من طرابلس
04-08-2009, 02:45 PM
السلفية الجهادية في لبنان.. ماضيها وحاضرها
محمد مصطفى علوش (http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1237705903195&pagename=Islamyoun%2FIYALayout&ref=body#***1)/ 06-04-2009
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1179915950064&ssbinary=true
مسلحين في أحد المخيمات اللبنانية
لعبت أحداث "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007، وقبلها تبني خلية إسلامية مجهولة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وكذلك محاولات متكررة لإطلاق صواريخ كاتيوشا على شمال فلسطين المحتلة من الجنوب اللبناني، فضلا عن اتهام الأصولية الإسلامية بالوقوف وراء كثير من الاغتيالات لزعماء وشخصيات سياسية ودينية - دورا في إثارة التساؤلات حول حقيقة الوجود السلفي الجهادي في لبنان، وحجمه وأدواره، وإذا ما كان على اتصال بتنظيم القاعدة.. إلى ما هنالك من التساؤلات.. وفي هذا الإطلالة نحاول مقاربة الفكر السلفي الجهادي مسلطين الضوء على بدايات العمل الجهادي في لبنان وصولا إلى أحداث فتح الإسلام الأخيرة.
ليس للبنان عهد قديم بالسلفية الجهادية، وإن كان له معرفة طويلة فيما يتعلق بالفكر السلفي أو بالحركات الإسلامية والجهادية منها، والتي لم تُصنف يوما بأنها من السلفية الجهادية، كما كان حال حركة التوحيد الإسلامي التي وُلدت في الثمانينيات من القرن الماضي في مدينة طرابلس، واستطاعت حكم المدينة، وعملت على تشكيل إمارة إسلامية في مدينة الشمال قبل أن تدخل القوات السورية المدينة خريف عام 1985 وتقضي على نفوذ وحضور حركة التوحيد التي كانت تتلقى دعما من قبل الثورة الإيرانية. الحديث حينها عن السلفية الجهادية لم يكن له أثر ملحوظ، وإن كانت بدايات الفكر السلفي تعود لنهاية القرن التاسع عشر مع الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب مجلة "المنار" الذي لازم شيخ الأزهر الشيخ محمد عبده فترة من حياته قبل أن يتحوّل لتبنّي الفكر السلفي والدعوة إليه. السلفية حينها كان حضورها متواضعا، ولم ينفذ لعمق الشارع السنّي حتى الستينيات من القرن الفائت، وذلك على يد الشيخ سالم الشهّال الذي لقب بالأمير من خلال تأسيسه لأول جماعة سلفية سميت جماعة "المسلمون"، ومن مبادئها الدعوة لنهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
إرهاصات السلفية الجهادية
بروز السلفية الجهادية كان على يد نجل الشيخ سالم الشهال الشيخ داعي الإسلام الشهال في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عندما أسس الشيخ داعي الإسلام "نواة الجيش الإسلامي". وبحسب ما يقول الشهال نفسه فإن تأسيس "النواة" كان في عام 1977م بشكل سري، إلا أن ظهوره العلني كان في عام 1983م أثناء معركة "أبو عمار" في مدينة طرابلس، التي كان أحد أطرافها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ويعتبر "نواة الجيش الإسلامي" أول عمل سلفي منظم، ولم يقتصر دوره على القتال فقط، بل كان جسما عسكريا يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي.
حاول الشهال التوسع إلى خارج طرابلس؛ حيث وصل مدينتي بيروت وصيدا وبعض مناطق إقليم الخروب في الجنوب تحت مسمى "الجماعة والدعوة السلفية"، إذ بدأ التحول نحو العمل الدعوي والتوعوي، وما لبث أن اقتصر العمل عليه فقط، لا سيما بعد أن استطاعت القوات السورية التي دخلت طرابلس عام 1985 القضاء على الحركات الإسلامية، حينها توجه الشيخ داعي الإسلام وتحديدا عام 1990 إلى تأسيس "جمعية الهداية والإحسان الإسلامية" التي شكلت الإطار الفعلي للحركة السلفية في لبنان، وضمت عددا من المعاهد الدينية إضافة إلى إذاعة محلية. لكن الحكومة اللبنانية حلت الجمعية مطلع العام 1996 بسبب ما أسمته "إثارة النعرات الطائفية" في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعية.
