من هناك
05-28-2009, 04:30 AM
جدول الضرب .. قسمةُ المرأة ونصيبُها
قال أهلُ فارس "زَن بِزن"، أيْ اضربْ المرأة، وقال نيتشه: "لا تدخل على المرأة إلاّ والسوط بيدك"، نسيا أنّ المرأة إنسانٌ و"أمّ"، فانحطّ الفكرُ والفطرة لدى الأمم.
رُبّما لأنّ الرجال هم المتحكّمون، وأرادوا تطويع زوجاتهم "بهراوة الدين"، أسّسوا مفاهيم "النشوز" و"القوامة" و"الطاعة" و"الضرب" وفصّلوها وفقًا لرغباتهم، فلو راجعتَ كتب الفقه والتراث لرأيت القوامة/القيمومة تعني رئاسة الرجل للمرأة لأفضليّته عقلاً وقوّة، وأنّ "الطاعة" تلزمها له، وأنّ "النشوز" تمرّدها على طاعته.. ورفضها معاشرته.. وخروجها بغير إذنه!
هذا الإرث الذي صيّر المرأة ناقصة عقل، قاصرة، تحتاج تأديبا "بالضرب" هو صنيعة الرجال، الذي بدوره وليدٌ شرعيّ للاستبداد السياسي الذي لبط على وعي الأمة، ووظّف الدين لمآربه.
منذ سبع سنوات أخرجتْ "جمعيّة التجديد" كتاب "حرّية المرأة بين النشوز والضرب"، وفيه أدنتُ هذا الإرث المنزّه كتابُ الله ودينُ الرحمةِ عنه، وفتّشتُ بكلّ كتب الحديث والصحاح عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته فما وجدتُ لمصطلح "القوامة" ذكراً في لسانهم، يعني أنّ المشهور الديني الذي يشغل أدمغتنا رجالاً ونساءً معاً هو تفاسير وآراء رجال.
في عيّنة مسحيّة وثّقتها "جمعيةُ البحرين النسائية"، أبدى جميعُ الذكور أفضليّة الرجل عقلاً، وفي عيّنات مماثلة ببلداننا، ونشرت جريدةُ الوقت مثله مؤخّراً، أبدى كثيرون جواز ضربهم زوجاتهم تأديباً، بل الأعجب تأييد 60% من عيّنة نساء (أردنيّات) ضرب أزواجهن إذا أفسدنَ الطبخة!
ما الذي يدفع مسلماً باكستانيا لفقأ عين زوجته، وآخر أفغانيًّا لجدع أنفها وقطع أذنيها وتهشيم أسنانها، وآخر سعودي لتشويه وجهها، إلاّ زعمهم بحقّهم بتأديبهنّ لإجازة الله لهم بقوله: "واضربوهنّ"؟!
ما الذي يدفع بمستشار نيابيّ لرفض مقترح تشريع منع ضرب الزوجة، محتجّاً بمنافاته للدستور الذي شريعته الإسلام المُجيز لتأديب الزوجة وضربها؟! لذا صار يُدرج ضمن قانون عقوبات بلداننا "تأديب الزوج لزوجته حقّ مُقرّر بمقتضى القانون".
سلسلة الاستبداد، حيث يأكل القويُّ حقّ الضعيف، ويشرّع لنفسه الظلم بيافطات قدسية.. هي مَن قرّر وفسَّر.
العقليةُ المستوحيةُ من طبائعها القاسيةِ شرعتَها، لا يُمكنها إبصار حقّ الآخر أو جوهر الصواب، لتكلُّسِها على صحّة ما ترى، ولهم تخريجاتهم "الشرعيّة" طالما كانوا رجالاً.. أو متنفّذين، لكنّهم لو حوّلهم اللهُ "نساءً" لأبصروا خطأهم وعظيمَ الظلم الذي نسبوه لله ودينه.
طبعًا خرجتْ محاولاتٌ مخلصةٌ لحلّ مشكلة "واضربوهن" تحكيمًا لمقاصد الشريعة، لكنّها فكّرت بعقليّة مأزومة، وتريد مُعالجة "واضربوهنّ" مع تثبيت باقي المفاهيم التراثيّة المغلوطة "قوامة" "طاعة" "نشوز" "أفضليّة الرجال"، فأوقعها في ارتباك لغويّ ومنطقي!
