات تدعي الاسلام وهي لم تقرأ الاسلام بل قرأت رجسها وألصقته بهتاناً به!
واذا كانت الفضائل العظمى قد حدثت في هذا الشهر المبارك، أفتكون نقيصة من بعض خوارج الاسلام ذريعة لاعتبار الاسلام والمسلمين هم من الإرهاب والإرهابيين؟
ليت المسلمين في بلاد العالم يعلنون يوم 11 ايلول من هذا العام يوم محبة لبعضهم والآخرين وليت الدعوة تكون من جهة اسلامية أو جهات اسلامية متعددة تتوافق في إعلانها هذا وتكون دعوة اسلامية ـ مسيحية لقراءة جديدة لعالم متغير نحو السلام المنشود والأفضل.
(*) استاذ جامعي
المستقبل - الاحد 31 آب 2008 - العدد 3063 - شؤون لبنانية - صفحة 4
الاب ميشال سبع (*)
يصادف شهر رمضان المبارك في هذا العام وهو الشهر التاسع في التقويم الهجري مع الشهر التاسع في التقويم الميلادي حيث يبدآن معاً وكأنه دعوة سماوية كي يتلاقى المسيحيون مع المسلمين في عودة الذات فيقرأون معاً علامات الأزمنة. لأن في هذا الشهر المبارك نزلت الآية الأولى والكلمة الأولى فيها (إقرأ).
والقراءة هنا ليست مجرد لفظة او تمتمة بل تحمل الأبعاد الثلاثة: إقرأ، واحفظ، واعمل. لأن القراءة ليست لجمع المزيد من المعرفة كما هو متداول. فكم من قارئ نهم لعشرات الكتب لا تكون بالنسبة اليه اكثر من خزانة حافظة للمعلومات. وكم من مثقف هو اشبه بمتحف للتاريخ يحوي الكثير دون ان يحدث تغييراً في واقعه او واقع الآخرين. والحفظ هو ليس الجمود بل التذكر المستمر واستحضار المعلومة لتداولها، والتداول ليس للجدل وإظهار العضلات المعرفية بل للعمل بها وبالتالي تغير السابق الى اللاحق حيث لا يجوز ان يكون المستطلع كغير المتعلم حيث المتعلم الحافظ عاملاً في التغيير.
والتغيير لا يكون نحو الأسوأ بل نحو الافضل لأن الله لم يخلق الانسان كي يعود القهقرى متخلفا بل متقدما ومبدعا. لذا كانت الآية الكريمة (إقرأ باسم ربك الذي خلق) وعندما يدعونا كي نقرأ باسمه فلكي ندرك الخلق ونتذكر باستمرار انه الحي يخلق الحياة واننا مدعوون كي نساهم في عملية الخلق لأننا صنائعه. وعندما يدعونا لقراءة خلقه فلكي نعمل في هذا الخلق ونغير الواقع دوماً نحو الأفضل لأن الله لا يرضى أن تكون صنائعه الا الأفضل والأكمل والأجمل.
ولكي يتمكن الانسان أن يتجاوز أنانيته وملكيته التي تدعوه باستمرار كي يلبي حاجاته الآنية فهو مدعو أن يقوم بتمارين تجعله يسيطر عليها. ولكي لا تكون مزاجية وتسقط تحت ضعف التجربة صارت فرضاً على من يؤمن بالله. لذا كان الصيام في هذا الشهر المبارك. وقد اتفق الخالق على أن رمضان كلمة مأخوذة من الرمض وفعل رمض أي حرّ جوفه من شدة العطش. فهذا يعني أن رمضان هو شهر السيطرة على الجسد. لذا لم تكن الفريضة هي احتمال عطش الماء بل أيضاً احتمال الصبر على كل ما يمكن أن يغير على النفس الإنسانية. وقد جاء في الحديث الشريف قول النبي "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل اللهم إني صائم". ولو طبق العالم كله هذا التعليم الإنساني فرضي في هذا الشهر أن يصوم الناس عن الشتائم والسباب وعن الحرب والقتال وعن السلب والنهب وعن النهر والغضب فإن السلام الذي يمكن أن يتجلى سيغريهم أن يغيروا في مسلكهم وتعاطيهم مع بعضهم البعض. وفي هذا دعوة الى أن تكون هناك اتفاقية عالمية كونية توقع عليها الحكومات والدول يقرون فيها أن يكون هذا الشهر من كل عام شهر السلام، وتدعو كل الجهات الحكومية وغير الحكومية الى اعتماد فضيلة وتوصية تفرض على المدارس والمعاهد وعلى النوادي والمؤسسات العقاب الصارم على كل من يتعرض بمشينة او تعد او قتال لأي انسان آخر. فان هذه الاتفاقية ستكون انتصارا لعالم يريده كل الناس ان يكون متغيرا نحو الأفضل. انه القراءة الجديدة لخلق متجدد وعالم سلامي منشود. وعندما تتحقق هذه التجربة الانسانية الفريدة فان حصيلتها ستكون حافظا لامتدادها على مدار السنة والحياة الانسانية بأكملها.
واذا ما استتبع هذا مكرمة رمضان بالزكاة عندما لا تكون القراءة للأزمنة وقفا على إيقاف العمل السلبي بل دعوة الى التغيير الايجابي فلا يكتفي الغني ألا ينهر الفقير بل يعطيه ويساعده، ولا يكتفي رب العمل ألا ينهر العامل بل يعطيه علاوة. ولا يكتفي في البيت بعدم شتم صاحبه بل يهديه ما يفرحه. ومن استساغ تجربة الفعل الإيجابي يسحبه على مر أيامه.
ليس المسلمون من قرر ان يكون اول رمضان الشهر التاسع الهجري هو اول ايلول الشهر السابع الميلادي بل هي دورة الكون التي وضع نواميسها الكون وخالق الحياة، فهل تكون غافلة على من يقرأ الازمنة؟ وهل يقف العالم الغربي مصدوماً بنتائج 11 ايلول ولا يتحرك كي يحولها الى صدقة إيجابية نحو عالم اسلامي متسامح؟ وهل يقرأ الغربيون ان شهر رمضان لا يجوز فيه للمسلم ان يغضب او يشتم او يقتل فكيف يمكن للإسلام ان يقبل بعملية كالتي قام بها بعض من يدعي الإسلام فيقتل آلاف الابرياء. ان قراءة الغرب للإسلام لا يجوز ان تكون من خلال من يشوه الإسلام بأفعاله تحت اسم الإسلام، بل الغرب مدعو ان يقرأ الإسلام في ذاته وان يدرك ان الدين لا يمثله من يدعون اسمه ويحرّفون المسيحية في الغرب الأميركي؟ واذا كان الغرب يعتبر ان المسيح وتعاليمه براء من كل هؤلاء أفلا يعتبرون الإسلام براء من كل هذه الممارسات التي يقوم بها مجموعات تدعي الاسلام وهي لم تقرأ الاسلام بل قرأت رجسها وألصقته بهتاناً به!
واذا كانت الفضائل العظمى قد حدثت في هذا الشهر المبارك، أفتكون نقيصة من بعض خوارج الاسلام ذريعة لاعتبار الاسلام والمسلمين هم من الإرهاب والإرهابيين؟
ليت المسلمين في بلاد العالم يعلنون يوم 11 ايلول من هذا العام يوم محبة لبعضهم والآخرين وليت الدعوة تكون من جهة اسلامية أو جهات اسلامية متعددة تتوافق في إعلانها هذا وتكون دعوة اسلامية ـ مسيحية لقراءة جديدة لعالم متغير نحو السلام المنشود والأفضل.
(*) استاذ جامعي