ما بعد الشهال
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1218880297914&ssbinary=true
داعي الإسلام الشهال
ليس هناك ما يشير إلى وجود فعلي لتنظيم القاعدة في لبنان ماضيا أو حاضرا، وإن وجد كثير من المتعاطفين معه، سواء كانوا على شاكلة حركات وتنظيمات مثل "عصبة الأنصار" أو "جند الشام" أو "فتح الإسلام"، أو على شاكلة أفراد مثل بعض المشايخ الذين لهم حضور في الشارع السني في لبنان. فهذا القيادي الإسلامي في مخيم عين الحلوة شحادة جوهر، والمعروف عنه قتاله في العراق ستة أشهر إلى جانب أبو مصعب الزرقاوي يقول: "إذا أنعم الله على الشيخ أسامة بن لادن وأعلن الخلافة الإسلامية بأفغانستان، نصبح تابعين لها نحن هنا في لبنان". أما الناطق الإعلامي باسم عصبة الأنصار، كبرى التنظيمات الإسلامية المسلحة في المخيمات الفلسطينية، الشيخ شريف عقل فقد نفى أن يكون هدف تنظيمه إنشاء إمارة في لبنان، كما نفى أن يكون على علاقة بالقاعدة، إذ يقول: "نحن والقاعدة لا يوجد بيننا أي ترابط تنظيمي، أما من حيث وحدة الرؤية، ومن حيث وحدة الهدف، ومن حيث وحدة العدو، فهناك علاقة".
لكن هذا لا يعني أن لبنان كان بعيدا يوما عن متناول القاعدة؛ حيث لو قارنا بين بعض الشواهد والأحداث وتابعنا بعض تصريحات تنظيم القاعدة، لا سيما ما صدر عن الرجل الثاني في التنظيم الشيخ أيمن الظواهري خلال حرب تموز 2006، نجد أن لبنان له مكانة على خريطة عمل التنظيم لأمور عديدة: فهو منطقة رخوة أمنيا وسياسيا، والنعرة الطائفية تلعب فيه دورا كبيرا، إضافة إلى وجود خصم للقاعدة يتمثل في قوة حزب الله المصنفة وفق قاموس القاعدة بأنه ذراع لإيران، ويد لضرب أهل السنة في لبنان وبلاد الشام، أو لناحية موقع لبنان الجغرافي كمعبر إلى سوريا والعراق والأردن.
أما عن تلك الشواهد، فإن زياد الجراح - أحد منفذي هجمات 11 أيلول 2001 - كان لبنانيا، وتم تجنيده في هامبورج "ألمانيا"، وكذلك باسم كنج "أبو عائشة" الذي أسس مجموعة الضنية، كان قد تم تجنيده في الولايات المتحدة. ولم يقتصر الأمر على تجنيد لبنانيين، بل تحول لبنان - حسب بعض المصادر - إلى منطقة مناسبة لتدريب وتأهيل المجاهدين، إذ تنقل جريدة "لافيجرو" الفرنسية في كانون الأول "ديسمبر" 2005 خبرا عن أن تحقيقا قضائيا فرنسيا كشف أن إسلاميين فرنسيين أقاموا وتدربوا في مدينة طرابلس قبل أن يذهبوا إلى العراق، وأن بعضهم كان على علاقة بمجموعة "صافي بورادة" السلفية الجزائرية، التي فككتها المخابرات الفرنسية في 2005، والتي كانت تقف وراء بعض التفجيرات في فرنسا والجزائر.