في "الملتقى الرابع حول نهوض المرأة" لجمعيّة البحرين النسائية، قدّمتُ فرضيّتي بأنّ النساء والرجال سواء، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى، للرجل مميّزاته وللمرأة مميّزاتها، وكرامتهما واحدة، وأيّ ميدان يحفظ للمرأة كرامتها وحرّيتها وعفّتها فلها الدخول فيه، وإدارةُ الأسرة (والمجتمع) شراكةٌ بينهما عن تشاور وتراض وائتمار، لكنّ الأعمال القاسية أولى أن تُناط بالرجل لأنّ الطبيعةُ عبّأته بالقوّة، في حين منحتْها الرحمة والرقّة، لذلك قال النبي(صلى الله عليه وسلم) أنّها "ريحانة وليست بقهرمانة"، وأمر بالرفق بالقوارير، وبأنّ جبريل يستوصيه دائماً بالنساء خيرًا، فمحالٌ أن يأتي الوحي بمنظومة احترام المرأة وتكريس حقوقها وكرامتها وبالرفق معها، ثمّ يقول "اضربوهنّ" بالمعنى المشهور بأذهان الرجال.
وجادلتُ بهذا بأنّ "قوّامون" القرآنية.. لا علاقة لها بولاية الرجال على النساء، ولا بأفضليتهم، ولا طاعة إلا لله وللقانون، فالأسرة ليست معسكر تدريب، بل بيتُ مودّة وسكن وتفاهم وانسجام وتكامل ورفق واحترام، يُدار بالتواصل الإنساني المتدافع.
أمّا مفهوم "واضربوهنّ" القرآني، فلا علاقة له بعنف جسدي ورمزي وسلطوي يُمارسه 90% من الرجال ضدّ نسائهم، بل هي علاج استثنائي ضيّق جدّاً، إذْ "القوامة" رقابة جنسية، تدفع الرجل لمنع زوجته التبذّل لرجلٍ آخر، وليس العكس.. لاحتمال وجود زوجةٍ شرعية أخرى للزوج، وهذا معنى (بما فضّل الله بعضهم على بعض) أي هناك "رجال" يفضلون/يزيدون على رجال بعدد الزوجات، جرى هذا تاريخيّا وما زال، وقد فسّر الباقر هذا الموضع القرآني بالخصوص قائلاً: (إنّ الله تعالى لم يجعل الغيرة للنساء وإنّما جعل الغيرة للرجال لأنّه عزّ وجل قد أحلّ للرجل أربع حرائر..، ولم يجعل للمرأة إلاّ زوجَها وحده، فإنْ بغَتْ مع زوجها غيرَه كانت عند الله تعالى زانية)، فالآية القرآنية موضوعها خاصّ جدّاً، لا تحرم المرأة ولاية مجتمعيّة وأسريّة، ولا تأمر بضرب النساء، بل تقول أنّ الزوجات كلّهن تقريباً صالحات بالفطرة وبالتنشئة (أكثر من 99%)، يحفظن عفّتهن بغياب زوجهنّ، ولكن يحصل وجود زوجة شاذّة فإذا استشعر زوجٌ نيّتها خيانته، وكانا لا يريدان الطلاق، فعليه مُعالجة المسألة بالستر منزليّاًً، ليصون عفافها وأسرتها وأبناءها ويحفظ قيَم المجتمع، بالموعظة أو بهجرها جنسيا أو لو دعتْ الحالةُ باستخدام القوّة لردعها عن إيذاء نفسها وشرف أسرتها، هذا أفضل من غلوّ بعضنا فطريّا بالانتقام منها وقتلها، أو يُخطّط ليذبح خليلها!
