التقوى اقوى
09-26-2009, 02:42 PM
الرشوة كلها حرام
كل من يملك صلاحية توجِب عليه قضاء مصلحة من مصالح الناس يكون المال الذي يؤخذ من أجل قضاء هذه المصلحة من قِبله رشوة، ولا يكون أجرة ولا بحال من الأحوال. والفرق بين الأجرة والرشوة هو أن الأجرة تؤخذ مقابل القيام بعمل لا يجب القيام به، أمّا الرشوة فتؤخذ مقابل القيام بعمل يجب القيام به بدون مقابل، ممن يقام بالعمل لأجله، أو مقابل عدم القيام بعمل يجب عليه القيام به.
وعلى ذلك فالرشوة هي المال الذي يعطى من أجل قضاء مصلحة يجب على الآخذ قضاؤها أو قضاء مصلحة بعدم قيام الآخذ بما يجب عليه من عمل سواء أكانت المصلحة جلب منفعةأم دفع مضرة، وسواء أكانت المصلحة حقاً أم باطلاً. ويقال لدافع الرشوة: الراشي، وللقابض لها: المرتشي، وللوسيط بينهما: الرائش.
والرشوة حرام بصريح النصوص، فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على الراشي والمرتشي)، وروى أحمد عن ثوبان قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش يعني الذي يمشي بينهما). وهذه الأحاديث عامة فتشمل كل رشوة، سواء أكانت لطلب حق أم لطلب باطل، وسواء أكانت لطلب دفع أذى أو لجلب منفعة، لرفع ظلم أو لإيقاع ظلم، فكلها حرام.
ولا يقال إن الرشوة حرام لأنها طلب باطل أو إضاعة حق، فإن كانت كذلك فهي حرام، أمّا إن كانت لطلب حق أو رفع ظلم فهي حلال. لا يقال ذلك، لأن هذا يعني أن تحريم الرشوة جاء معلَّلاً بعلّة، فإذا وُجدت وُجد الحكم، وإذا ذهبت ذهب الحكم، وهذا غير صحيح، لأن جميع النصوص التي جاءت في تحريم الرشوة لم تعلّل تحريمها بعلّة من العلل، ولا يوجد فيها ولا في أي نص ما نستنبط منه علّة لتحريم الرشوة، ولذلك كان تحريمها للنص الصريح غير المعلَّل، فلا علّة لها مطلقاً.
ولا يقال إن قضاء الحق إذا أُخِذ من صاحبه رشوة جاز لأنه أخذُ مال للقيام بعمل حلال وهو قضاء الحق. لا يقال ذلك لأن النصوص التي حرّمت الرشوة جاءت عامة فتبقى على عمومها تشمل جميع أنواع الرشوة، فإذا أريد تخصيصها واستثناء بعض أنواع الرشوة احتاج الأمر إلى نص آخر يخصصها، لأن النص لا يخصصه إلاّ نص من كتاب أو سنّة، ولم يَرِد نص فتبقى عامة دون تخصيص. وعليه فجميع أنواع الرشوة حرام لا فرق بين أن تكون طلب حق أو طلب باطل، رفع ظلم أو إيقاع ظلم، دفع أذى أو جلب منفعة، فكلها تدخل تحت عموم النص.