وإذا ما أرفقنا هذه الحوادث بتبني "أبو مصعب الزرقاوي" في آذار مارس 2006 هجوما بصواريخ الكاتيوشا على مستعمرات إسرائيلية من الأراضي اللبنانية يكون الأمر مفتوحا على كل الاحتمالات. مجموعة الضنية تعود أهمية "باسم كنج" الملقب بـ"أبو عائشة" إلى أنه أول لبناني من الأفغان العرب العائدين، عمل على بناء تنظيم جهادي بعد اندثار نواة الجيش الإسلامي، هدفه تكوين جيل من المجاهدين، إما لبناء إمارة إسلامية في لبنان كما يتهمه خصومه، أو لمساندة المجاهدين في الشيشان كما يقول بعض المقربين منه، كما تكمن أهميته بعلاقته ببعض قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان، وهو أول تنظيم يتصادم مع الدول اللبنانية، وإن اختلفت الأسباب حول أسباب التصادم.
ولد "أبو عائشة" في محافظة عكار في شمال لبنان لعائلة سنية متواضعة، لم يُؤثر عنه تدين في بدايات حياته، كحال غيره من الشباب اللبناني في الثمانينيات، واستطاع الحصول على منحة دراسية في جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث انخرط في دراسة الهندسة فيها على حساب مؤسسة رفيق الحريري. تأثر كنج هناك بإنجازات المجاهدين في أفغانستان، ما دفعه للالتزام والعمل على جمع تبرعات لهم، ثم ما لبث أن تزوج بأمريكية وأقنعها بالإسلام. وتحت وطء المتغيرات لم يكمل كنج دراسته الجامعية، وسافر مع زوجته إلى باكستان في عام 1989، ومن هناك إلى أفغانستان؛ حيث تعرف على مراكز المجاهدين العرب، وتأثر كثيرا بالشيخ عبد الله عزام، ولم يتم التأكد إذا ما قابل الشيخ أسامة بن لادن أم لا خلال وجوده هناك، وبعد أن تدرب على القتال، ارتأى البعض أن يعود كنج إلى لبنان، وأن يعمل على تأهيل جماعات مقاتلة لاستكمال الجهاد ضد الروس ليس في أفغانستان فحسب، وإنما في الشيشان.
أرجع البعض تأسيس كنج لتنظيم جهادي في لبنان لرغبة قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان على حسب ما نقل عن "أبو مصعب السوري" أحد قادة التنظيم قبل أن يتم القبض عليه في باكستان عام 2005، حيث إن قيادة التنظيم وجدت أنه من الأنسب لأي أخ من بلاد الشام يريد التدرب على القتال أن يذهب إلى لبنان؛ حيث إن كلفة تدريبهم في أفغانستان مرتفعة، وحمايتهم بعد عودتهم إلى بلاد الشام عملية صعبة ومعقدة؛ لأن كل من يأتي إلى أفغانستان يصبح مشتبها فيه. عاد كنج إلى لبنان 1991، وبدأ في تأسيس شبكة جهادية سلفية في لبنان ولدت في مدينة طرابلس - كبرى مدن أهل السنة في لبنان - وامتدت إلى البقاع وإلى بعض المخيمات الفلسطينية، وتحديدا مخيم عين الحلوة، وتشير بعض المصادر إلى أن كنج كان على اتصال مع أحد رفاقه في بيشاور، ويدعى أحمد القسام (همزة الوصل بين كنج وعصبة الأنصار التي تتخذ من مخيم عين الحلوة مقرا لها)، والذي أُعدم عام 1997 متهما باغتيال زعيم جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي. وبحسب المصادر ذاتها فإن كنج استطاع الاجتماع بأمير عصبة الأنصار عبد الكريم السعدي الملقب بـ"أبو محجن"، وبنى علاقات مع "أبو عبيدة"، المسئول عن الجناح العسكري للعصبة. وفي أوائل عام 1998 شرع كنج بتأسيس مخيمات التدريب في منطقة الضنية، وفي أقل من عام استطاع تجنيد الكثيرين قبل أن تصطدم مجموعته مع الجيش اللبناني عام 2000.
