أبو طه
10-05-2009, 08:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
البارحة جافاني النوم، تقلبت كثيراً على ما اصطلح على تسميته مجازاً بالسرير، يفكر الإنسان عادة قبل النوم في همومه وقضاياه الشخصية، أسرته، عمله، مشاريعه المستقبلية، كيف سيشتم مديره غداً ويرميه باستقالة عنيفة مسبّبة؟! يتحوّل فجأة إلى الحاسبة، فهذه واحدة من أفضل ابتكارات العصر لدى البسطاء، إنها تضاهي البنسلين، فيها تقضي ساعات قبل النوم تحسب الديون الحالية والمستقبلية، فكرة أن يسعى الإنسان لضبط موازنته الشخصية كفيلة أحياناً بدفعك إلى الموت وليس النوم فقط، وميزتها أيضاً، إنها تسمح باستخدام الهاتف على السرير بحجة القيام ببعض الحسابات! عيبها الوحيد أنها تنقض عندك فكرة الاستقالة وشتم المدير! وهي تتنبأ بقدرتك على تحمل عشرات المديرين في حياتك المقبلة وليس مديرا واحدا فحسب، الحاسبة اللعينة تنقلك من طور الهموم الشخصية على السرير إلى طور آخر، التفكير بقضايا الأمة يخفف من أعبائك الشخصية، تبدأ مرحلة الهموم الكبرى، أنا مثلا أمضيت ليلة بطولها وعرضها أفكر بشيء واحد، السلطة الوطنية الفلسطينية!
ذات لقاء، حكى لنا المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة كيف أن جهةً ما منعت توزيع كتاب له بسبب توضيح بسيط في أسفل واحدة من صفحاته، التوضيح كان لعنوان فرعي نصه (الثورة العربية الكبرى)، وقد كتب الدكتور في الهامش الملاحظة التالية «وهي -أي الثورة- في نظر المؤلف لا ثورة ولا عربية ولا كبرى»! تذكرت هذه الحادثة وأنا أصارع النوم في ليلة ليست كغيرها، متسائلاً: هل ثمة ما في السلطة الوطنية الفلسطينية يمكن أن يكون له علاقة بالعنوان؟ إنها لا سلطة ولا وطنية ولا فلسطينية!
ذِكْرُ السلطة الوطنية وحدها باعث على الأرق، وأن تحوم الأسماء التالية فوق رأسك فهذا أمر مخيف، محمود عباس ومحمد دحلان وسلام فياض وصائب عريقات وريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وجين كيركباتريك وباولا دوبريانسكي ودانيال بايبس وديفيد وورمزر وأليوت أنغل وصبحي السمّوني! عفواً، من هو صبحي السمّوني هذا؟ وما علاقته بأصدقاء إسرائيل الواردة أسماؤهم؟
صبحي رجل فلسطيني من غزة، استشهد أطفاله الثلاثة في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة -وليس الضفة- نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، قرأت شخصياً خبر استخراجه لأشلاء أطفاله الثلاثة في الحرب مقطعين (انصاص انصاص) كما قال، ظهر يوم أمس على شاشة الجزيرة مبهوتاً: كيف سعى رجال السلطة وبديناميكية غريبة وضغطوا باتجاه تأجيل التصويت على تقرير القاضي غولدستون الذي يدين إسرائيل على جرائمها في غزة؟! تلقى السفير الفلسطيني في مجلس حقوق الإنسان توجيهاً من «الرئيس» محمود عباس لثني الدول العربية والإسلامية والأوروبية عن التصويت على التقرير وتأجيله إلى مارس المقبل! لماذا فعل ذلك الرئيس عباس؟ لماذا يحقن دم أولمرت وباراك وغابي أشكنازي؟ لا يعرف الحاج صبحي السمّوني!