وكذلك لا فرق في تحريم الرشوة بين أن تكون للحاكم أو للموظف أو للرئيس أو غير ذلك، فكلها حرام. ولا يقال قد روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم)، وهذا مقيّد في الحكم فيُحمل المطلَق على المقيّد. لا يقال ذلك لأن اللفظ الذي يُعتبر الوصف قيداً له هو اللفظ المطلَق لا اللفظ العام، أمّا اللفظ العام فيجري فيه التخصيص لا التقييد. وإذا ورد معه قيد فإنه يكون من قبيل التنصيص على فرد من افراده لا من قبيل التفييد، وهنا لفظ الراشي والمرتشي والرائش لفظ عام وليس لفظاً مطلَقاً ولذلك لا يكون قوله: (في الحكم) قيداً له حتى تُحمل عليه باقي الأحاديث بل يكون تنصيصاً على فرد من أفراده وهو الحكم، فتبقى الأحاديث كلها عامة وتظل على عمومها. فكل رشوة حرام سواء أكانت لحاكم ام لموظف أم لغير ذلك. فرشوة الشرطي لدفع الأذى كرشوة الحاكم، ورشوة مدير الشركة ليشتغل بها أو حتى لا يُسرَّح منها كرشوة محصِّل الضرائب أو مبلِّغ الدعاوى حتى لا يبلّغه. ورشوة رئيس العمال حتى يخفف عنهم العمل أو لغير ذلك كرشوة العامل عند التاجر يعطيه إياها الزبون مقابل أن ينتقي له بضاعة جيدة من بين البضائع، وكرشوة عامل المطبعة ليتقن عمله يعطيه إياها صاحب الكتاب في غفلة عن صاحب المطبعة، فكلها رشوة وكلها حرام لأنها مال يؤخذ مقابل القيام بعمل يجب القيام به دون مقابل ممن يقام بالعمل لأجله.
ويدخل في الرشوة ما يدفعه بعضهم لمن له وجاهة عند موظف ليستعمل نفوذه لديه ليقضي له حاجة ولكن الموظف ليس هو الذي يأخذ المال وإنّما الذي يأخذ المال هو الذي يكلّم الموظف، فيدفع له المال مقابل مكالمته. فهذه أيضاً رشوة لأن هذا المال أعطي مقابل قضاء مصلحة ممن يجب عليه قضاؤها فكان رشوة سواء أخذه مَن قضى المصلحة أم لم يأخذه، إذ لا يُشترط في تحقق كون المال رشوة أن يأخذه من باشر القيام بقضاء المصلحة بل الشرط في كون المال رشوة أن يؤخذ هذا المال مقابل القيام بالعمل، سواء أخذه الشخص أم صديقه أم من له وجاهة عنده أم قريبه أم رئيسه أم غير ذلك، إذ العبرة في تحقق كون المال رشوة أن يؤخذ مقابل قضاء مصلحة يجب قضاؤها دون مقابل ممن تُقضى له.
ومثل الرشوة في الحُرمة الهدية تهدى للحكام والعمال وأمثالهم حتى عدّها بعضهم من الرشوة لأنها تشبهها من حيث كونها مالاً يؤخذ من أجل القيام بعمل يجب القيام به دون مقابل ممن يقام بالعمل لأجله. والفرق بين الرشوة وبين الهدية التي تهدى للحكام والعمال وأمثالهم هو أن الرشوة يعطى فيها المال مقابل قضاء المصلحة، أمّا هدايا الحكام والعمال وأمثالهم فإن المال يهدى فيها من صاحب المصلحة لا مقابل قضاء المصلحة، بل لأن الذي يهدى إليه يتولى فعلاً قضاء المصالح بنفسه أو بواسطته، سواء أُهدي طمعاً في قضاء مصلحة معيّنة أم بعد قضاء مصلحة معيّنة أم طمعاً في قضاء المصالح حين حصولها. ومن هنا كانت الرشوة والهدية التى تُهدى للحاكم ومثله متشابهين ويقاس أحدهما على الآخر، ولكن واقعهما فيه شيء من الاختلاف. وقد جاء تحريم الهدية للحاكم والعامل وأمثالهم صريحاً في الأحاديث، فقد روى البخاري عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللُّتبيَّة على صدقات بني سليم فلمّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أُهديت لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهَلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاّني الله فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أُهديت لي. فهَلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديّته إن كان صادقاً. فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئاً بغير حقه إلاّ جاء الله يحمله يوم القيامة). وروى أبو داودعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذه بعد ذلك فهو غلول)، أو قد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم سُحتاً أي مالاً حراماً، فقد أخرج الخطيب في تلخيص المتشابه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال سُحت). حُكي عن مسروق عن ابن مسعود أنه لما سئل عن السحت أهو الرشوة؟ فقال: لا , ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته فيهدي لك، فلا تقبل). وقال أبو وائل شقيق ابن سلمة أحد أئمة التابعين: "القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر".