فتح الإسلام
بعد مقتل باسم كنج خلال أحداث الضنية أودع كثير من أفراد التنظيم داخل السجون، ولم يفرج عنهم لحين خروج القوات السورية من لبنان، مستفيدين من العفو العام الذي نال زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع. لم يجر أي حديث عن وجود لحركات إسلامية مسلحة في لبنان، ما عدا الحديث عن وجودها في المخيمات الفلسطينية حتى عام 2006؛ حيث ظهر ما عرف فيما بعد بـ"فتح الإسلام"، وذلك حين أقدمت في 27 تشرين الثاني مجموعة مسلحة على احتلال خمسة مراكز تابعة لـ"حركة فتح الانتفاضة" في مخيم نهر البارد شمال لبنان، ثم ما لبثت أن وزعت بيانا موقعا باسم "فتح الإسلام"؛ حيث ذكر البيان أن المجموعة من أبناء فتح الذين عايشوا الفساد والانحراف، وقد أعلنوا انشقاقهم عنها، مشكّلين تنظيما جديدا أطلقوا عليه اسم "فتح الإسلام" بقيادة العقيد شاكر العبسي. وبعد أيام انتقلت عناصر من بعض المخيمات في لبنان لينضموا إلى الحركة، بالإضافة إلى عناصر أخرى قيل إنها أتت من خارج لبنان ليصل المجموع العام إلى ما يقارب 200 عنصر.
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1219657934982&ssbinary=true
زعيم فتح الإسلام شاكر العبسي
أما عن الأجندة التي حملها التنظيم، فيسردها مؤسسه شاكر العبسي بقوله: "انتهجنا هذا المنهج، وهو منهج «لا إله إلا الله»، وأيقنّا أنه لا يمكن الوصول إلى بلدنا إلا بهذه الطريقة، دخلنا الأراضي اللبنانية دفاعا عن السلاح الفلسطيني، ولنشر المنهج الذي نراه يوصل إلى فلسطين.. نحن أعلنّا عن أنفسنا، دفاعا عن الحركة أولا، ثم تبيانا للحقيقة، ودحضا للشائعات والتهم التي كيلت إلينا، ومنها أننا ننتمي إلى تنظيم القاعدة، أو لأجهزة مخابرات عربية، أو لذاك التيار أو غيره". بعد دخوله في معركة مع الجيش اللبناني انتهى تنظيم فتح الإسلام بمقتل ما يزيد عن 400 شخص منهم 130 جنديا لبنانيا، وتدمير مخيم بكامله، وتهجير كامل سكانه منه.
ما بعد فتح الإسلام
أثرت أحداث فتح الإسلام بشدة على العمل الإسلامي ككل، وتحديدا على الفكر الجهادي، سواء كان فكرا سلفيا أم لا، بل فتحت الباب واسعا أمام أجهزة الاستخبارات اللبنانية، وغيرها من أجهزة الاستخبارات العربية والدولية لتعقب ومراقبة كل من يشتبه بأنه ينتمي لهذا الفكر أو ذاك، أو لديه القابلية لأن ينخرط في فكر ما، الأمر الذي دفع كثيرا من الملتزمين إلى إخفاء آرائهم أو مراجعتها، كما دفع الأهالي في كثير من المدن والمحافظات إلى مراقبة أبنائهم خوفا عليهم من الانزلاق. وإذا كان الصراع بين قوى الرابع من آذار والثامن منه ترك فسحة من الحرية لهذا التوجه الإسلامي أو ذاك بالعمل بعد أحداث فتح الإسلام، فإن الجميع يعلم وفيهم أصحاب هذه التيارات بأن الأمر لم يعد كما كان.
ولعل أهم ما غيرته أحداث فتح الإسلام وغيرها في عقلية الإسلاميين - على ما أعتقد - أن لبنان ليس أرضا لأي من أطروحات الفكر السلفي الجهادي؛ وذلك بسبب تنوع طوائفه، وخطورة موقعه الجغرافي من الشرق الأوسط. أعتقد ختاما أنه لا مجال لنمو حركات سلفية جهادية في لبنان في المنظور القريب، وإذا كان الخطاب السياسي المحموم في لبنان دفع بكثير من حملة الفكر السلفي الجهادي للمجيء إلى لبنان بزعم الدفاع عن أهل السنة في وجه التشيع، فإن الأمور لم تعد تستأهل الحدث نفسه بعد كل الذي حصل.