ليس السمّوني وحده يجهل السبب، كلنا في الجهل سواء، فكيف تطلب ما تسمى «دولة فلسطين» من العالم ألا يدين «دولة إسرائيل» في قتلها لمواطنين فلسطينيين؟! من يمكن أن يفعل ذلك في الدنيا؟ والحاج صبحي السمّوني رجل تعليمه بسيط على ما يبدو، لم يطلع على آخر ابتكارات السياسة، والنظريات التي استحدثتها سلطة الرئيس محمود عباس وسلام فياض في النضال الوطني، فثمة ما بعد النضال على غرار ما بعد الحداثة، والميتافيزيقيا وحدها قادرة على فهم النبوءة الرئاسية في تعطيل التقرير الذي يدين إسرائيل.
لقد تطوَّرت فكرة الصراع مع إسرائيل على يد الجوقة الرئاسية في رام الله، انتهت مرحلة الصراع معها، وتجاوزنا مرحلة التفاوض بهدف تحقيق المكاسب، فضلاً عن التفاوض من أجل التفاوض، الآن تدشن السلطة عهدا جديدا عنوانه الدفاع عن إسرائيل والحفاظ على مصالحها ومكتسباتها، كما فعل يوسف منير المدير التنفيذي لإدارة «صندوق القدس للثقافة والتنمية الاجتماعية» في واشنطن المؤيد للاستيطان الإسرائيلي حين كتب مقالا بصحيفة «بوسطن غلوب» الأميركية في يونيو الماضي يرى فيه أن على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن توضح للإسرائيليين فقط «أن للمستوطنين الحرية في النمو العائلي ما دامت مستوطناتهم تنمو عمودياً وليس أفقياً على الأرض الفلسطينية»!! يوسف منير عينه الرئيس عباس في المنصب.
هل أكمل يا حاج صبحي؟ حقيقة لا أريد أن أفعل ذلك، وأعرف أنك أيضاً لا تريد، رائحة أطفالك الشهداء ما زالت زكية وتعطر المكان، ولا حاجة لتلويثه بأسماء أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأسماء اللجنة التنفيذية لحركة فتح، وياسر عبدربه.
رحم الله أطفالك وكل شهدائنا يا حاج.
علي الظفيري
4-10-2009
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=99915&issueNo=653&secId=15 (http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=99915&issueNo=653&secId=15)
البارحة جافاني النوم، تقلبت كثيراً على ما اصطلح على تسميته مجازاً بالسرير، يفكر الإنسان عادة قبل النوم في همومه وقضاياه الشخصية، أسرته، عمله، مشاريعه المستقبلية، كيف سيشتم مديره غداً ويرميه باستقالة عنيفة مسبّبة؟! يتحوّل فجأة إلى الحاسبة، فهذه واحدة من أفضل ابتكارات العصر لدى البسطاء، إنها تضاهي البنسلين، فيها تقضي ساعات قبل النوم تحسب الديون الحالية والمستقبلية، فكرة أن يسعى الإنسان لضبط موازنته الشخصية كفيلة أحياناً بدفعك إلى الموت وليس النوم فقط، وميزتها أيضاً، إنها تسمح باستخدام الهاتف على السرير بحجة القيام ببعض الحسابات! عيبها الوحيد أنها تنقض عندك فكرة الاستقالة وشتم المدير! وهي تتنبأ بقدرتك على تحمل عشرات المديرين في حياتك المقبلة وليس مديرا واحدا فحسب، الحاسبة اللعينة تنقلك من طور الهموم الشخصية على السرير إلى طور آخر، التفكير بقضايا الأمة يخفف من أعبائك الشخصية، تبدأ مرحلة الهموم الكبرى، أنا مثلا أمضيت ليلة بطولها وعرضها أفكر بشيء واحد، السلطة الوطنية الفلسطينية!
ذات لقاء، حكى لنا المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة كيف أن جهةً ما منعت توزيع كتاب له بسبب توضيح بسيط في أسفل واحدة من صفحاته، التوضيح كان لعنوان فرعي نصه (الثورة العربية الكبرى)، وقد كتب الدكتور في الهامش الملاحظة التالية «وهي -أي الثورة- في نظر المؤلف لا ثورة ولا عربية ولا كبرى»! تذكرت هذه الحادثة وأنا أصارع النوم في ليلة ليست كغيرها، متسائلاً: هل ثمة ما في السلطة الوطنية الفلسطينية يمكن أن يكون له علاقة بالعنوان؟ إنها لا سلطة ولا وطنية ولا فلسطينية!