فـ "تخافون نشوزهنّ" هو تخافون خيانتهنّ، بيّن هذا النبيّ(صلى الله عليه وسلم) شارحاً الآية مرّة (خيرُ النساء مَن ..إذا غبتَ عنها حفظتك في مالها ونفسها، وتلا: "الرجال قوّامون على النساء.. إلى قوله: "قانتات حافظات للغيب") فالقوامة لحفظ شرفها، وأكّد تفسيرها بخطبته الوداعيّة: (وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقًّا أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا غَيْرَكُمْ.. فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)، وحين قال حفيدُه الصادق أنّ "نشوز المرأة أن لا تُطيعه في فراشه"، ظنّوا معناها تمنّع الزوجة معاشرة زوجها، بينما مقصودها ما عناه النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أنّ "عصيانِه في فراشه" يعني خيانته في فراشه/عرضِه، والباقر بيّن بأنّ أنذل الناس.. "الديّوث، والمرأة تُوطئ فراش زوجها"، وهذان الحالتان موضع علاج الآية، فالرجل الذي لا يُراقب شرَف امرأته فيردعها إن بغت الفجور مع غيره هو "ديّوث"، وهي بنذالته سواء، فعن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بما معناه: (أيّما رجل أحسّ بفجورٍ في أهله ولم يَغَرْ.. عُوقب.. بأنّه إن رأى قبيحًا لم ينكره، و(زاد الباقر) وتُسمّيه الملائكة الديّوث).
فكيف تحوّلت وسيلةٌ علاجيّة استثنائيّة خاصّة ("الضرب": بمعنى الردع) لمنع انقلاب زوج مُبتلىً إلى ديّوث، وزوجةٍ متورّطةٍ استثنائيّة إلى فاجرة، قد تُمخّض -بترك علاجها- جرائم الشرف التي نسمع بها، كيف تحوّلتْ كسلاح بيد الرجال لضرب النساء عموماً، إلا في عقليّة لم تتوصّ بالنساء خيراً وأهانتْهنّ.
لو قُلنا للدولة اعتقلي وعاقبي وعنِّفي المرأة البغيّة التي تخرج للشوارع لخطف الرجال وإشاعة الدعارة، فهل يجوز لمحرّفٍ أن يجعلها: اعتقلوا وعاقبوا وعنِّفوا كلّ امرأة تخرج للشارع؟!
هذا هو التحريف الذي أصاب الدين بمقتل، وظُلمت وأهينت النساءُ به.. وانحطّ به عقلُ الرجل التشريعي وفطرته.
أ.جلال القصّاب
قال أهلُ فارس "زَن بِزن"، أيْ اضربْ المرأة، وقال نيتشه: "لا تدخل على المرأة إلاّ والسوط بيدك"، نسيا أنّ المرأة إنسانٌ و"أمّ"، فانحطّ الفكرُ والفطرة لدى الأمم.
رُبّما لأنّ الرجال هم المتحكّمون، وأرادوا تطويع زوجاتهم "بهراوة الدين"، أسّسوا مفاهيم "النشوز" و"القوامة" و"الطاعة" و"الضرب" وفصّلوها وفقًا لرغباتهم، فلو راجعتَ كتب الفقه والتراث لرأيت القوامة/القيمومة تعني رئاسة الرجل للمرأة لأفضليّته عقلاً وقوّة، وأنّ "الطاعة" تلزمها له، وأنّ "النشوز" تمرّدها على طاعته.. ورفضها معاشرته.. وخروجها بغير إذنه!
هذا الإرث الذي صيّر المرأة ناقصة عقل، قاصرة، تحتاج تأديبا "بالضرب" هو صنيعة الرجال، الذي بدوره وليدٌ شرعيّ للاستبداد السياسي الذي لبط على وعي الأمة، ووظّف الدين لمآربه.
منذ سبع سنوات أخرجتْ "جمعيّة التجديد" كتاب "حرّية المرأة بين النشوز والضرب"، وفيه أدنتُ هذا الإرث المنزّه كتابُ الله ودينُ الرحمةِ عنه، وفتّشتُ بكلّ كتب الحديث والصحاح عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته فما وجدتُ لمصطلح "القوامة" ذكراً في لسانهم، يعني أنّ المشهور الديني الذي يشغل أدمغتنا رجالاً ونساءً معاً هو تفاسير وآراء رجال.