كاتب بشؤون الحركات الإسلامية في لبنان
محمد مصطفى علوش (http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1237705903195&pagename=Islamyoun%2FIYALayout&ref=body#***1)/ 06-04-2009
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1179915950064&ssbinary=true
مسلحين في أحد المخيمات اللبنانية
لعبت أحداث "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007، وقبلها تبني خلية إسلامية مجهولة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وكذلك محاولات متكررة لإطلاق صواريخ كاتيوشا على شمال فلسطين المحتلة من الجنوب اللبناني، فضلا عن اتهام الأصولية الإسلامية بالوقوف وراء كثير من الاغتيالات لزعماء وشخصيات سياسية ودينية - دورا في إثارة التساؤلات حول حقيقة الوجود السلفي الجهادي في لبنان، وحجمه وأدواره، وإذا ما كان على اتصال بتنظيم القاعدة.. إلى ما هنالك من التساؤلات.. وفي هذا الإطلالة نحاول مقاربة الفكر السلفي الجهادي مسلطين الضوء على بدايات العمل الجهادي في لبنان وصولا إلى أحداث فتح الإسلام الأخيرة.
ليس للبنان عهد قديم بالسلفية الجهادية، وإن كان له معرفة طويلة فيما يتعلق بالفكر السلفي أو بالحركات الإسلامية والجهادية منها، والتي لم تُصنف يوما بأنها من السلفية الجهادية، كما كان حال حركة التوحيد الإسلامي التي وُلدت في الثمانينيات من القرن الماضي في مدينة طرابلس، واستطاعت حكم المدينة، وعملت على تشكيل إمارة إسلامية في مدينة الشمال قبل أن تدخل القوات السورية المدينة خريف عام 1985 وتقضي على نفوذ وحضور حركة التوحيد التي كانت تتلقى دعما من قبل الثورة الإيرانية. الحديث حينها عن السلفية الجهادية لم يكن له أثر ملحوظ، وإن كانت بدايات الفكر السلفي تعود لنهاية القرن التاسع عشر مع الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب مجلة "المنار" الذي لازم شيخ الأزهر الشيخ محمد عبده فترة من حياته قبل أن يتحوّل لتبنّي الفكر السلفي والدعوة إليه. السلفية حينها كان حضورها متواضعا، ولم ينفذ لعمق الشارع السنّي حتى الستينيات من القرن الفائت، وذلك على يد الشيخ سالم الشهّال الذي لقب بالأمير من خلال تأسيسه لأول جماعة سلفية سميت جماعة "المسلمون"، ومن مبادئها الدعوة لنهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
إرهاصات السلفية الجهادية
بروز السلفية الجهادية كان على يد نجل الشيخ سالم الشهال الشيخ داعي الإسلام الشهال في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عندما أسس الشيخ داعي الإسلام "نواة الجيش الإسلامي". وبحسب ما يقول الشهال نفسه فإن تأسيس "النواة" كان في عام 1977م بشكل سري، إلا أن ظهوره العلني كان في عام 1983م أثناء معركة "أبو عمار" في مدينة طرابلس، التي كان أحد أطرافها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ويعتبر "نواة الجيش الإسلامي" أول عمل سلفي منظم، ولم يقتصر دوره على القتال فقط، بل كان جسما عسكريا يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي.
حاول الشهال التوسع إلى خارج طرابلس؛ حيث وصل مدينتي بيروت وصيدا وبعض مناطق إقليم الخروب في الجنوب تحت مسمى "الجماعة والدعوة السلفية"، إذ بدأ التحول نحو العمل الدعوي والتوعوي، وما لبث أن اقتصر العمل عليه فقط، لا سيما بعد أن استطاعت القوات السورية التي دخلت طرابلس عام 1985 القضاء على الحركات الإسلامية، حينها توجه الشيخ داعي الإسلام وتحديدا عام 1990 إلى تأسيس "جمعية الهداية والإحسان الإسلامية" التي شكلت الإطار الفعلي للحركة السلفية في لبنان، وضمت عددا من المعاهد الدينية إضافة إلى إذاعة محلية. لكن الحكومة اللبنانية حلت الجمعية مطلع العام 1996 بسبب ما أسمته "إثارة النعرات الطائفية" في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعية.