ذِكْرُ السلطة الوطنية وحدها باعث على الأرق، وأن تحوم الأسماء التالية فوق رأسك فهذا أمر مخيف، محمود عباس ومحمد دحلان وسلام فياض وصائب عريقات وريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وجين كيركباتريك وباولا دوبريانسكي ودانيال بايبس وديفيد وورمزر وأليوت أنغل وصبحي السمّوني! عفواً، من هو صبحي السمّوني هذا؟ وما علاقته بأصدقاء إسرائيل الواردة أسماؤهم؟
صبحي رجل فلسطيني من غزة، استشهد أطفاله الثلاثة في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة -وليس الضفة- نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، قرأت شخصياً خبر استخراجه لأشلاء أطفاله الثلاثة في الحرب مقطعين (انصاص انصاص) كما قال، ظهر يوم أمس على شاشة الجزيرة مبهوتاً: كيف سعى رجال السلطة وبديناميكية غريبة وضغطوا باتجاه تأجيل التصويت على تقرير القاضي غولدستون الذي يدين إسرائيل على جرائمها في غزة؟! تلقى السفير الفلسطيني في مجلس حقوق الإنسان توجيهاً من «الرئيس» محمود عباس لثني الدول العربية والإسلامية والأوروبية عن التصويت على التقرير وتأجيله إلى مارس المقبل! لماذا فعل ذلك الرئيس عباس؟ لماذا يحقن دم أولمرت وباراك وغابي أشكنازي؟ لا يعرف الحاج صبحي السمّوني!
ليس السمّوني وحده يجهل السبب، كلنا في الجهل سواء، فكيف تطلب ما تسمى «دولة فلسطين» من العالم ألا يدين «دولة إسرائيل» في قتلها لمواطنين فلسطينيين؟! من يمكن أن يفعل ذلك في الدنيا؟ والحاج صبحي السمّوني رجل تعليمه بسيط على ما يبدو، لم يطلع على آخر ابتكارات السياسة، والنظريات التي استحدثتها سلطة الرئيس محمود عباس وسلام فياض في النضال الوطني، فثمة ما بعد النضال على غرار ما بعد الحداثة، والميتافيزيقيا وحدها قادرة على فهم النبوءة الرئاسية في تعطيل التقرير الذي يدين إسرائيل.
لقد تطوَّرت فكرة الصراع مع إسرائيل على يد الجوقة الرئاسية في رام الله، انتهت مرحلة الصراع معها، وتجاوزنا مرحلة التفاوض بهدف تحقيق المكاسب، فضلاً عن التفاوض من أجل التفاوض، الآن تدشن السلطة عهدا جديدا عنوانه الدفاع عن إسرائيل والحفاظ على مصالحها ومكتسباتها، كما فعل يوسف منير المدير التنفيذي لإدارة «صندوق القدس للثقافة والتنمية الاجتماعية» في واشنطن المؤيد للاستيطان الإسرائيلي حين كتب مقالا بصحيفة «بوسطن غلوب» الأميركية في يونيو الماضي يرى فيه أن على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن توضح للإسرائيليين فقط «أن للمستوطنين الحرية في النمو العائلي ما دامت مستوطناتهم تنمو عمودياً وليس أفقياً على الأرض الفلسطينية»!! يوسف منير عينه الرئيس عباس في المنصب.
هل أكمل يا حاج صبحي؟ حقيقة لا أريد أن أفعل ذلك، وأعرف أنك أيضاً لا تريد، رائحة أطفالك الشهداء ما زالت زكية وتعطر المكان، ولا حاجة لتلويثه بأسماء أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأسماء اللجنة التنفيذية لحركة فتح، وياسر عبدربه.
رحم الله أطفالك وكل شهدائنا يا حاج.
علي الظفيري
4-10-2009
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=99915&issueNo=653&secId=15 (http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=99915&issueNo=653&secId=15)