في عيّنة مسحيّة وثّقتها "جمعيةُ البحرين النسائية"، أبدى جميعُ الذكور أفضليّة الرجل عقلاً، وفي عيّنات مماثلة ببلداننا، ونشرت جريدةُ الوقت مثله مؤخّراً، أبدى كثيرون جواز ضربهم زوجاتهم تأديباً، بل الأعجب تأييد 60% من عيّنة نساء (أردنيّات) ضرب أزواجهن إذا أفسدنَ الطبخة!
ما الذي يدفع مسلماً باكستانيا لفقأ عين زوجته، وآخر أفغانيًّا لجدع أنفها وقطع أذنيها وتهشيم أسنانها، وآخر سعودي لتشويه وجهها، إلاّ زعمهم بحقّهم بتأديبهنّ لإجازة الله لهم بقوله: "واضربوهنّ"؟!
ما الذي يدفع بمستشار نيابيّ لرفض مقترح تشريع منع ضرب الزوجة، محتجّاً بمنافاته للدستور الذي شريعته الإسلام المُجيز لتأديب الزوجة وضربها؟! لذا صار يُدرج ضمن قانون عقوبات بلداننا "تأديب الزوج لزوجته حقّ مُقرّر بمقتضى القانون".
سلسلة الاستبداد، حيث يأكل القويُّ حقّ الضعيف، ويشرّع لنفسه الظلم بيافطات قدسية.. هي مَن قرّر وفسَّر.
العقليةُ المستوحيةُ من طبائعها القاسيةِ شرعتَها، لا يُمكنها إبصار حقّ الآخر أو جوهر الصواب، لتكلُّسِها على صحّة ما ترى، ولهم تخريجاتهم "الشرعيّة" طالما كانوا رجالاً.. أو متنفّذين، لكنّهم لو حوّلهم اللهُ "نساءً" لأبصروا خطأهم وعظيمَ الظلم الذي نسبوه لله ودينه.
طبعًا خرجتْ محاولاتٌ مخلصةٌ لحلّ مشكلة "واضربوهن" تحكيمًا لمقاصد الشريعة، لكنّها فكّرت بعقليّة مأزومة، وتريد مُعالجة "واضربوهنّ" مع تثبيت باقي المفاهيم التراثيّة المغلوطة "قوامة" "طاعة" "نشوز" "أفضليّة الرجال"، فأوقعها في ارتباك لغويّ ومنطقي!
في "الملتقى الرابع حول نهوض المرأة" لجمعيّة البحرين النسائية، قدّمتُ فرضيّتي بأنّ النساء والرجال سواء، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى، للرجل مميّزاته وللمرأة مميّزاتها، وكرامتهما واحدة، وأيّ ميدان يحفظ للمرأة كرامتها وحرّيتها وعفّتها فلها الدخول فيه، وإدارةُ الأسرة (والمجتمع) شراكةٌ بينهما عن تشاور وتراض وائتمار، لكنّ الأعمال القاسية أولى أن تُناط بالرجل لأنّ الطبيعةُ عبّأته بالقوّة، في حين منحتْها الرحمة والرقّة، لذلك قال النبي(صلى الله عليه وسلم) أنّها "ريحانة وليست بقهرمانة"، وأمر بالرفق بالقوارير، وبأنّ جبريل يستوصيه دائماً بالنساء خيرًا، فمحالٌ أن يأتي الوحي بمنظومة احترام المرأة وتكريس حقوقها وكرامتها وبالرفق معها، ثمّ يقول "اضربوهنّ" بالمعنى المشهور بأذهان الرجال.
وجادلتُ بهذا بأنّ "قوّامون" القرآنية.. لا علاقة لها بولاية الرجال على النساء، ولا بأفضليتهم، ولا طاعة إلا لله وللقانون، فالأسرة ليست معسكر تدريب، بل بيتُ مودّة وسكن وتفاهم وانسجام وتكامل ورفق واحترام، يُدار بالتواصل الإنساني المتدافع.