ما بعد الشهال
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1218880297914&ssbinary=true
داعي الإسلام الشهال
ليس هناك ما يشير إلى وجود فعلي لتنظيم القاعدة في لبنان ماضيا أو حاضرا، وإن وجد كثير من المتعاطفين معه، سواء كانوا على شاكلة حركات وتنظيمات مثل "عصبة الأنصار" أو "جند الشام" أو "فتح الإسلام"، أو على شاكلة أفراد مثل بعض المشايخ الذين لهم حضور في الشارع السني في لبنان. فهذا القيادي الإسلامي في مخيم عين الحلوة شحادة جوهر، والمعروف عنه قتاله في العراق ستة أشهر إلى جانب أبو مصعب الزرقاوي يقول: "إذا أنعم الله على الشيخ أسامة بن لادن وأعلن الخلافة الإسلامية بأفغانستان، نصبح تابعين لها نحن هنا في لبنان". أما الناطق الإعلامي باسم عصبة الأنصار، كبرى التنظيمات الإسلامية المسلحة في المخيمات الفلسطينية، الشيخ شريف عقل فقد نفى أن يكون هدف تنظيمه إنشاء إمارة في لبنان، كما نفى أن يكون على علاقة بالقاعدة، إذ يقول: "نحن والقاعدة لا يوجد بيننا أي ترابط تنظيمي، أما من حيث وحدة الرؤية، ومن حيث وحدة الهدف، ومن حيث وحدة العدو، فهناك علاقة".
لكن هذا لا يعني أن لبنان كان بعيدا يوما عن متناول القاعدة؛ حيث لو قارنا بين بعض الشواهد والأحداث وتابعنا بعض تصريحات تنظيم القاعدة، لا سيما ما صدر عن الرجل الثاني في التنظيم الشيخ أيمن الظواهري خلال حرب تموز 2006، نجد أن لبنان له مكانة على خريطة عمل التنظيم لأمور عديدة: فهو منطقة رخوة أمنيا وسياسيا، والنعرة الطائفية تلعب فيه دورا كبيرا، إضافة إلى وجود خصم للقاعدة يتمثل في قوة حزب الله المصنفة وفق قاموس القاعدة بأنه ذراع لإيران، ويد لضرب أهل السنة في لبنان وبلاد الشام، أو لناحية موقع لبنان الجغرافي كمعبر إلى سوريا والعراق والأردن.
أما عن تلك الشواهد، فإن زياد الجراح - أحد منفذي هجمات 11 أيلول 2001 - كان لبنانيا، وتم تجنيده في هامبورج "ألمانيا"، وكذلك باسم كنج "أبو عائشة" الذي أسس مجموعة الضنية، كان قد تم تجنيده في الولايات المتحدة. ولم يقتصر الأمر على تجنيد لبنانيين، بل تحول لبنان - حسب بعض المصادر - إلى منطقة مناسبة لتدريب وتأهيل المجاهدين، إذ تنقل جريدة "لافيجرو" الفرنسية في كانون الأول "ديسمبر" 2005 خبرا عن أن تحقيقا قضائيا فرنسيا كشف أن إسلاميين فرنسيين أقاموا وتدربوا في مدينة طرابلس قبل أن يذهبوا إلى العراق، وأن بعضهم كان على علاقة بمجموعة "صافي بورادة" السلفية الجزائرية، التي فككتها المخابرات الفرنسية في 2005، والتي كانت تقف وراء بعض التفجيرات في فرنسا والجزائر.