فهذه الأحاديث حديث أبي حميد وحديث بريدة وحديث أنس، كلها صريحة في أن الهدايا التي تهدى لمن يتولون الأعمال العامة حرام، سواء أُهديت بعد القيام بعمل معيَّن أم قبل القيام به، أم أُهديت له لأنه صاحب صلاحية في أمر من الأمور أم أُهديت له لأن له وجاهة عند من بيده قضاء المصلحة، فهذه كلها حرام، وقد جاء لفظ هدايا في حديث (هدايا العمال سحت) عامة تشمل كل هدية للعمال. ويقاس على العمال كل من تولى قضاء مصلحة للناس يجب عليه قضاؤها دون مقابل يؤخذ ممن تُقضى له فإنه يحرم عليه أن يأخذ هدية أو تؤخذ هية ممن له هذه المصلحة طمعاً في قضائها. فالشرطي ورئيس الشركة ورئيس العمال ومن هو مثل هؤلاء يحرم عليهم أخذ الهدايا وتكون الهدية لهم سحتاً.
إلاّ أن الهدية لهؤلاء تكون حراماً إذا لم يكن من عادة المُهدي أن يهدي لهم، أمّا إن كان من عادته أن يهدي لهم سواء أكانوا يتولون قضاء مصالح أم لا، فإنه تجوز الهدية لهم ولا شيء فيها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (فهَلا جلستَ في بيت أبيك وبيت امك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً)، ومفهومه أن الهدية التي تُهدى له وهو جالس في بيت أبيه وأمه دون أن يكون عاملاً جائزة، وهذا يعني أن الهدية التي من شأن مُهديها أن يُهديها للشخص لو لم يكن يتولى مصالح فهي جائزة في حال توليه قضاء المصالح، كما هي جائزة في حال عدم توليه قضاء المصالح، ولا تنطبق عليها أحاديث النهي، فهي مستثناة منها بمفهوم الحديث.
من منشورات: حزب التحرير
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
كل من يملك صلاحية توجِب عليه قضاء مصلحة من مصالح الناس يكون المال الذي يؤخذ من أجل قضاء هذه المصلحة من قِبله رشوة، ولا يكون أجرة ولا بحال من الأحوال. والفرق بين الأجرة والرشوة هو أن الأجرة تؤخذ مقابل القيام بعمل لا يجب القيام به، أمّا الرشوة فتؤخذ مقابل القيام بعمل يجب القيام به بدون مقابل، ممن يقام بالعمل لأجله، أو مقابل عدم القيام بعمل يجب عليه القيام به.
وعلى ذلك فالرشوة هي المال الذي يعطى من أجل قضاء مصلحة يجب على الآخذ قضاؤها أو قضاء مصلحة بعدم قيام الآخذ بما يجب عليه من عمل سواء أكانت المصلحة جلب منفعةأم دفع مضرة، وسواء أكانت المصلحة حقاً أم باطلاً. ويقال لدافع الرشوة: الراشي، وللقابض لها: المرتشي، وللوسيط بينهما: الرائش.
والرشوة حرام بصريح النصوص، فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على الراشي والمرتشي)، وروى أحمد عن ثوبان قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش يعني الذي يمشي بينهما). وهذه الأحاديث عامة فتشمل كل رشوة، سواء أكانت لطلب حق أم لطلب باطل، وسواء أكانت لطلب دفع أذى أو لجلب منفعة، لرفع ظلم أو لإيقاع ظلم، فكلها حرام.
ولا يقال إن الرشوة حرام لأنها طلب باطل أو إضاعة حق، فإن كانت كذلك فهي حرام، أمّا إن كانت لطلب حق أو رفع ظلم فهي حلال. لا يقال ذلك، لأن هذا يعني أن تحريم الرشوة جاء معلَّلاً بعلّة، فإذا وُجدت وُجد الحكم، وإذا ذهبت ذهب الحكم، وهذا غير صحيح، لأن جميع النصوص التي جاءت في تحريم الرشوة لم تعلّل تحريمها بعلّة من العلل، ولا يوجد فيها ولا في أي نص ما نستنبط منه علّة لتحريم الرشوة، ولذلك كان تحريمها للنص الصريح غير المعلَّل، فلا علّة لها مطلقاً.