أمّا مفهوم "واضربوهنّ" القرآني، فلا علاقة له بعنف جسدي ورمزي وسلطوي يُمارسه 90% من الرجال ضدّ نسائهم، بل هي علاج استثنائي ضيّق جدّاً، إذْ "القوامة" رقابة جنسية، تدفع الرجل لمنع زوجته التبذّل لرجلٍ آخر، وليس العكس.. لاحتمال وجود زوجةٍ شرعية أخرى للزوج، وهذا معنى (بما فضّل الله بعضهم على بعض) أي هناك "رجال" يفضلون/يزيدون على رجال بعدد الزوجات، جرى هذا تاريخيّا وما زال، وقد فسّر الباقر هذا الموضع القرآني بالخصوص قائلاً: (إنّ الله تعالى لم يجعل الغيرة للنساء وإنّما جعل الغيرة للرجال لأنّه عزّ وجل قد أحلّ للرجل أربع حرائر..، ولم يجعل للمرأة إلاّ زوجَها وحده، فإنْ بغَتْ مع زوجها غيرَه كانت عند الله تعالى زانية)، فالآية القرآنية موضوعها خاصّ جدّاً، لا تحرم المرأة ولاية مجتمعيّة وأسريّة، ولا تأمر بضرب النساء، بل تقول أنّ الزوجات كلّهن تقريباً صالحات بالفطرة وبالتنشئة (أكثر من 99%)، يحفظن عفّتهن بغياب زوجهنّ، ولكن يحصل وجود زوجة شاذّة فإذا استشعر زوجٌ نيّتها خيانته، وكانا لا يريدان الطلاق، فعليه مُعالجة المسألة بالستر منزليّاًً، ليصون عفافها وأسرتها وأبناءها ويحفظ قيَم المجتمع، بالموعظة أو بهجرها جنسيا أو لو دعتْ الحالةُ باستخدام القوّة لردعها عن إيذاء نفسها وشرف أسرتها، هذا أفضل من غلوّ بعضنا فطريّا بالانتقام منها وقتلها، أو يُخطّط ليذبح خليلها!
فـ "تخافون نشوزهنّ" هو تخافون خيانتهنّ، بيّن هذا النبيّ(صلى الله عليه وسلم) شارحاً الآية مرّة (خيرُ النساء مَن ..إذا غبتَ عنها حفظتك في مالها ونفسها، وتلا: "الرجال قوّامون على النساء.. إلى قوله: "قانتات حافظات للغيب") فالقوامة لحفظ شرفها، وأكّد تفسيرها بخطبته الوداعيّة: (وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقًّا أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا غَيْرَكُمْ.. فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)، وحين قال حفيدُه الصادق أنّ "نشوز المرأة أن لا تُطيعه في فراشه"، ظنّوا معناها تمنّع الزوجة معاشرة زوجها، بينما مقصودها ما عناه النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أنّ "عصيانِه في فراشه" يعني خيانته في فراشه/عرضِه، والباقر بيّن بأنّ أنذل الناس.. "الديّوث، والمرأة تُوطئ فراش زوجها"، وهذان الحالتان موضع علاج الآية، فالرجل الذي لا يُراقب شرَف امرأته فيردعها إن بغت الفجور مع غيره هو "ديّوث"، وهي بنذالته سواء، فعن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بما معناه: (أيّما رجل أحسّ بفجورٍ في أهله ولم يَغَرْ.. عُوقب.. بأنّه إن رأى قبيحًا لم ينكره، و(زاد الباقر) وتُسمّيه الملائكة الديّوث).
فكيف تحوّلت وسيلةٌ علاجيّة استثنائيّة خاصّة ("الضرب": بمعنى الردع) لمنع انقلاب زوج مُبتلىً إلى ديّوث، وزوجةٍ متورّطةٍ استثنائيّة إلى فاجرة، قد تُمخّض -بترك علاجها- جرائم الشرف التي نسمع بها، كيف تحوّلتْ كسلاح بيد الرجال لضرب النساء عموماً، إلا في عقليّة لم تتوصّ بالنساء خيراً وأهانتْهنّ.
لو قُلنا للدولة اعتقلي وعاقبي وعنِّفي المرأة البغيّة التي تخرج للشوارع لخطف الرجال وإشاعة الدعارة، فهل يجوز لمحرّفٍ أن يجعلها: اعتقلوا وعاقبوا وعنِّفوا كلّ امرأة تخرج للشارع؟!
هذا هو التحريف الذي أصاب الدين بمقتل، وظُلمت وأهينت النساءُ به.. وانحطّ به عقلُ الرجل التشريعي وفطرته.
أ.جلال القصّاب