وإذا ما أرفقنا هذه الحوادث بتبني "أبو مصعب الزرقاوي" في آذار مارس 2006 هجوما بصواريخ الكاتيوشا على مستعمرات إسرائيلية من الأراضي اللبنانية يكون الأمر مفتوحا على كل الاحتمالات. مجموعة الضنية تعود أهمية "باسم كنج" الملقب بـ"أبو عائشة" إلى أنه أول لبناني من الأفغان العرب العائدين، عمل على بناء تنظيم جهادي بعد اندثار نواة الجيش الإسلامي، هدفه تكوين جيل من المجاهدين، إما لبناء إمارة إسلامية في لبنان كما يتهمه خصومه، أو لمساندة المجاهدين في الشيشان كما يقول بعض المقربين منه، كما تكمن أهميته بعلاقته ببعض قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان، وهو أول تنظيم يتصادم مع الدول اللبنانية، وإن اختلفت الأسباب حول أسباب التصادم.
ولد "أبو عائشة" في محافظة عكار في شمال لبنان لعائلة سنية متواضعة، لم يُؤثر عنه تدين في بدايات حياته، كحال غيره من الشباب اللبناني في الثمانينيات، واستطاع الحصول على منحة دراسية في جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث انخرط في دراسة الهندسة فيها على حساب مؤسسة رفيق الحريري. تأثر كنج هناك بإنجازات المجاهدين في أفغانستان، ما دفعه للالتزام والعمل على جمع تبرعات لهم، ثم ما لبث أن تزوج بأمريكية وأقنعها بالإسلام. وتحت وطء المتغيرات لم يكمل كنج دراسته الجامعية، وسافر مع زوجته إلى باكستان في عام 1989، ومن هناك إلى أفغانستان؛ حيث تعرف على مراكز المجاهدين العرب، وتأثر كثيرا بالشيخ عبد الله عزام، ولم يتم التأكد إذا ما قابل الشيخ أسامة بن لادن أم لا خلال وجوده هناك، وبعد أن تدرب على القتال، ارتأى البعض أن يعود كنج إلى لبنان، وأن يعمل على تأهيل جماعات مقاتلة لاستكمال الجهاد ضد الروس ليس في أفغانستان فحسب، وإنما في الشيشان.
أرجع البعض تأسيس كنج لتنظيم جهادي في لبنان لرغبة قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان على حسب ما نقل عن "أبو مصعب السوري" أحد قادة التنظيم قبل أن يتم القبض عليه في باكستان عام 2005، حيث إن قيادة التنظيم وجدت أنه من الأنسب لأي أخ من بلاد الشام يريد التدرب على القتال أن يذهب إلى لبنان؛ حيث إن كلفة تدريبهم في أفغانستان مرتفعة، وحمايتهم بعد عودتهم إلى بلاد الشام عملية صعبة ومعقدة؛ لأن كل من يأتي إلى أفغانستان يصبح مشتبها فيه. عاد كنج إلى لبنان 1991، وبدأ في تأسيس شبكة جهادية سلفية في لبنان ولدت في مدينة طرابلس - كبرى مدن أهل السنة في لبنان - وامتدت إلى البقاع وإلى بعض المخيمات الفلسطينية، وتحديدا مخيم عين الحلوة، وتشير بعض المصادر إلى أن كنج كان على اتصال مع أحد رفاقه في بيشاور، ويدعى أحمد القسام (همزة الوصل بين كنج وعصبة الأنصار التي تتخذ من مخيم عين الحلوة مقرا لها)، والذي أُعدم عام 1997 متهما باغتيال زعيم جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي. وبحسب المصادر ذاتها فإن كنج استطاع الاجتماع بأمير عصبة الأنصار عبد الكريم السعدي الملقب بـ"أبو محجن"، وبنى علاقات مع "أبو عبيدة"، المسئول عن الجناح العسكري للعصبة. وفي أوائل عام 1998 شرع كنج بتأسيس مخيمات التدريب في منطقة الضنية، وفي أقل من عام استطاع تجنيد الكثيرين قبل أن تصطدم مجموعته مع الجيش اللبناني عام 2000.