ولا يقال إن قضاء الحق إذا أُخِذ من صاحبه رشوة جاز لأنه أخذُ مال للقيام بعمل حلال وهو قضاء الحق. لا يقال ذلك لأن النصوص التي حرّمت الرشوة جاءت عامة فتبقى على عمومها تشمل جميع أنواع الرشوة، فإذا أريد تخصيصها واستثناء بعض أنواع الرشوة احتاج الأمر إلى نص آخر يخصصها، لأن النص لا يخصصه إلاّ نص من كتاب أو سنّة، ولم يَرِد نص فتبقى عامة دون تخصيص. وعليه فجميع أنواع الرشوة حرام لا فرق بين أن تكون طلب حق أو طلب باطل، رفع ظلم أو إيقاع ظلم، دفع أذى أو جلب منفعة، فكلها تدخل تحت عموم النص.
وكذلك لا فرق في تحريم الرشوة بين أن تكون للحاكم أو للموظف أو للرئيس أو غير ذلك، فكلها حرام. ولا يقال قد روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم)، وهذا مقيّد في الحكم فيُحمل المطلَق على المقيّد. لا يقال ذلك لأن اللفظ الذي يُعتبر الوصف قيداً له هو اللفظ المطلَق لا اللفظ العام، أمّا اللفظ العام فيجري فيه التخصيص لا التقييد. وإذا ورد معه قيد فإنه يكون من قبيل التنصيص على فرد من افراده لا من قبيل التفييد، وهنا لفظ الراشي والمرتشي والرائش لفظ عام وليس لفظاً مطلَقاً ولذلك لا يكون قوله: (في الحكم) قيداً له حتى تُحمل عليه باقي الأحاديث بل يكون تنصيصاً على فرد من أفراده وهو الحكم، فتبقى الأحاديث كلها عامة وتظل على عمومها. فكل رشوة حرام سواء أكانت لحاكم ام لموظف أم لغير ذلك. فرشوة الشرطي لدفع الأذى كرشوة الحاكم، ورشوة مدير الشركة ليشتغل بها أو حتى لا يُسرَّح منها كرشوة محصِّل الضرائب أو مبلِّغ الدعاوى حتى لا يبلّغه. ورشوة رئيس العمال حتى يخفف عنهم العمل أو لغير ذلك كرشوة العامل عند التاجر يعطيه إياها الزبون مقابل أن ينتقي له بضاعة جيدة من بين البضائع، وكرشوة عامل المطبعة ليتقن عمله يعطيه إياها صاحب الكتاب في غفلة عن صاحب المطبعة، فكلها رشوة وكلها حرام لأنها مال يؤخذ مقابل القيام بعمل يجب القيام به دون مقابل ممن يقام بالعمل لأجله.
ويدخل في الرشوة ما يدفعه بعضهم لمن له وجاهة عند موظف ليستعمل نفوذه لديه ليقضي له حاجة ولكن الموظف ليس هو الذي يأخذ المال وإنّما الذي يأخذ المال هو الذي يكلّم الموظف، فيدفع له المال مقابل مكالمته. فهذه أيضاً رشوة لأن هذا المال أعطي مقابل قضاء مصلحة ممن يجب عليه قضاؤها فكان رشوة سواء أخذه مَن قضى المصلحة أم لم يأخذه، إذ لا يُشترط في تحقق كون المال رشوة أن يأخذه من باشر القيام بقضاء المصلحة بل الشرط في كون المال رشوة أن يؤخذ هذا المال مقابل القيام بالعمل، سواء أخذه الشخص أم صديقه أم من له وجاهة عنده أم قريبه أم رئيسه أم غير ذلك، إذ العبرة في تحقق كون المال رشوة أن يؤخذ مقابل قضاء مصلحة يجب قضاؤها دون مقابل ممن تُقضى له.