فتح الإسلام
بعد مقتل باسم كنج خلال أحداث الضنية أودع كثير من أفراد التنظيم داخل السجون، ولم يفرج عنهم لحين خروج القوات السورية من لبنان، مستفيدين من العفو العام الذي نال زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع. لم يجر أي حديث عن وجود لحركات إسلامية مسلحة في لبنان، ما عدا الحديث عن وجودها في المخيمات الفلسطينية حتى عام 2006؛ حيث ظهر ما عرف فيما بعد بـ"فتح الإسلام"، وذلك حين أقدمت في 27 تشرين الثاني مجموعة مسلحة على احتلال خمسة مراكز تابعة لـ"حركة فتح الانتفاضة" في مخيم نهر البارد شمال لبنان، ثم ما لبثت أن وزعت بيانا موقعا باسم "فتح الإسلام"؛ حيث ذكر البيان أن المجموعة من أبناء فتح الذين عايشوا الفساد والانحراف، وقد أعلنوا انشقاقهم عنها، مشكّلين تنظيما جديدا أطلقوا عليه اسم "فتح الإسلام" بقيادة العقيد شاكر العبسي. وبعد أيام انتقلت عناصر من بعض المخيمات في لبنان لينضموا إلى الحركة، بالإضافة إلى عناصر أخرى قيل إنها أتت من خارج لبنان ليصل المجموع العام إلى ما يقارب 200 عنصر.
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1219657934982&ssbinary=true
زعيم فتح الإسلام شاكر العبسي
أما عن الأجندة التي حملها التنظيم، فيسردها مؤسسه شاكر العبسي بقوله: "انتهجنا هذا المنهج، وهو منهج «لا إله إلا الله»، وأيقنّا أنه لا يمكن الوصول إلى بلدنا إلا بهذه الطريقة، دخلنا الأراضي اللبنانية دفاعا عن السلاح الفلسطيني، ولنشر المنهج الذي نراه يوصل إلى فلسطين.. نحن أعلنّا عن أنفسنا، دفاعا عن الحركة أولا، ثم تبيانا للحقيقة، ودحضا للشائعات والتهم التي كيلت إلينا، ومنها أننا ننتمي إلى تنظيم القاعدة، أو لأجهزة مخابرات عربية، أو لذاك التيار أو غيره". بعد دخوله في معركة مع الجيش اللبناني انتهى تنظيم فتح الإسلام بمقتل ما يزيد عن 400 شخص منهم 130 جنديا لبنانيا، وتدمير مخيم بكامله، وتهجير كامل سكانه منه.
ما بعد فتح الإسلام
أثرت أحداث فتح الإسلام بشدة على العمل الإسلامي ككل، وتحديدا على الفكر الجهادي، سواء كان فكرا سلفيا أم لا، بل فتحت الباب واسعا أمام أجهزة الاستخبارات اللبنانية، وغيرها من أجهزة الاستخبارات العربية والدولية لتعقب ومراقبة كل من يشتبه بأنه ينتمي لهذا الفكر أو ذاك، أو لديه القابلية لأن ينخرط في فكر ما، الأمر الذي دفع كثيرا من الملتزمين إلى إخفاء آرائهم أو مراجعتها، كما دفع الأهالي في كثير من المدن والمحافظات إلى مراقبة أبنائهم خوفا عليهم من الانزلاق. وإذا كان الصراع بين قوى الرابع من آذار والثامن منه ترك فسحة من الحرية لهذا التوجه الإسلامي أو ذاك بالعمل بعد أحداث فتح الإسلام، فإن الجميع يعلم وفيهم أصحاب هذه التيارات بأن الأمر لم يعد كما كان.
ولعل أهم ما غيرته أحداث فتح الإسلام وغيرها في عقلية الإسلاميين - على ما أعتقد - أن لبنان ليس أرضا لأي من أطروحات الفكر السلفي الجهادي؛ وذلك بسبب تنوع طوائفه، وخطورة موقعه الجغرافي من الشرق الأوسط. أعتقد ختاما أنه لا مجال لنمو حركات سلفية جهادية في لبنان في المنظور القريب، وإذا كان الخطاب السياسي المحموم في لبنان دفع بكثير من حملة الفكر السلفي الجهادي للمجيء إلى لبنان بزعم الدفاع عن أهل السنة في وجه التشيع، فإن الأمور لم تعد تستأهل الحدث نفسه بعد كل الذي حصل.
كاتب بشؤون الحركات الإسلامية في لبنان