ومثل الرشوة في الحُرمة الهدية تهدى للحكام والعمال وأمثالهم حتى عدّها بعضهم من الرشوة لأنها تشبهها من حيث كونها مالاً يؤخذ من أجل القيام بعمل يجب القيام به دون مقابل ممن يقام بالعمل لأجله. والفرق بين الرشوة وبين الهدية التي تهدى للحكام والعمال وأمثالهم هو أن الرشوة يعطى فيها المال مقابل قضاء المصلحة، أمّا هدايا الحكام والعمال وأمثالهم فإن المال يهدى فيها من صاحب المصلحة لا مقابل قضاء المصلحة، بل لأن الذي يهدى إليه يتولى فعلاً قضاء المصالح بنفسه أو بواسطته، سواء أُهدي طمعاً في قضاء مصلحة معيّنة أم بعد قضاء مصلحة معيّنة أم طمعاً في قضاء المصالح حين حصولها. ومن هنا كانت الرشوة والهدية التى تُهدى للحاكم ومثله متشابهين ويقاس أحدهما على الآخر، ولكن واقعهما فيه شيء من الاختلاف. وقد جاء تحريم الهدية للحاكم والعامل وأمثالهم صريحاً في الأحاديث، فقد روى البخاري عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللُّتبيَّة على صدقات بني سليم فلمّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أُهديت لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهَلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاّني الله فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أُهديت لي. فهَلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديّته إن كان صادقاً. فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئاً بغير حقه إلاّ جاء الله يحمله يوم القيامة). وروى أبو داودعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذه بعد ذلك فهو غلول)، أو قد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم سُحتاً أي مالاً حراماً، فقد أخرج الخطيب في تلخيص المتشابه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال سُحت). حُكي عن مسروق عن ابن مسعود أنه لما سئل عن السحت أهو الرشوة؟ فقال: لا , ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته فيهدي لك، فلا تقبل). وقال أبو وائل شقيق ابن سلمة أحد أئمة التابعين: "القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر".
فهذه الأحاديث حديث أبي حميد وحديث بريدة وحديث أنس، كلها صريحة في أن الهدايا التي تهدى لمن يتولون الأعمال العامة حرام، سواء أُهديت بعد القيام بعمل معيَّن أم قبل القيام به، أم أُهديت له لأنه صاحب صلاحية في أمر من الأمور أم أُهديت له لأن له وجاهة عند من بيده قضاء المصلحة، فهذه كلها حرام، وقد جاء لفظ هدايا في حديث (هدايا العمال سحت) عامة تشمل كل هدية للعمال. ويقاس على العمال كل من تولى قضاء مصلحة للناس يجب عليه قضاؤها دون مقابل يؤخذ ممن تُقضى له فإنه يحرم عليه أن يأخذ هدية أو تؤخذ هية ممن له هذه المصلحة طمعاً في قضائها. فالشرطي ورئيس الشركة ورئيس العمال ومن هو مثل هؤلاء يحرم عليهم أخذ الهدايا وتكون الهدية لهم سحتاً.
إلاّ أن الهدية لهؤلاء تكون حراماً إذا لم يكن من عادة المُهدي أن يهدي لهم، أمّا إن كان من عادته أن يهدي لهم سواء أكانوا يتولون قضاء مصالح أم لا، فإنه تجوز الهدية لهم ولا شيء فيها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (فهَلا جلستَ في بيت أبيك وبيت امك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً)، ومفهومه أن الهدية التي تُهدى له وهو جالس في بيت أبيه وأمه دون أن يكون عاملاً جائزة، وهذا يعني أن الهدية التي من شأن مُهديها أن يُهديها للشخص لو لم يكن يتولى مصالح فهي جائزة في حال توليه قضاء المصالح، كما هي جائزة في حال عدم توليه قضاء المصالح، ولا تنطبق عليها أحاديث النهي، فهي مستثناة منها بمفهوم الحديث.
من منشورات: حزب التحرير
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات